إن التطورات المتسارعة لانتشار فيروس كورونا المستجد، فرضت على دول العالم، تطوير جودة خدمات إداراتها العمومية، عبر تبسيط الإجراءات الإدارية والمرونة في التعاطي مع ملفات المرتفقين سواء بواسطة الآليات الرقمية التي فرضتها الجائحة أو بشكل مباشر داخل شبابيك الإدارات. وهو نفس الاتجاه الذي سلكته بلادنا عبر التوجيهات الرشيدة لقائد البلاد من خلال سن العديد من القوانين يبقى أهمها القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية.
وبالرغم من التوجيهات الملكية السامية في العديد من الخطب لاسيما التي جاءت في خطاب الذكرى 18 لعيد العرش التي أكد من خلالها جلالته "...إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين..."،وصدور قانون تبسيط المساطر في 19 مارس 2020 والمفاهيم الكبرى لعلم الإدارة (النجاعة، الفعالية، القيادة، التخليق الاداري، التحفيز، الحكامة، جودة الخدمات...)، إلا أن العديد من الإدارات الترابية والمؤسسات العمومية، لم تساير تطلعات قائد البلاد والشعب المغربي، كما هو الحال بالنسبة لمصلحة التعمير بجماعة وادي زم، التي تبقى الاستثناء في كل شيء بعدما ظلت على حالها منذ خطاب العرش 2018 إلى اليوم، الأمر الذي يفقد المرتفقين الثقة في الحصول على وثائقهم الادارية دون مشاكل.
فالاستثناء والغير العادي بمصلحة التعمير بجماعة وادي زم، هو حصول المرتفق على وثائقه المطلوبة دون انتظار أيام وأحيانا أسابيع، الأمر الذي أفقد ساكنة المدينة الثقة في شفافية المصلحة. فبعد وقوفك أمام شباك المصلحة يسود نوع من الارتباك، موظف هنا وهناك، وعندما تسأل عن المسؤول الكل يتنصل من المسؤولية، وأحيانا يتم مطالبة المرتفقين تكوين ملف الحصول على الشهادة المطلوبة بشكل عشوائي، وبعد تكوين الملف يفاجأ بأن ملفه تنقصه وثائق أخرى وجب عليه جمعها، مما يتركهم في حيرة من أمرهم وفي آخر المطاف يتم رفض طلبه بإحدى المبررات الواهية.
وأحيانا فالبرغم من تدخل مدير مصالح الجماعة ورئيس قسم الموارد البشرية لتسوية ملفات المرتفقين، إلا أن تدخلهم يبوء بالفشل مع رئيس مصلحة التعمير الذي يكون له دائما رأي آخر، مبررا ذلك بالتزامه ببنود القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء. قانون يجده طبعا وسيلة لرفض طلبات وقبول أخرى، مما يتيح إمكانية خرق القانون أمام المواطنين والبحث عن آليات وطرق أخرى لقضاء أغراضهم.
وفي الوقت الذي تتكدس فيه طوابير بشرية، تنتظر دورها للحصول على وثائقها المطلوبة بنفس المصلحة (التعمير)، فعوض تدخل المجلس الجماعي في شخص رئيسه ونوابه، لتحسين خدمات مصلحة التعمير، يتسلل بعض المستشارين الجماعيين المنتمين للحزب المسير للمجلس الجماعي (حزب العدالة والتنمية)، لقضاء أغراض مواليهم، متناسين أن التسيير الجماعي يتطلب التعامل مع الجميع سواسية سواء أكانوا منتمين لحزبهم أو لا، في احترام تام لسمو الدستور وسيادة القانون.
هذا الوضع، يتطلب أكثر من أي وقت مضى، إعادة النظر في مصلحة التعمير بوادي زم، خصوصا بعد الشكايات المتتالية للمرتفقين، إذ أن البعض منهم انتظر لمدة 7 أشهر للحصول على رخصة البناء أو الإصلاح، فالتخلص من وباء كورونا لا يستقيم إذا لم تستطع بلادنا التخلص من وباء البيرواقراطية الإدارية وانعدام الكفاءة وتفشي كل مظاهر اللاتخليق الإداري، ومن موظفين عموميين لا يتوفرون على الطموح اللازم ولا تحركهم دائما روح المسؤولية، ولا يغلبون مصلحة الوطن والمواطنين على مصالحهم ونزعاتهم وميزاجيتهم.
بوعزة كريم/ باحث في القانون العام