الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

بلفحيلي: ما لا نستطيع فرضه بالتربية نستطيع تنزيلة وفرضه بالقانون

بلفحيلي: ما لا نستطيع فرضه بالتربية نستطيع تنزيلة وفرضه بالقانون الهام بلفحيلي

مرة ثانية نجد أنفسنا أمام اختبار صعب في وقت أصعب حيث جائحة كورونا، وحيث المواطن الذي يلومه الجميع على عدم انضباطه والتزامه، واليوم أكيد ستسطر سطور حول لوم جيل من الأطفال والشباب قاموا بأعمال تخريبية من وجهة نظر القانون والمجتمع بينما هم يرونها سلوكا ترفيهيا وتنفيسا عن النفس، وهنا المفارقة العجيبة، من المسئول الحقيقي عن هذه التمثلات؟

 

 عندما يجد الطفل المفرقعات تباع وتشترى في حيه وعلى مرمى ومسمع من العالمين، بل مسموح له اقتناؤها دون أدنى مجهود، فهل في نظركم سيشتريها ليخزنها؟ أكيد سيشتريها ليفجرها معتقدا أنه يلعب يتسلى، أكيد أن ما وقع البارحة كما السنة الماضية يحزن ويؤلم.

شخصيا وجدت نفسي السنة الماضية وسط سيل من الأطفال والشباب يحملون مشاعل من النار، ولولا تدخل الأمن والسلطات العمومية لربما وقع لي مكروه، ولربما لم أكن موجودة اليوم، لأخط هذه "المقالة". وهنا لابد أن نثمن الدور الكبير الذي يقوم به رجال ونساء الأمن والسلطات العمومية في حماية أرواح المواطنين وسلامتهم الجسدية، وفي ذات الوقت التصدي لمثل هذه السلوكيات التي يجب أن نناقشها بهدوء ووعي ودراسة علمية تجعلنا لا نحمل طرفا دون الآخر ما وقع.

أتفق أن ما شاهدناه البارحة أمر غير مقبول لكن ما هو الحل ؟ هل اعتقال الأطفال، أم محاسبة من سمح ببيع تلك المتفجرات؟ هل من بخس المدرسة العمومية وشوه صورة المعلم القدوة؟ هل الأسرة التي صار همها لقمة عيش لأبنائها وتعاني ضغوطات مجتمعية وصارت أغلبها مفككة، وساد الطلاق وصار أكبر ضحية الطفل رجل وامرأة المستقبل، هل هو الإعلام الذي صار همه نشر التفاهات وقصص الاغتصاب والقتل والشدود، تارة وتبخيس صورة المدرس وتقزيم دور المدرسة العمومية تارة أخرى؟

هل المسؤول هو السياسي الذي فشل كمنتخب وفشل كمؤسسة حزبية دورها التأطير واستقطاب الشباب؟ هل المجتمع المدني الذي ألصقت به صورة الشخصنة والمصالح الخاصة؟ هل السلطات العمومية والأمن الذي يبقى دوره الحرص على تطبيق القانون دون التفكير في روحه الإنسانية، هل المسئول أنا وأنت ممن يحلل ويناقش ويحتج وينتقد دون أن يسعى إلى التغيير ؟

المشكل عميق جدا والحل مركب جدا، والخوف من أجيال الغد صار هاجسا عندنا، من سيقود الوطن عندما نعجز عن تحضير الخلف فانتظر الأسوء من سيحمي الوطن عندما نرى سلوكات يغلب عليها الحقد المجتمعي، والمنطق الكرهي، وغياب الثقة في كل شيء حتى الثقة في ذواتنا.. أجل أصبحنا فاقدين لبوصلة التوازن النفسي، والتحليل المنطقي.

فعلا حزنا لمثل هذه المشاهد بقدر ما فرحنا لمظاهر التآزر بين المواطن والسلطات والأمن زمن الحجر الصحي، لكن أرجوكم يبقى الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره، مهما كان لحمة الشعب ملكا شعبا حكومة يجب أن نعتز بها.

أرجوكم السجن ليس حل، كلنا مسئولون، وكلنا وجبت محاسبتنا. وأصرح بكل وضوح أنني أدين هذه السلوكيات غير المقبولة وغير المشرفة والتي مست نساء ورجال أبانوا عن وطنية خلال جائحة كورونا مبتعدين عن أسرهم ومضحين بحياتهم خدمة لوطنهم وصحة مواطنيه.

 شخصيا اعتز بأمننا وسلطاتنا العمومية حتى لا تنسوا هم كذلك مواطنون، لأنهم لم يخلفوا الموعد وكانوا في مستوى اللحظة.. وأناشد شبابنا وأطفالنا إلى إعادة النظر في هذه التصرفات اللاأخلاقية وغير قانونية، لكن ما وقع نتيجة وليس سبب. فلنعالج الأسباب لتفادي مثل هذه الأفعال.

مسألة أخيرة لابد من إصدار قانون يجرم استيراد أو صناعة المتفجرات والمفرقعات وبيعها، مع سن عقوبات زجرية مشددة للمخالفين، لأنه من العبث أن نشهد كل سنة هذه المشاهد التي يعاني منها المواطنون ، ويتأدى منها المجتمع، ونكتفي بالتنديد والتساؤل وطرح إشكاليات والقيام باعتقالات، الحل هو قانون يحمي الجميع، لأن ما لا نستطيع فرضه بالتربية نستطيع تنزيله وفرضه بالقانون، لأن المنطق يفرض أن القانون وجد لحماية المجتمع من سلوكيات تضر أغلبية المواطنين، وثانيا ما الربح الذي نجنيه من الاتجار في هذه المواد الخطيرة سواء بالنسبة للأطفال بحد ذاتهم مما يؤدي إلى المس بحقهم بالحياة وسلامتهم الجسدية أو بالنسبة للمجتمع الذي يعيش أسوء الليالي وأبشع مظاهر الخلعة.

معا من أجل قانون يجرم الاتجار بالمفرقعات.

 

رئيسة جمعية إنماء للتضامن والتنمية المستدامة