الثلاثاء 23 إبريل 2024
مجتمع

المغربي البسيط و"كورونا": الأسئلة، السلوكيات، جهود الدولة وسوء الفهم الكبير؟!

المغربي البسيط و"كورونا": الأسئلة، السلوكيات، جهود الدولة وسوء الفهم الكبير؟! الباحث السياسي أحمد شتاشني مع مشهد من تدابير إجراءات الحجر الصحي

لماذا لا يكترث عموم المواطنين بخطورة وباء "كوفيد- 19"، ولا يمتثلون، خاصة في الأوساط الشعبية، للإجراءات الاحترازية التي تفرضها السلطات العمومية للحد من تفشي الجائحة؟

 

وهل ساهم طول مدة تفشي الوباء وانعكاسات تدابير الحجر الصحي على الوضع الاقتصادي، في التأثير على سلوكيات المواطن ذات الصلة؟

 

غموض اكتنف في البداية الخطاب الرسمي بشأن خطر وتداعيات الوباء

الباحث السياسي المختص في الأنتروبولوجيا الحضرية، أحمد شتاشني، أكد أن "الغموض الذي اكتنف في البداية مضمون الخطاب الرسمي لإبراز خطورة الوباء وتداعياته الصحية، وعدم نشر معطيات وافية بشأن الجائحة، أثرا نسبياً على القرار المناسب"، وهو ما ولد "تضارباً في الآراء" حول خطورة الوباء والتدابير الإحترازية اللازمة لتطويقه ومحاربته.

 

ورأى شتاشني، في حديث مع "وكالة المغرب العربي للأنباء"، أن السلطات العمومية اتخذت مع بداية تفشي الجائحة، في مارس الماضي، إجراءات احترازية صارمة أدت إلى تطبيق الحجر الصحي الكلي بما في ذلك إغلاق الحدود، وفرض الاشتغال الوظيفي والدراسة عن بعد، والمكوث في البيوت في وقت كانت فيه حالات الإصابات المؤكدة لا تتعدى بالكاد العشرين، في حين أنه "بعد تزايد حالات الإصابات تدريجياً، تم فتح الحدود والمدارس والمطاعم والمقاهي وحتى المساجد".

 

إن "المواطن البسيط"، يضيف شتاشني، من الصعب عليه "فهم واستيعاب مثل هذه القرارات وإدراك خطورة الوباء، ولا سيما مع تسجيل حالات تساهل في عز الأزمة الصحية في ما يخص حظر السير والجولان بين المدن التي عرفت تفشياً للجائحة". ورأى أن "علاقة غير وطيدة تولدت بين الخطاب الرسمي وتطبيق التدابير الصحية ذات الصلة على أرض الميدان من جهة، والواقع المعاش من جهة أخرى".

 

سلوكيات المواطن في تعامله مع الوباء وجهود الدولة تفسرها عدة عوامل

يؤكد الباحث أن هناك "عوامل مادية واقتصادية وسيكولوجية ودينية تفسر سلوكيات المواطن إزاء تعامله مع هذا الوباء، ومع مجهودات الدولة لاحتوائه"، فالهوة بين الخطاب السياسي والصحي من جهة، والواقع المعاش من جهة أخرى، أديا برأي شتاشني إلى "انبثاق عنصر مادي واجتماعي يصعب معه فرض إجراء الحجر الصحي الذي يشكل أداة للوقاية المجتمعية من أية تهديدات وبائية أو غيرها".

 

وشدد المتحدث المختص في الأنتروبولوجيا الحضرية على أنه "لا يمكن بتاتاً فرض إجراءات الحجر والتباعد الجسدي في وحدات السكن غير اللائق، مثلاً، والتي تفتقد للمساحة الضرورية ولأبسط ضروريات العيش الكريم (ماء، كهرباء، تطهير)، ولا تتسع حتى لإيواء أفراد الأسرة الواحدة".

 

وفي الشق الاقتصادي، طرح القطاع غير المهيكل والذي يحتضن شرائح واسعة من أفراد المجتمع، كأسواق القرب والبيع الجائل اختلالات بنيوية، وهو ما تجسد في عدم التجاوب مع مجهودات الدولة في هذا الباب رغم رصد هذه الأخيرة اعتمادات ضخمة، في بادئ الأمر، لدعم الفئات المتضررة. فعرض البضائع للبيع في الأسواق الشعبية، يؤكد الباحث ذاته، لا يمكن خلاله "استيفاء شروط التباعد الجسدي والوقاية اللازمتين"، خاصة وأن الأمر يبدو من الصعوبة بمكان حينما تمثل مثل "هذه الأنشطة المعيشية مصدر عيش شرائح واسعة من المجتمع".

 

الأحزاب والأجهزة التمثيلية المحلية انزوت إلى الوراء في زمن الجائحة

مهما يكن من أمر، فإن العنصر السيكولوجي لفهم وإدراك تصرفات المواطنين في خضم تفشي جائحة "كورونا"، يردف شتاشني، موازاة مع طول مدة الحجر الصحي، "يكمن في أن مجتمعاً ببنية اجتماعية ممتدة على غرار باقي المجتمعات المتوسطية، والتي تعتمد أنماط عيش حميمية/ اجتماعية تتميز بسهولة التواصل الاجتماعي ومداومة اللقاءات بين الأصدقاء وأفراد العائلة الكبيرة، لا يمكنه مطلقاً الالتزام بالتباعد الاجتماعي وقطع الصلة العائلية وحجب الزيارات الأسرية".

 

وإلى جانب ذلك، يطرح الوازع الديني جانباً آخر من الأهمية لفهم سلوكيات المجتمع بهذا الخصوص، وتجلى ذلك أساساً في حرص المواطنين على الاحتفال بعيد الأضحى، وهو ما ترتب عنه تزايد وتيرة عدم الاكتراث بالخطر المحذق الذي يشكله الوباء، تزامناً مع تنامي معدل السفر بين المدن، واتساع رقعة اللقاءات العائلية البينية.

 

وفضلاً عن ذلك، يؤكد شتاشني، ساهم تنامي "فقدان المواطن للثقة في الهيئات الوسيطة كالأحزاب، مثلاً، وفي الأجهزة التمثيلية المحلية، والتي انزوت إلى الوراء وبات حضورها محتشماً على مستوى الخطاب السياسي في زمن الجائحة، في تنامي وازع عدم الاكتراث الشعبي".

 

وينضاف إلى ذلك، يخلص الباحث ذاته، "تراجع دور المدرسة التوعوي والتثقيفي وغياب مؤسسات تعنى بأدوار من هذا القبيل"، وهو ما أسهم في "بروز جيل غير واع وغير مدرك لخطورة الأشياء"، وبالتالي "لا يمكنه البتة استيعاب الرسائل الرسمية بسهولة، والتعامل معها بكيفية عقلانية".

 

عن "ومع"