الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي : قُتل فلويد لأنه" لا يستطيع التنفس" فهل نستطيع نحن التنفس؟

محمد الشمسي : قُتل فلويد لأنه" لا يستطيع التنفس" فهل نستطيع نحن التنفس؟ محمد الشمسي
عندما أحكم شرطي ركبته على رقبة أمريكي من ذوي السحنة السوداء يدعى "فلويد"، صاح هذا الأخير مستغيثا تحت شدة ركبة الشرطي الأبيض" لا استطيع التنفس ... لا استطيع التنفس "، وظل يرددها إلى أن لفظ أنفاسه، وبقي رجع صداها يملأ العالم...
دُفن فلويد وأشعلت عبارته"لا أستطيع التنفس" كل ولايات أمريكا، واستفزت عقول الأحرار بأن المستضعفين في كل بقاع العالم لا يستطيعون التنفس، وأن ركب السلطة المتسلطة الطاغية تجثم على الرقاب حتى تزهق الأرواح.
إذا كان مواطن أمريكي مسالم وغير مسلح ( أقول أمريكي الجنسية على الأقل، أما أمريكي الحقوق فالتاريخ وحده يعلم)، في دولة يشاع أنها قوة ديمقراطية وأن صناديق الاقتراع فيها هي المحكمة العليا، يُقتل بقدم شرطي، فماذا بقي للدول المحكومة بالنار والحديد؟، تلك الدول التي تتواطأ فيها الشعوب الجاهلة والأمية مع جوقة السياسيين الانتهازيين، فيبرم الطرفان  صفقة قذرة تقوم على "الصوت الانتخابي مقابل المال الحرام"، أو سلطة مدى الحياة ضدا في صفحات دستور هو على فراش الموت.
تتبعنا كيف سيعالج رئيس أعتى الديمقراطيات ــ أو بهذا يشهد الإعلام ــ ، ومعه كونغريسه وبانطاغونه ومجلس شيوخه هذه الجريمة وهم الذين يعيبون على باقي الدول وحشيتها الزائدة في التعامل مع مواطنيها، لكن "رئيس أكبر الديمقراطيات"، لم يختلف عن باقي حكام الجمر والأصفاد، لعن الثوار الغاضبين وسبهم سبا، وأمر الشرطة بضربهم أو قتلهم، وهدد بإنزال جيش إلى الشوارع، وبات المشهد الأمريكي توأما لنظيره المصري، ولم يبق سوى أسطورة "تفويض بعض من الشعب" لإبادة ما تبقى من الشعب.
تيقنا أن سلطات كل بقاع العالم هي أخوات في الرضاعة والسلوك لبعضها، فكلها تنظر للشعوب نظرة حقيرة مهينة، وكلها توظف سلطات الأمن والجيش والإعلام لقهر تلك الشعوب، فبالأمس القريب أشبعت الشرطة الفرنسية أصحاب الصدريات ضربا في الصدور والرؤوس، ولم تحقق لهم مطلبا ولا غاية...
قُتل فلويد خنقا تحت ركبة شرطي، قُتل وهو يختنق، وهي أبشع صور القتل والموت، قتل وهو يصيح "لا استطيع التنفس"، وبقي يستجدي استنشاق نصيبه من الأوكسجين في هذا الكون غير العادل،الملي بالفجرة الظلمة المتسلطين، ظل ينادي بحقه في التنفس إلى أن سلم الروح لبارئها، وارتاح من عذاب الموت خنقا، فهل نحن الذين لا زلنا على قيد الحياة "نستطيع التنفس" من بعده ؟.
 هناك عدة مفاهيم لمصطلح "التنفس"، قد يكون تنفسنا من الطينة المبطلة للوضوء، أو يكون تنفسنا اصطناعيا في قسم المستعجلات، لكن لن يكون تنفسنا تنفس الأباة والأشداء الشجعان، فهذا تنفس نشتريه معلبا في عُلب و بتراخيص، وهو تنفس بعروض محدودة مثل "بطاقات تعبئة الهاتف الجوال"...
رحم الله عبده فلويد، فهو أيضا من خلفاء الله في الأرض شأنه شأن كل إنسان خلقه الله وجعله خليفة له، وهذه وصيته تساءل الإنسانية " أيهما الأسمى والأرقى : موت في سبيل أوكسجين صاف نقي وتحريره من مستودعات السلطة التي ترغب في بيعه للناس بالأقساط، أم عيشة ذل ومهانة تجعلنا مجرد كثافات سكانية نتزاحم في ما بيننا مثل قطعان البقر الحلوب؟.