يرى ادريس اليزمى رئيس مجلس الجالية المغربية في الخارج أن مجمل المشاكل المرتبطة بمعالجة الأحوال الشخصية لمغاربة العالم والنساء بصفة خاصة ناتجة أساسا عن الاختلاف في القراءات وفي التطبيقات والممارسات القضائية في كل من المغرب وبلدان الاستقرار.
وقال اليزمى الذى كان يتحدث في افتتاح اللقاء الدراسي الحضوري والافتراضي حول "الحماية القانونية للمرأة المهاجرة على ضوء مدونة الأسرة والاتفاقيات الدولية أن اعتماد مدونة الأسرة سنة 2004وإن كان قد مكسـبـا مهما، وتحولا عميقا في الترسانة القانونية المنظمة لمجالات الأحوال الشخصية للمغاربة، بغض النظر عن أماكن تواجدهم، غير أنهبعد مرور 16 سنة من التطبيق العملي لهذه المدونة، كشف عن وجود عدة صعوبات، تعترض مغاربة العالم،ضمن فئات أخرى معنية بهذا القانون.
وفي هذا السياق،لاحظ الأمين العام السابق للفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، أن غالبية الصعوبات التي يعانى منها مغاربة العالم، تعود بالدرجة الأولى الى ازدواجية المرجعية المتحكمة في ميدان الأسرةموضحا أن هناك من جهة مرجعية مدونة الأسرة التي كانت نتيجة نقاش مغربي مغربي، سلمي وتعددي وحاد أيضا، وتوج بتحكيم ملكي حكيم، سمح في بداية الألفية ببلورة توافق وطني يواكب إلى حد كبير تحولات المجتمع المغربي والسياق الدولي ويراعى في نفس الوقت تطور المنظومة التشريعية ومرجعية الأنظمة القانونية الوضعيةببلدان الاستقرار.
فهذا الاختلاف في المرجعيات، بظلاله السلبية على وضعية مغاربة العالم، ويضعهم في مأزق بين الاحتكام في أحوالهم الشخصية للتشريع الوطني من جهة، وما تفرضه قوانين بلدان الاستقرار من جهة أخرى مضيفا أن تضييق مجالات تطبيق مدونة الأسرة على مغاربة العالم، يساهم كذلك في عدم اعتماد القضاء الأجنبي على العديد من الأحكام والعقود الصادرة عن المحاكم المغربية، بدعوى مخالفتها للمنظومة القانونية والحقوقية الدولية والاجتهاد القضائي ببلدان الاستقرار.
إن مغاربة العالم يواجهون هذه الإشكاليات، وهميعيشون في نفس الوقت تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة، منها على وجه الخصوصالتأنيث والتجنيس والزواج المختلط، ولكن أيضا التحول المركزي الذي يعبر بقوة عن مسلسل الاندماج الذى يلاحظ، من خلال بروز الأجيال الجديدة التي نشأت وترعرعت في بلدان الاستقرار.
ويأتي هذا اللقاء الذي خصص لتدارس محورين يتعلقان ب"المرأة المغربية المقيمة بالخارج بين الحماية القانونية والقضائية والمواكبة المؤسساتية" و" الحماية القانونية للمرأة المغربية من خلال الاتفاقات الدولية ثنائية ومتعددة الأطراف"، في سياق النقاش الدائر حول تعديل مدونة الاسرة التي أبانت التجربة العلمية لتطبيق مقتضياتها عن وجود صعوبات ونقائص، لاسيما في زواج وطلاق المرأة المقيمة بالخارج.
وبعدما قال اليزمي " نحن إذا في ظل هكذا وضع، أمام أجيال تمزج بين مشارب ثقافية وقيمية مختلفة"، عبر عن اعتقاده الراسخ بأن مجمل المشاكل المرتبطة بمعالجة الأحوال الشخصية لمغاربة العالم والنساء بصفة خاصة ناتجة أساسا عن الاختلاف في القراءات وفي التطبيقات والممارسات القضائية في كل من المغرب وببلدان الاستقرار.
لذا، وبفعل هذه التحولات القانونية والمجتمعية المتسارعة، أصبح من الضروريربط مؤسسة الأسرة ببعدها الكوني الإنساني وذلك بالعمل على إحداث المكانيزمات اللازمة لتتبع الصعوبات التي يثيرها التعاون القضائي بين المغرب وبلدان الاستقرار، وهو الأمر الذي يتطلب إدراج مبادئ القانون الدولي الخاص في التعديلات المحتملة، وضمان انفتاح أكبر على الاتفاقيات الدولية والقوانين المقارنة مع تبادل الممارسات الفضلى على المستويين القضائي والتشريعي،بهدف الارتقاء بمستوى مدونة الأسرة وجعلهاتواكب التحولات المجتمعية وخاصة لدى مغاربة العالم حسب اليزمى الذى تساءل عن ماهي النقاط الأساسية لحل اشكال الأحوال الشخصية؟ والصعوبات العملية القائمة بدون اللجوء الى مسطرة تغيير القوانين؟، وهل من الممكن بلورة خارطة طريق بهذا الخصوص؟.
وفي ظل هكذا معطيات، أبانتمدونة الأسرة عن محدوديتها وقصورها عن إيجاد الحلول القانونية لمغاربة العالم - يقول رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج،مما يتطلب مراجعة بعض مواد هذه المدونة مراجعة شاملة، لاستيعاب الثغرات التي رصدها التطبيق العملي لمقتضياتها خصوصا بعد إقرار مقتضيات دستور 2011، وَالتدابير الايجابية التي اتخذتها المملكة المغربية في ميدان رَفْع تَحَفُّظِها عن بعض بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
كما اعتبر أنه من الأهمية بمكان مواكبة المشرع للاجتهاد القضائي للحسم في الخلافات والإشكالات الناجمة عن تطبيق مدونة الأسرة خاصة ما يتعلق بالقانون الأفضل للمرأة وتكريس سمو تطبيق الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية، تماشيا مع المقتضيات الدستورية فضلا عن العمل على اعتماد الآليات الكفيلة بتحديد مفهوم النظام العام وعصرنة وتحديث الترسانة القانونية الوطنية.
و قدم عدد من الخبراء والقضاة ومحامين مغاربة يمارسون بالمغرب والخارج، خلال الجلسة الثانية في هذه الندوة مداخلات تمحورت حول تقييم تتبع تنفيذ اتفاقيات التعاون القضائي في الميدان المدني ودور المعاهدات والاتفاقيات الدولية في حماية المرأة المهاجرة وحرية تنقل الزوجة المطقة والأطفال وإشكالية الاعتراف المتبادل بأحكام الطلاق وحضانة الأطفال عند مغادرة أحد الأبوين لبلد الإقامة.
وكانت نزهة الوفي الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، قد كشفت في افتتاح هذا اللقاء المنظم بمناسبة اليوم الوطني للمرأة الذى يصادف 10 أكتوبر من كل سنة، أن الدراسة التقيمية التي قامت بها الوزارة حول اتفاقات التعاون القضائي في الميدان المدني في علاقاته بالحقوق الاجتماعية والقانونية لمغاربة العالم، مكنت من الوقوف على أن أبرز الاشكالات التي وقفت عليها تتمثل في صعوبة اعتراف قضاء دول الاستقبال ببعض الاحكام الصادرة عن المحاكم المغربية، وصعوبة تذييل الأحكام الصادرة عن محاكم مغربية ببلدان الإقامة.
ولاحظت أن فريق العمل الذي يدرس الشكايات المتوصل بها من طرف الوزارة، والتي تهم مختلف الإشكاليات القضائية والقانونية التي تعترض المغاربة المقيمين بالخارج، تبين أن جلها يعود الىفراغ تشريعي وغياب نصوص قانونية لمعالجة بعض الظواهر التي أفرزتها مسألة الهجرة لمغاربة العالم، وكذا الى قصور في بعض المواد القانونية التي أصبحت تطرح إشكالا قانونيا حقيقيا، مما يتطلب تعديلها أو اصلاح أوضاعها القانونية بمراسيم أو مناشير وزارية، حيث يتعلق الأمر بمدونة الأسرة وقانون الجنسية وقانون الحالة المدنية وقانون المسطرة المدنية والقانون الجنائي وقانون التحفيظ العقاري.