الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

محمد أكديد: حول قرار المحكمة الخاصة بالحريري

محمد أكديد: حول قرار المحكمة الخاصة بالحريري محمد أكديد
بعد سنوات من الانتظار وتبادل الاتهامات، تصدر المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري قرارها الذي برأ ساحة محور المقاومة من دماء الحريري الأب رغم استماتة الإبن في إلصاق التهمة به، لتسقط مرة أخرى رهانات إسرائيل والسعودية ومن وراءهما أمريكا على توريط حزب الله خصوصا وتضييق الخناق عليه في الداخل اللبناني من خلال استثمار قرار المحكمة الذي كانوا يتنظرون منه إدانته.
في الواقع، ومنذ البداية، فإن قرار تدويل عملية التحقيق في اغتيال رفيق الحريري كان مقصودا ومسيسا، وقد كان من ضمن أبرز أهدافه إسقاط شرعية المقاومة في لبنان وتشويه صورتها في المنطقة من خلال تحميلها مسؤولية هذا الاغتيال، إذ اتجهت أصابع الاتهام لقادة من الحزب حتى قبل بداية التحقيق، وكان من المتوقع وإلى عهد قريب -بل وحتى عشية يوم المحاكمة- أن يصدر قرار يدين  هؤلاء القادة تتلوه إجراءات تضيق الخناق على المقاومة في الداخل والخارج.
 لكن ماالذي حصل؟ ولماذا لم تكمل المحكمة خطواتها التصعيدية ضد الحزب إلى النهاية، وبعد أن كان الجميع -بمن في ذلك أمين حزب الله- يتوقع خروج قرار بإدانة الحزب؟ 
الذي حصل ببساطة، أن المحكمة ومن وراءها، وبعد أن وقفوا على استبسال جمهور المقاومة داخل لبنان وخارجها في الدفاع عن نزاهة حزب الله ومواقفه الوطنية والبطولية في أكثر من محطة، حيث تصادف هذه الأيام ذكرى انتصار تموز سنة 2006، وقبل ذلك طرد إسرائيل من لبنان سنة 2000، رغم محاولات المحور الصهيوخليجي اليائسة من أجل تشويه صورته والطعن في نزاهته بعد القرار المصيري الذي اتخذه بالدخول إلى سوريا، والذي كان كما سماه خيارا ضروريا لإنقاذ خاصرة محور المقاومة "سوريا" بل إنقاذ نفسه أيضا من براثن الامتداد التكفيري الذي بات يهدد لبنان أيضا خاصة بعد بروز ظاهرة "داعش" وتغولها بشكل صادم في كل المنطقة.
لقد أيقن الجميع ممن في واجهة المحكمة ومن يدير الخيوط في كواليسها بأن معادلة المقاومة والجيش والشعب أقوى من أن تفكك، خاصة بعد رفض الجيش اللبناني الانخراط في مخطط نزع سلاح الحزب وفاء لما قدمه من جهود وتضحيات للوطن في أكثر من محطة، حيث نذكر على سبيل المثال مساعدته في إخماد التمرد المسلح لأتباع الشيخ السلفي أحمد الأسير سنة 2012 بعد أن تجاوزت الأحداث الجيش اللبناني، وتصرفه الحكيم إبان أزمة سنة 2008 إثر صدور قرار من مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بالحزب.
الدفاع عن وطنية الحزب ومواقفه المبدئية كان هما مشتركا بين العديد من الوجوه الوطنية البارزة في لبنان كرئيس مجلس النواب اللبناني و زعيم حركة أمل السيد نبيه بري، والرئيس اللبناني السابق إميل لحود والجنرال ميشيل عون الذي يعد من أبرز مؤسسي وزعماء التيار الوطني الحر في لبنان، والذي تقدم رئيسه الحالي السيد جبران باسيل بكلمة عشية يوم المحاكمة رفض من خلالها الانخراط في أي مؤامرة تسعى إلى عزل حزب الله وتدويل متابعته عبر اتهامات مسيسة عادة ما تستند إلى حسابات سياسوية ضيقة فضلا عن الضغائن والأحقاد الطائفية التي تهدد في كل حين تداعياتها استقرار البلد وطمأنينة مواطنيه الذين ينتمون لمذاهب وأديان مختلفة.
 
من جانب آخر، لايمكن فصل قرار المحكمة عن انتصارات محور المقاومة في المنطقة، بعد صمود سوريا وفشل محاولات تقسيمها وإسقاط النظام الذي كان ولازال من أبرز داعمي المقاومة سواء في لبنان أو في فلسطين، فضلا عن رفضه المبدئي للمشاركة في مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي بدأت ثماره تظهر اليوم. 
 كما لايمكن عزل هذا القرار عن تداعيات انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الذي تم إبرامه مع إيران بجنيف بمشاركة دولية 5+1 والذي لم يسقط حتى الآن رغم كل الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الامريكية على حلفاءها الأوروبيين لتقويضه وأساليب الحصار الذي تفننت فيها لإخضاع الجمهورية الإسلامية دون جدوى. 
هذا القرار، لايمكن عزله أيضا عن تصاعد المطالبة بإنهاء الوجود الأمريكي بالعراق، خاصة بعد تقوية نفوذ الحشد الشعبي في البلد، والذي عبر عن انخراطه في محور المقاومة وبات يشكل تهديدا نوعيا للوجود الأمريكي في العراق.
نفس الأمر يمكن أن يقال عن تصاعد حجم نفوذ الحليف الجديد لهذا المحور في اليمن، بعد أن أحرجت حركة أنصار الله تحالف العدوان على هذا البلد التعيس، فباتت تستهدف مواقع في العمق السعودي والإماراتي، وتقوم بعمليات نوعية مع حلفاءها من الجيش اليمني والعشائر سطرت من خلالها أروع الملاحم. 
وأخيرا فقد بات من الطبيعي أن تنقلب المحكمة على تطلعات ورهانات الخليجي المفلس سياسيا و اقتصاديا بعد أن صار مصير سوق النفط الخليجي على كف عفريت وبات مهددا بالإفلاس، مما أصبح من الصعب على الخليجي إرضاء جميع الأطراف التي باتت تحس بل تشهد تطور الأوضاع في المنطقة لغير صالحها مع سقوط تكهناتها وانقلاب الموازين لصالح محور المقاومة بعد فشلهم في حسم الأمور لصالحهم في كل الجبهات التي تم فتحها ضد هذا المحور.
فبماذا كان سيفيدهم قرار آخر يغرد خارج هذه الأحداث وتداعياتها لإدانة مكون صلب من محور المقاومة؟