الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: العثماني "سَطّر جوج سْطورا" فوضع الشعب في "قابيطة" الداخلية

محمد الشمسي: العثماني "سَطّر جوج سْطورا" فوضع الشعب في "قابيطة" الداخلية محمد الشمسي

عندما أرجأ رئيس الحكومة عمل الاثنين إلى الثلاثاء، للحسم في قرار الطوارئ الصحية وتدبير الحجر الصحي، توقعت شخصيا أن قرارا ديمقراطيا حيويا وصحيا سيولد مادام كل "توخيرة فيها خيرة"، وأن الحكومة تعافت من "سخانتها" التي ضربتها منذ بداية الجائحة على مستوى التواصل والإعداد والتصور، وأنها ستخرج على الناس بخطة تجمع بين الحكمة والموعظة الحسنة، ولم أكن أتوقع أن كل تلك الجعجعة ستلخصها الحكومة في "سطرين".

 

حتى الأطفال يعرفون أن حالة الطوارئ الصحية هي حالة استثنائية لظروف استثنائية ناجمة عن حدوث وضع صحي خطير يتطلب إجراءات فورية وغير عادية تمكن الحكومة من فرض تدابير استثنائية، كأن تفرض على المواطنين ملازمة البيوت (الحجر الصحي) وتقيد حركتهم وتفرض عددا من الخطوات الاحترازية الموازية، فحالة الطوارئ الصحية تدور وجودا وعدما بوجود الوباء من عدمه، لذلك كان قرار تمديد حالة الطوارئ الصحية تحصيل حاصل، ومن يمدده في ظل تفشي الوباء كمن يحاول إقناع الناس بأن لون الغراب أسود..

 

لكن المثير في "الجعجعة العثمانية" هما "السطران الأخيران" ، وما أدراك ما "السطران الأخيران"، ولا نتحدث هنا عن " سطور النفحة"، بل عن فتوى الحكومة في مسألة الحجر الصحي الذي ينتهي يوم الأربعاء 10 يونيو، حيث قررت الحكومة ما أسمته بـ "التخفيف التدريجي لتدبير الحجر الصحي عبر مراحل"، وهي الجملة التي تجمع بين الغرابة والخطورة، لأنها تضع المواطنين رهائن لدى أمزجة وأهواء الولاة والعمال، والعثماني بهذا يضع الشعب في "قابيطة" الداخلية بدون منازع، ثم إن الجملة الموالية التي تقول" أخذا بعين الاعتبار التفاوت الحاصل في الوضعية الوبائية بين جهات وعمالات وأقاليم المملكة" تؤكد أن المواطنين دخلوا صفا صفا في قفص أم الوزارات، وأن رئيس الحكومة أعلن انسحابه بل واستقالته وفوض أمر الناس لوزير الداخلية وليس لله، وأنه لم يعد يربطه بالمواطنين أي رابط، خاصة وأن "السطرين الأخيرين غير الواضحين" لم يتضمنا تاريخا ولا أجلا ولا مدة ل" التخفيف التدريجي"، بل فتحا شهية رجال السلطة على مصراعيها ل"يخففوا وييسروا" "إلا بغاو"، أو لـ "يتشددوا ويثقلوا" ودائما "إلا بغاو"، فلا قانون يحكم هذا التخفيف من التشديد، ولا ناظم يفصل بين التيسير والتعسير، ولا رؤية تبين الخيط الأبيض من نظيره الأسود، لتصبح الأهواء هي الميزان الذي يقيس الأشياء.

 

ما معنى التخفيف التدريجي؟ وهل له سقف زمني؟ وبأية معايير؟ وكيف يتم تنزيله على أرض الواقع؟ وما معنى التفاوت الحاصل في الوضعية الوبائية؟ هل بعدد الإصابات أم بعد خصم عدد حالات الشفاء والوفيات؟ ولماذا إدراج الجهات والعمالات والأقاليم علما أن الجهة وحدها شاملة للآخرين؟ وهل كلما كان الوباء متفشيا في عمالة وجب حصارها؟ وكلما كان وباءها مخففا يتعين تحريرها؟...

 

لا أحد يمكنه الإجابة لأن الجهة المخولة بالجواب اختارت المبهم في القول والملغز في القرار، لكن الخلاصة أن العثماني "سطر جوج سطورا" فأدخل الشعب في أقفاص الداخلية، و"الله يخرج سربيسنا على خير".