الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

فدوى هاشم: واقع المنظومة التربوية وحتمية تنزيل القانون الإطار ما بعد جائحة كورونا

فدوى هاشم: واقع المنظومة التربوية وحتمية تنزيل القانون الإطار ما بعد جائحة كورونا فدوى هاشم

المنظومة التعليمية هي كل القواعد والتنظيمات والإجراءات التي تنهجها الدولة لتوجيه أمور التعليم وتسيير شؤونه سعيا إلى الارتقاء بقيم ومبادئ الأمة بما يتماشى مع السياسات التربوية، وإن ما يشهده العالم اليوم من تغيرات جذرية وتطورات سريعة أثرت على حياتنا في العديد من المجالات خاصة مجال التعليم، يفرض علينا جميعا كمهتمين بالحقل التربوي الوقوف على ثلة من النقط المؤرقة التي تتخبط فيها منظومتنا التعليمية، باستدعاء أبرز الإصلاحات التي عرفتها، وتسليط الضوء على المشاكل والأسباب التي حالت دون نجاحها، فكيف يمكن النهوض بها في ظل ما نعيشه اليوم من تحولات؟

 

لاشك أن إصلاح منظومة التربية والتكوين شكل الحلقة الأهم في مسلسل تاريخي من الإصلاحات المتعاقبة بتعاقب الحكومات التي وضعت المخططات والمناظرات لتشخص خصائصها وتتبع تقويم مسارها، فجل الإصلاحات المتوالية لم تعط أكلها وباءت بالفشل، الشيء الذي فرض على المسؤولين تدارك الوضع والبحث عن سبل مختلفة وطرق جديدة، وهو ما جسدته المحاولات المتكررة في تاريخ إصلاح التعليم ببلادنا والتي سلكت منحى التناظر أو البرنامج أبرزها: مناظرة المعمورة (أبريل 1964) التي دعت إلى تطوير آليات وثوابت الإصلاح: المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم بغية إصلاح  التعليم (سنة 1957) مرورا بإصلاح المرافق للمخطط الخماسي (1964-1960) ثم محطة المذهب التعليمي الجديد المنسوب لوزير التعليم الدكتور بنهيمة (1966) ثم الإصلاح الذي انطلق سنة (1985) في إطار سياسة التقويم الهيكلي منذ 1983، إضافة إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق سنة 2000، وقد كانت من مرتكزاته: تغيير البرامج والمناهج، تعددية الكتب المدرسية، الاهتمام بتدريس اللغة الأمازيغية، إلا أنه هو الآخر انتهت عشريته الأولى سنة 2010 ولم يكتب له النجاح، وبعد هذه المحاولات الفاشلة قامت الدولة بإعداد برامج إصلاحية أخرى على رأسها البرنامج الاستعجالي (2012 -2009) هذا المخطط الذي زرع نفسا جديدا في مسلسل إصلاح المنظومة التربوية، باعتماده لبيداغوجيا الكفايات والإدماج، محاربة الهدر المدرسي، تشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح... إلا أنه هو الآخر لم يحقق أي تقدم ملموس، ليتم تدارك الأمر بتنزيل الرؤية الاستراتيجية بغرض إنقاذ التعليم من الأزمة بتبني طرق جديدة للتدبير، وفتح المجال للشركاء والفاعلين التربويين من أجل المساهمة في تدبير الشأن التربوي وفق حكامة جيدة تضمن للتعليم جودته، لكن بالرغم من ذلك مازالت المنظومة التعليمية تتجرع مرارة الفشل سنة بعد أخرى، وكمحاولة جديدة لإنقاذ هذا الإصلاح، وتفعيلا لتوصية الرؤية الاستراتيجية، تم العمل على تحويل اختياراتها الكبرى إلى قانون إطار يجسد تعاقدا وطنيا يلزم الجميع ويلتزم به الجميع بتفعيل مقتضياته لإصلاح منظومة التربية والتعليم، وجوهر هذا القانون 51/17، كما جاء في ديباجته يكمن في إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، تتوخى تأهيل الرأسمال البشري استنادا إلى دعامتي المساواة وتكافئ الفرص من جهة وتحقيق الجودة للجميع من جهة أخرى، بغية الوصول إلى الهدف الأهم والأسمى والذي يتجلى في الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع، ومن تم وضع قواعد لإطار تعاقدي وطني وملزم للدولة ولباقي الشركاء الفاعلين في قطاع التعليم، لكن بالرغم من كل هذه المجهودات المبذولة، مازالت منظومتنا  التعليمية تفرز العديد من المشاكل، كضعف المستوى التعليمي، استمرار الهدر المدرسي، نقص الجودة في المقررات والمناهج التعليمية، نقص البنيات التحتية والتجهيزات المدرسية، الاكتظاظ وبطء تعميم التكنولوجيا والتباعد بين حاجيات سوق العمل والبرامج التعليمية، مما أدى إلى استفحال ظاهرة البطالة في صفوف حاملي الشهادات.

 

ويعزى كل هذا إلى غياب رؤية واضحة المعالم حول إصلاح قطاع التعليم، رؤية تبرز ما سيكون عليه مستقبل القطاع على المدى المتوسط والبعيد ، وكذلك عدم وجود إرادة سياسية حقيقية معززة بالحكامة والتدبير العقلاني والتخطيط السليم المبني على المشاركة والشفافية والمحاسبة، لأن هذا القطاع أمام رهانات صعبة وتنتظره تحديات كثيرة تتطلب مشاركة كل الأطراف المعنية من أحزاب ومجتمع مدني ومنظمات، وسائر الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وأطر التدريس لتأهيله بالشكل المطلوب عبر تفعيل الاستقلالية المالية والإدارية لبنيات المنظومة (أكاديمية، مديرية، مؤسسة تعليمية) والعمل على إعادة النظر في بناء البرامج والمناهج بالموازاة مع الإصلاح، ووضع استراتيجية للتكوين المستمر تتلاءم مع المتغيرات التربوية والبيداغوجية المعتمدة، فضلا عن ربط التعليم بالتربية لتخليق المنظومة من الاختلالات السلوكية داخل المؤسسات التعليمية والعمل على الإسهام في تجديد روح المدرسة العمومية بشكل خاص وجعلها فضاء منفتحا على تحولات العصر في أبعاده التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكذلك فضاء للإبداع والابتكار في الوسائل وطرق التدريس لكي تستطيع منظومتنا مواكبة التطورات والمستجدات العلمية التي تنبئ عن ثورة جديدة في أنظمة التعليم أصبحت على الأبواب ولم تعد خيارا للترف، بل حقيقة لابد من الخوض فيها لأنها هي بوابة العصر والمعرفة، وإن ما يعيشه تعليمنا اليوم في ظل جائحة كورونا بخوضه تجربة التعليم عن بعد لأول مرة، كمحاولة من الدولة ضمان استمرارية التعليم، بسبب إغلاق المدارس، يجب أن تكون نقطة تحول وانطلاقة حقيقية للإصلاح، لأن هذا الأخير عرى على مكامن ضعف المنظومة وعلى الاختلالات التي تعيشها، لذلك يمكن القول بأنه يبقى تجربة محدودة، نظرا لهشاشة الأرضية التي بني عليها بسبب التفاوتات الاجتماعية وضعف في التأهيلات الرقمية لنسب مهمة من الأطر الإدارية والتربوية والإكراهات المادية وغيرها.

 

استنادا إلى ما سبق من طرح، نستخلص أن إصلاح المنظومة التربوية، بات ضرورة ملحة ومستعجلة، بعدما عرت جائحة كورونا عن مجموعة من الاختلالات خلال اعتماد تجربة التعليم عن بعد، خاصة وأن المغرب اليوم يتوفر على رؤية وقانون إطار للإصلاح، يستدعي الأمر فقط إرادة سياسية حقيقية لأجرأة أحكامه وتنزيلها عبر تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص اللذين يستوجبان الاستناد على مجموعة من الرافعات أهمها: تعميم تعليم دامج وتضامني لجميع الأطفال دون تمييز، وجعل التعليم الأولي إلزاميا بالنسبة إلى الدولة والأسر، وتمكين الأطفال من تمييز إيجابي في المناطق القروية وشبة الحضرية، خاصة التي تشكو العجز أو الخصاص، وتأمين الحق في التعليم للأطفال في وضعية إعاقة أو  في وضعية خاصة، ومكافحة الهدر المدرسي والقضاء على الأمية، فضلا عن ضمان جودة التعليم بتجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير، وإعادة تنظيم وهيكلة منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وإقامة الجسور بين مكوناتها ومراجعة المقاربات والبرامج والمناهج البيداغوجية مع إصلاح وتشجيع البحث العلمي والتقني والابتكار واعتماد تعددية التناوب اللغوي بهدف تنويع لغات التدريس، عن طريق تعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغات الاجنبية قصد تحسين التحصيل الدراسي بها. وتبني نموذج بيداغوجي موجه نحو الذكاء يطور الحس النقدي  وينمي الانفتاح والابتكار بتزويد المجتمع بالكفاءات والنخب من العلماء والمفكرين والمثقفين والأطر والعاملين والمؤهلين للمشاركة في البناء المتواصل للوطن على جميع المستويات، من خلال الإسهام في تكوينهم وتأهيلهم ورعايتهم، فضلا عن هذا كله لابد من التركيز على أجرأة بعض التدابير الأخرى التي جاء بها هذا القانون والتي صادقت عليها بالإجماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب من بينها ضمان ملاءمة مواصفات خريجي المنظومة مع متطلبات سوق الشغل، وتحقيق الانسجام مع الخيارات المجتمعية الكبرى، بالإضافة إلى توسيع نطاق أنظمة التغطية الاجتماعية لفائدة المتعلمين من ذوي الاحتياج قصد تمكينهم من الاستفادة من خدمات اجتماعية تساعدهم وتحفزهم على متابعة دراستهم في ظروف مناسبة وملائمة.

 

إن الشروع في تنزيل ما جاء به القانون الإطار يتطلب عملا جبارا من الجهات المسؤولة على رأسها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والوزارة الوصية عبر فتح حوارات جهوية ترفع لها توصياتها من أجل وضع خريطة شاملة وواقعية لتفعيل هذا الإصلاح الذي يشكل التحدي الأكبر والرهان الأساسي لبلوغ  التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، والمدخل الأساسي للرقي ببلادنا إلى مصاف المجتمعات المتقدمة.

 

- فدوى هاشم، أستاذة بمدرسة الزوهرة الحداوي بالحي الحسني