الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بكار السباعي: الإعدام.. رفعت الجلسة

الحسين بكار السباعي: الإعدام.. رفعت الجلسة الحسين بكار السباعي

من أبشع الجرائم، تلك التي ترتكب ضد البراءة. أشكال متعددة من العنف الممارس ضد الطفولة بدأ من السماح بتشغيلها في الأوراش والمزارع والبيوت، في تجاوز للنظم والقوانين، وعلى رأسها مدونة الشغل؛ وصولا لجرائم الاغتصاب وهتك العرض المصحوب بأعمال العنف الجسدي التي في بعضها تكون مصحوبة بارتكاب جرائم القتل العمد كما هو الحال بالنسبة لجريمة طنجة المروعة .

 

كثير من القضايا الجنائية التي ذهب ضحيتها أطفال صغار في عمر الزهور، راجت بمختلف محاكمنا وما زال بعضها طور التحقيق أو المحاكمة، ليبقى الفعل واحد أفظع والجاني ذئب بشري تعرى من قيم الإنسانية والرحمة.

 

مازلنا نتذكر قضية سفاح تارودانت مغتصب وقاتل الأطفال، ومازالت ذاكرتنا تختزل ذلك الكم من المرافعات من دفاع الضحايا، وحتى من النيابة العامة، مرافعات امتزجت فيها لغة القانون بالدموع والحسرة؛ ولازالت محكمة الاستئناف بأكادير التي أصدرت حكمها التاريخي بإعدام  الفاعل، هذه العقوبة المنصوص عليها بمجموعة القانون الجنائي والموقوف تنفيذها من طرف من له الاختصاص ليبقى جناح الموت أو المحكومين بالإعدام بسجن القنيطرة في قاعدة انتظار بوابة جهنم وبأس المصير، يموت فيها المحكومين بالإعدام كل ثانية ودقيقة وساعة وكل يوم، لأنها تطبق في حقهم كل ليلة إذا ما غفلت أعينهم بسبب صراخ ضحاياهم الأبرياء فلا يغمض لهم جفن متمنين الموت في كل لحظة. ولعل أحد البرامج الذي تفضلت به إحدى المنابر الإعلامية في تحقيق صحفي  جسد حالة هؤلاء، وما عليكم إلا بالبحث في محرك غوغل أو يوتوب  للوقوف على حقيقة الموت في جناح الإعدام .

 

بشاعة الجريمة وبشاعة المجرم مغتصب الطفولة وسالب الحياة قاتل الإنسانية بكل معانيها، أيكفي فيه فقط تنفيذ حكم الإعدام الذي كان آخر قضية نفدت به في سجن القنيطرة رميا بالرصاص، هي قضية العميد تابث التي يعرفها الجميع.

 

تطبيق حكم الإعدام أو بقاؤه معلقا أو سجن مؤبد، هل سيضع حدا لهذا الإجرام البشع؟ هل ستنتهي قضايا اغتصاب الأطفال والفتك ببراءتهم إلى غير رجعة؟ من المحال، فالعقوبة وحدها غير كافية ما لم يطبق القانون بحزم وصرامة، وما لم نكتف جهودنا جميعا لمحاربة ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، أسرة وجمعيات وهيئات ومؤسسات .

 

نخلد اليوم ذكرى اليوم العالمي للقانون، المصادف ليوم 13 من شهر شتنبر من كل سنة، لنعيد النظر من جديد باحثين أكاديميين وقضاة ومحامين ومهتمين، في كل ما يتعلق بالترسانة التشريعية، والتي تبقى بطبيعة الحال لبنة جوهرية وآلية لإفراغ الملامسة القانونية والمؤسساتية  لحماية كل الحقوق والحريات، خاصة المتعلقة بحماية الطفولة، ما دمنا في معرض الوقوف على فعل هزنا جميعا في الشمال كما في الصحراء .

 

المغرب أكد، وبموجب دستور 29 يوليوز 2011، على صيانة الحريات والحقوق، خصوصا منها حقوق الطفل وحماية سلامته وحياته الفصل 21 منه وحقه في العلاج والحماية الاجتماعية وفي التعليم والتنشئة الوطنية المغربية الفصل 31 والفصل 32 المؤكد على الحماية القانونية للطفل والاعتبار الاجتماعي والمعنوي، وأيضا إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة كهيئة دستورية بنص القانون 78/14 التي تمتلك الدور الكفيل لتفعيل هذه الحماية دون أن ننسى الاليات التي وضعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية في هذا المجال وخلايا مناهضة العنف ضد المرأة والطفل المتواجدة على مستويات محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وجمعيات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الطفل.

 

غير أنه وجب التأكيد على صياغة السؤال الآتي: لماذا مثل هذه الجرائم البشعة أصبحت تنتشر بحدة في مجتمعنا المغربي؟ كيف يتسنى لنا تحليل ظاهرة إجرامية خطيرة تستهدف الطفولة والبراءة؟

 

يمكن القول، ومن وجهة نظرنا المتواضعة، على أن مثل هذه الظواهر والسلوكات المنحرفة والخارجة عن قواعد الضبط الاجتماعي، وعلى الخصوص نصوص التجريم والعقاب وكذلك أساسا مخالفة مثل هذا النشاز والاستثناء لشريعتنا الإسلامية الغراء، الحامية للحقوق والحريات قبل أزيد من 1400 سنة، وخصوصا حماية الأطفال، المجتمع المغربي مجتمع مسلم ومسالم، وكغيره من شعوب المعمورة فقد يعرف مثل هذه الجرائم الشاذة، والتي ترجع في أغلبها لعقد نفسية أو اجتماعية أو مؤثرات ضاغطة تولدت من الصغر وكبرت كوحش بداخل مرتكبها وخرجت كردة فعل للانتقام من المجتمع وككبت دفين نتيجة ممارسات مماثلة قد يكون الفاعل والمجرم تعرض لها مند صغره ، وهو من قبيل المثال على ما أكده مفكرو مدارس علم الإجرام والعقاب تواليا عبر التاريخ، وصولا إلى عصرنا الحالي، في دراسة معقدة للإنسان غير المفهوم التحليل النفسي والسيكولوجي  .

 

الإنسان المجرم، عفوا الوحش المختفي في صفة إنسان، يعيش بيننا ذئبا شرسا يتربص بأبنائنا كما تربص بالطفل عدنان، هذا الوحش الذي لن يفلت من العقاب، وحتما عقوبته الإعدام بالنظر للعقوبة المقررة لبشاعة الجرائم المقترفة والوصف الأشد لها المتمثلة في أفعال الاستدراج والاختطاف والاغتصاب والقتل العمد وإخفاء معالم الجريمة بدفن الضحية في حديقة .

 

فليرحمك الله أيها الملاك الطاهر، ولترفرف روحك في جنات النعيم، فإنك في أعين دفاع قوي وقضاء نزيه وعادل.

 

الحسين بكار السباعي، محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان