الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: المحاربون الذين أطعموا الملايين في زمن كورونا ولم يهتم لهم أحد

محمد الشمسي: المحاربون الذين أطعموا الملايين في زمن كورونا ولم يهتم لهم أحد محمد الشمسي

عندما ضرب إعصار كورونا العالم فجأة، وانشغلت كل دولة بمصيبتها، لم نجد غير سواعدنا وأطرنا المغربية "لتقاتل" وباء رغم فقر التجهيزات وإهمال المستشفيات، لم نستقدم إطارا ولا طاقما من الخارج كما يفعل أهل الرياضة وبأموال خيالية، و"جاب الله التيسر"، وتصدت دفاعات الجيش الأبيض المحلي الصنع، لهجمات فيروس اكتسح خطوط دول ذات بنيات صحية متينة، أو هكذا كنا نظن.

 

في الوقت الذي نجدد فيه الشكر لأطبائنا وطبيباتنا وممرضينا وممرضاتنا ومعهم جميع المسعفين وسائقي سيارات الإسعاف وأطقم المختبرات لا بد من تحية أخرى للمحاربين الذين حرسوا على توفير الغذاء للملايين في زمن تلك الكارثة، فعندما كان الواحد منا يخرج في تلك الظروف المرعبة والمخيفة ويقصد "سوق الخضر" ويجد ما شاء من أصنافها طازجة جاهزة، ثم يقصد "رحبة الديسير" حيث الفواكه على الأشكال والأنواع، ويعرج على الجزار ليقتني له كميات اللحم و"الكفتة" و"التقلية" من كل أنحاء سقيطة الذبيحة، ونعود محملين بأثقال الأكياس، وكلما نفذت منا "التقضية" عدنا الى السوق لنجد أكواما جديدة من مصدر لا ينضب.. فهل تساءل أي من المتسوقين يومها عن من يمد الأسواق بكل تلك الفواكه واللحوم والخضر في تلك الظرف الرهيبة؟، ماذا لو خاف الفلاح واختفى في بيته ولم يستقدم عمالا لجني الغلة، ولم يغسل ما يحتاج منها لغسل، ويعبئها في الأكياس أو الصناديق أو العلب، ثم يشحنها صوب "المارشي"؟، وحتى هامش الربح الذي قد يظنه البعض هو الحافز أو الدافع كان وما زال يناسب الجيوب، ولم تكن الأسعار ملتهبة رغم توفر كل أسباب التهابها، فأن تجد كيلو بطاطس بـ 3 دراهم في أوج الكارثة فكأنك في حلم.

 

الفلاحون الذين أطعموا ملايين الناس في كرباتهم لا أحد وجه لهم شكرا أو امتنانا، رغم أن هؤلاء الناس كانت مصيبتهم مصائب، فهم أمضوا موسما جافا، وجابهوا شح المياه، وثقبوا جوف الأرض حتى عثروا على الماء، فأخرجوه لسقي خضر وفواكه وصلتنا سالمة طرية، وربوا العجول والخرفان ونقصوا من قوت أسرهم لتوفير الأعلاف لها حتى تصل لحومها إلى جزار الحي... هؤلاء جلهم يعيش العفاف والكفاف تحت جنح الجفاف، لم تصلهم الأعلاف المدعومة كما وعدتهم الدولة التي انشغلت عن جروحهم بكورونا، ومع الطوارئ الصحية أغلقت الدولة أسواقهم الأسبوعية التي كانت تستقبل منتجاتهم وكسيبتهم، وكانوا يبحثون فيها عن عيش عيالهم، ولم يتوصل المحتاجون منهم بدعم صندوق الجائحة على شح دراهمه، ليس لأن العديد منهم لا يملكون هاتفا أو يجهلون استعمال هواتفهم في غير التقاط المكالمات، بل لأن رسائلهم بقيت بدون جواب.. هؤلاء هم أيضا جنود بواسل أشاوس، خاضوا حربا ضروسا، لا تتطلب فقط أدوية ومستشفيات وغرف الإنعاش ومختبرات التحاليل يقصدها الآلاف، بل تحتاج أيضا لإطعام وتغذية الملايين في الخطوط الخلفية لجبهة المعركة.