Thursday 15 May 2025
كتاب الرأي

اسمهان عمور: شارع باتريس لمومبا

اسمهان عمور: شارع باتريس لمومبا اسمهان عمور
عودت نفسي كل صباح قبل أن تتشابك خيوط الشمس لتنير المدينة أن أفتح شباك نافدة بيتي المطل على شارع باتريس لمومبا - شارع يحمل إسم مناضل إفريقي دافع عن قيم الحرية والمساواة ، شارع ممتد يوشك أن يكون فاصلا لمنطقة حسان إلى نصفين .
كنت وأنا التي قطعت من العمر زمانا - أقطن بيتا بشارع علال بنعبد الله . كلما اجتزت المسافة بين الإقامة والإذاعة حيث أشتغل أتطلع إلى ساكني هذا الشارع خاصة المنطقة المحادية لمبنى الإذاعة والتلفزيون  وصندوق الإيداع والتدبير.
وتمنيت لو كان نصيب من حظ هؤلاء.
فعلا وبلا عناد مع القدر،  وجدتني أنا وعائلتي نشغل جزءا يسيرا من هذا الشارع .
بعد مرور 21 سنة لازلت أفتح الشرفة لأطل على الطير وهو يسبح لله بلغته وبخيوط الشمس المتشابكة تزحف ناثرة بياض الصبح، وعاملو النظافة لا يخلفون الموعد مع حاويات القمامة وعاملات النظافة بوزرتهن الحاملة لاسم الشركة يتحدثن عن ما تركن بين الجدران من هم وعلل.
عامل النظافة يجر صندوق القمامة ويسحب ما علق بالأرض بسعف نخلة.
لا ينفك من سماع ما تيسر من القرٱن الكريم لعل الترتيل يقلص ما انتابه من ألم حمل السعفة وسحب الحاوية.
وجه عامل النظافة أصبحت أألفه ولا أخطئ تفاصيل قامته وحركات مشيته.
تعود أن يثقل المشي والسحب جنب البناية، أحسست بأن الرجل يرمقني خلسة كل صباح منتظرا فتح الشباك لتسقط ورقة ملفوفة بعناية فيتناولها داعيا لي برحمة الوالدين، أراقبه متجها إلى الطرف الٱخر منتشيا كلما خطا أحسست بسهام الفرح الغير الدامية تختلجني توقد في ٱدميتي مرددة الله الرزاق.
أضبط ساعة الزمن من قدوم الشاحنة وسائقها وأعوان النظافة الذين يفرغون حاويات القمامة مما ملأ بطون الساكنة، أحسست أن هؤلاء هم الشريحة المخلصة فيما تؤديه يوميا دون انزعاج لا يتلكؤون أبدا في جمع ما تبقى في الأرض إما بسعفة النخل أو بأيديهم الفارغة من القفازات.
كم يلزمنا من الوقت لأن نؤمن بأن هؤلاء لولاهم لعلقت بنا كل ديدان الكون ، لولا هؤلاء الذين يختمون شهرهم بإفراغ الجيب في تسديد الفواتير لعم الوباء وانتشر .
إنها الفئة التي في زمن كورونا ظلت مرتبطة تتحدى الفيروس وتفرغ الحاويات مما أكل البشر.
ألا يستحق هؤلاء الرفع من الأجر حتى إذا داهمتهم فيروسات مخلفاتنا إئتمنوا على تسديد فواتير العلاج . إنه شارع باتريس لمومبا إسم الرجل الذي ناضل وقاوم من أجل الحرية والعدالة الإجتماعية، هل يحس هذا المناضل الإفريقي الذي يحمل الشارع إسمه أنه لم يخدل ؟
تحية لكل عاملي النظافة .