الثلاثاء 16 إبريل 2024
سياسة

كيف كسّر فيروس كورونا "قوقعة" رجال السلطة؟

كيف كسّر فيروس كورونا "قوقعة" رجال السلطة؟ محمد نشطي، عامل بنمسيك في خرجة ميدانية مع رجال السلطة(تصوير: عبد الرحيم باجوري)
بالرغم من الجوانب القاتمة والمظلمة لفيروس كورونا، هناك زوايا مشرقة للجائحة فتحت عيوننا على "رجال ظل" كانوا يستكينون إلى الأمكنة "القاتمة"، منهم رجال السلطة. محنة كورونا كان من الضرورة أن تعيد بناء المفاهيم والتصورات وتقلب المعادلات الصعبة، من بينها "الصورة" التي يحرص البعض على ترويجها عبر تحجيم دور رجل السلطة في كون عمله هو فقط مطاردة "تريبتور" أو عربة بائع جوّال بين الأزقّة والحواري التابعة لنفوذ دائرته! في حين أنّ عمل رجل السلطة أنبل وأشمل من هذه المهمة التي منحها له المشرّع في إطار الشرطة الإدارية، وأوكل له اختصاصات وصلاحيات واسعة وشاملة تتمحور أساسا حول خدمة المواطن في مجالات متعددة الأبعاد.
فإلى جانب مهمة الحفاظ على النظام العام، يتحمل رجل السلطة مسؤولية السهر على تطبيق القوانين والأنظمة، والقيام بدور المنسق بين مختلف المصالح الإدارية والتقنية الواقعة ضمن المجال الترابي الذي يشرف عليه. كما يتولى مهمة تنزيل أهداف وأولويات السياسات العمومية في كل المجالات، وهي مهام واسعة تفرض عليه أخذ المبادرة في اقتراح الحلول واستشراف الحاجيات والمخاطر من خلال نهج سياسة وسلوك القرب من المواطن ومن المجال.
لكنّ كل هذه الصّلاحيات "المطمورة" في صفحات الدساتير والقوانين والمراسيم آن لها أن تنبعث من ترابها، بحكم أن المغرب لم يعش اختبارا حقيقيا واستنفارا عاما على مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية. إلّا أنّ كورونا أيقظت هذا الحسّ "الوطني"، وكسّرت "القوقعة" التي كان يعيش بداخلها رجال السلطة، وأطلقوا العنان لمواهبهم وإخلاصهم في أداء مسؤولياتهم واستثمار صلاحياتهم القانونية في الحفاظ على النظام العام والإشراف على تأطير "الحرب" التي يخوضها المغرب ضد كورونا.
على حين غرّة أحيت جائحة كورونا في نفوس رجال السلطة الولاء للمؤسسات و الانضباط الأمني والصرامة العسكرية والقرب من المواطن، وأعادت التوهج إلى مهنة توجد في معمعان كل قرار عمومي، بالرغم من أن النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة لمهام رجل السلطة، بصفته ممثلا للسلطة التنفيذية داخل دائرة نفوذه، منحته عدة اختصاصات وفق المادة 110 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، وجعلت مهامه ذات طابع شمولي ومتشعب تتقاطع مع عدة نصوص تنظيمية ودوريات وزارية ومنشورات مشتركة بين مختلف الوزارات.
من هنا برز هذا الجانب "البطولي" لرجال السلطة في ذروة أزمة كورونا، وتحول "القياد" إلى راجمات صواريخ لنسف ألغام كورونا، وكان لهم الفضل في فرض الانضباط و"السلاح" السري الذي أخرجته الدولة من خلف المكاتب الباردة لتنفيذ خطط الحجر الصحي وفرض حالة الطوارئ الصحية، ما جعل المجتمع يكوّن فكرة أخرى أكثر إنسانية ونبلا عن رجل السلطة "الصّارم" الوجه، وهو الرجل نفسه الذي ارتدى بزة عسكرية وأبدى حنانا لم يتعوده المغاربة في "القايدة" و"القايد" لإنقاذ أرواح المغاربة من عدو لا يرى بالعين المجردة، رجل يوظف "الصرامة" أحيانا التي منحتها له "السلطة" واستعمال الصفة الضبطية في الاعتقال وتحرير المخالفات وفق المساطر القانونية. وأحيانا أخرى برز رجال سلطة( ذكورا وإناثا) في واجهة الأحداث، وتحولوا إلى مادة دسمة لمواقع "البوز" وصفحات التواصل الاجتماعي، وساهمت في ذلك اختلاف لغات التواصل بين رجال السلطة وفئات من المواطنين، لدرجة أن مجموعة من "القياد والقايدات" وجدوا أنفسهم من دون تخطيط "نجوما" بمواقع التواصل الاجتماعي رغم أنفهم، من خلال فيديوهات توثق إلى تدخلات هذا القائد أو تلك القائدة.
الحرب ضد الجائحة جعلت كل مواطن يعاين في عمالته أو إقليمه رجال سلطة كتبت جائحة كورونا تاريخهم من جديد، وحولتهم إلى "أبطال" وطنيين .