الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

حميد النهري: الشروط الستة لضمان تطبيق آلية التعليم الجامعي عن بعد

حميد النهري: الشروط الستة لضمان تطبيق آلية التعليم الجامعي عن بعد حميد النهري

ما زالت تداعيات جائحة كورونا تقلق وتربك أغلب دول العالم حيث أجبرت انعكاساتها القوية الجميع على تبني مجموعة من الإجراءات الاحترازية أهمها استمرارية حالة الطوارئ الصحية.

 

وحاليا بدأت بعض الدول في تحد آخر هو سياسة الرفع التدريجي لحالة الطوارئ. وببلادنا دخلنا في مرحلة تمديد الحجر الصحي إلى غاية 20 ماي 2020.

 

ونتيجة هذه الجائحة أصبحت جل الحكومات مقتنعة بضرورة تبني سلسلة من التغييرات الآنية والمتوقعة، وهذه التغييرات لن تستثني أي مجال اقتصادي اجتماعي قانوني ثقافي سياسي بيئي... كما أن المجتمعات مطالبة اليوم بالانخراط في هذه التغييرات من خلال إعادة النظر في سلوكياتنا وتبني تغييرات جديدة على مستوى: أنشطتنا علاقاتنا عاداتنا واهتماماتنا مواقفنا... وذلك بضرورة التنازل والتخلي عن بعضها أو ملاءمتها مع الوضع الجديد.

 

فنحن أصبحنا أمام واقع جديد من الضروري استيعابه بشكل مُؤَثِر ومُؤَطَر زمنيا بمرحلة ما قبل الجائحة ومرحلة خلال الجائحة ومرحلة ما بعد الجائحة.

 

وسنتطرق في هذا المقال لظاهرة التعليم عن بعد الذي فرض نفسه كحل بديلا لتوقيف الدراسة الحضورية خلال الجائحة. حيث أصبحت اليوم تطرح العديد من السيناريوهات حول مستقبل التعليم عن بعد بالنسبة مؤسساتنا الجامعية.

 

فالحقيقة هي أن جائحة كورونا هي التي فرضت تبني آليات تعليمية بديلة شكلت تقنية التعليم عن بعد إحدى أهم وأبرز هذه الآليات حتى أن هذه التقنية أصبحت تعتبر اليوم ظاهرة أكاديمية بامتياز.

وإذا رجعنا إلى بداية انتشار فيروس كورونا عبر دول العالم، سنجد أن المغرب كغيره من البلدان المتضررة من جائحة كورونا نهج مجموعة من الإجراءات الاحترازية الوقائية لمواجهة هذه الجائحة الخطيرة ووقف انتشارها. لذلك كان قرار الوزارة الوصية على قطاع التعليم الذي قضى بتعليق الدراسة بجميع المؤسسات التعليمية انطلاقا من 16 مارس 2020 إلى أجل غير مسمى. تبعه قرار الحجر الصحي انطلاقا من 20 مارس 2020. لمدة شهر أصبحت بعد التمديد تصل إلى 20 ماي 2020.

 

وتميز قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي بتأكيده على توقيف الدراسة الحضورية وتعويضها بآلية التعليم عن بعد لضمان استمرارية الدراسة، وفي نفس الوقت جعل الطلبة يلزمون بيوتهم للتقليل من عدد الإصابات بفيروس كورونا.

 

إذن هذه الوضعية المفاجئة، والتي لم يكن أحدا مخططا لها، هي التي فرضت التوجه نحو آلية التعليم عن بعد كحل بديل لضمان الاستمرارية البيداغوجية خلال هذه الظرفية الاستثنائية. لذلك نجد تباينا لتجارب المؤسسات الجامعية المغربية في تطبيق آلية التعليم عن بعد. خلال الجائحة.

 

ويرجع هذا التباين إلى عدة أسباب أهمها:

- محدودية الجاهزية التقنية حيث تبين أن هناك ضعفا كبيرا على صعيد التجهيزات التقنية المتوفرة بالنسبة لأغلب المؤسسات الجامعية المغربية والتي تفتقر أغلبها إلى الإمكانيات التقنية لتطبيق آلية التعليم عن بعد.

- كما ظهرت هذه المحدودية على صعيد فئة الأساتذة الذين لم يخضعوا إلى تدريبات في مجال التعليم عن بعد بالإضافة إلى افتقارها للتجهيزات التكنولوجية المواكبة.

- وبالنسبة للطلبة والطالبات الفئة المستهدفة من عملية التعليم عن بعد فأغلبهم هم يفتقرون يفتقرن إلى الإمكانيات والوسائل التكنولوجية لمسايرة هذه التقنية.

- كما تبرز أيضا إشكالية عدم الجاهزية من ناحية المبدأ، فغالبا ما كان هناك رفضا قاطعا من طرف بعض الفاعلين لآلية التعليم عن بعد.

 

وكانت دائما هناك مقاومة لأية سياسة تشجع على الانتقال إلى نظام تعليمي معتمد أكثر على الوسائل الإلكترونية الحديثة.

 

عموما تجربة التعليم عن بعد اصبحت في ظل الحجر الصحي ظاهرة أكاديمية تميز حاليا سياسة التعليم بمختلف الجامعات المغربية، بل وتعتبر موضوع نقاشات حيث لقيت ردود فعل ما بين مؤيد ومعارض:

بالنسبة للمؤيدين يرون في هذه التجربة فرصة للتحول الرقمي في العملية التعليمية، مرددين تلك النداءات والتوجهات السابقة التي كانت دائما تنادي بتبني هذه التقنية، بل أكثر من ذلك فإن هذه الفئة ترى في تجربة تطبيق آلية التعليم عن بعد من جهة أفضل بديل وحل لضمان استمرارية التحصيل الأكاديمي خلال هذه الجائحة.

ومن جهة أخرى فرصة كبرى لدخول نظامنا التعليمي الجامعي الى عالم التكنولوجيا لمواكبة التطور. خصوصا وأن عالم التكنولوجيا أو الوسيط التكنولوجي بجميع أشكاله أصبح يفرض نفسه بقوة كمرجع لجميع العلوم والمعارف. لذلك في نظرهم لا بد من الاستفادة منه في سياستنا التعليمية حاليا في ظل الحجر الصحي وما بعد نهايته.

 

أما بالنسبة للمعارضين فلم يتأخروا في توجيه مجموعة من الانتقادات منذ بداية التجربة. وذلك من خلال الطريقة المعتمدة من طرف المؤسسات الجامعية في تطبيق التعليم عن بعد خلال هذه الجائحة. حيث برروا انتقادهم بعدم جاهزية هذه المؤسسات وعدم كفاءة أطرها -في نظرهم- في التعامل مع هذه التقنية المعقدة. وكذلك برروا انتقادهم من خلال صعوبة ضمان مبدأ تكافؤ الفرص في تقنية التعليم عن بعد هذا المبدأ الذي يعد مقدسا في مجال التعليم. وهناك للأسف بعض هؤلاء المعارضين من ذهب إلى حد التبخيس بكل المجهودات المبذولة رغم أهمية بعضها، بل ومصورين التجارب المختلفة لتقنية التعليم عن بعد في الجامعة المغربية بصور مشوهة نتج عنها في نظرهم منتجا سلبيا كاريكاتوريا؛ حتى أن هناك من اختار طريق الهجوم غير الاخلاقي على فئة الأساتذة الذين انخرطوا في التجربة بحيث انتشرت للأسف عبر مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من التصريحات والتسجيلات الصوتية تستهزئ بفئة الأساتذة وتقلل من قيمة مجهوداتهم؛ وهو الشيء الذي جعل وزير التربية الوطنية والتعليم العالي يصدر بلاغا قويا أدان من خلاله هذه الممارسات، كما أثنى على جهود الأساتذة الذين انخرطوا في هذه التجربة رغم الإمكانيات المحدودة جدا. والظرفية الصعبة التي فرضت عملية اللجوء إلى التعليم عن بعد كحل بديل لضمان استمرارية المحاضرات وضمان فعالية إجراءات الحجر الصحي .

 

عموما نحن أمام واقع فرضته جائحة كورونا أدى بالوزارة الوصية تعليق الدراسة واختيار التعليم عن بعد الإلكتروني أو التلفزي كبديل الغاية منه هي استمرارية الدراسة وجعل الطلبة يلزمون بيوتهم لمواجهة الوباء. لذلك اليوم يتردد سؤال مهم هو: هل ساهمت هذه التجربة فعلا في ضمان استفادة الطلبة من المحاضرات والدروس المتبقية للفصل الاخير للموسم الجامعي 2019|2020؟ وهنا بطبيعة الحال سنكون غير موضوعيين إذا قلنا أننا باستطاعتنا تقييم هذه التجربة الجديدة مر عليها فقط وقت وجيز .

 

لكن من خلال بعض الإحصائيات الأولية لتجارب بعض المؤسسات الجامعية، يتبين أن التجربة بالرغم من الإكراهات والصعوبات المادية والبشرية، فإن النتائج كانت إيجابية واستطاعت إلى حد ما إنقاذ الموسم الجامعي في هذه الظرفية الصعبة؛ ويمكن لهذه التجربة أن تؤسس لبناء تصور مستقبلي لإدماج وبقوة لتقنية التعليم عن بعد في المنظومة التعليمية بجامعاتنا، لكن داخل مناخ أكثر ملاءمة مع توفير الشروط العلمية واللوجيستيكية؛ لأن الملاحظ أن التعليم عن بعد اخذ مساحة أكبر مقارنة مع مرحلة ما قبل الجائحة. لذلك يجب التعامل معه كمعطى وكأمر واقع جديد أصبح يفرض نفسه خصوصا وأنه لا أحد يعلم موعدا زمنيا محددا لنهاية هذه الجائحة. والمطلوب اليوم هو دعم هذه التجربة وصيانة مكتسباتها والتركيز بالأساس على انقاذ الموسم الجامعي في مراحله النهائية. لأن تكاثر الشائعات والأخبار المزيفة حول سيناريوهات سلبية من قبيل سنة دراسية بيضاء تقتضي ضرورة تقديم الوزارة الوصية للمعطيات الضرورية حول ما تبقى من الموسم الدراسي الجاري وتبديد شكوك وتساؤلات طالباتنا وطلابنا حول مستقبلهم.

 

والرهان الأول المطلوب اليوم هو الإعلان عن خطة في ما يتعلق باستئناف الموسم الجامعي وإجراء الامتحانات؛ وليس كما أصبح يتردد للأسف عند البعض من توسيع استعمال تقنية التعليم عن بعد إلى مجالات تتجاوز التدريس في الجامعة إلى البحث العلمي من قبيل مناقشات الدكتوراه وبحوث الماستر عن بعد؛ بل هناك من ذهب إلى حد مناقشة ترقيات السادة الأساتذة من قبيل التأهيل الجامعي وذلك بتقنية (المناقشة عن بعد).

 

وهنا في الحقيقة سنكون أمام نوع من العبث نظرا لغياب الشروط القانونية واللوجيستيكية الغير متوفرة لمثل هذه التقنية، والتي ستؤدي حتما إلى إفشال التجربة برمتها.

 

فالمنطق يقضي بأن التعليم عن بعد لا يمكنه أن يعوض التعليم الحضوري، لأن الأخير ضروري؛ فالجامعة ليست فقط فضاء للتدريس والبحث العلمي، ولكن الحياة الجامعية تخلق شخصية الطالب الذي سيتحمل المسؤولية مستقبلا داخل المجتمع. إن تحديد الشروط خصوصا التقنية البيداغوجية لبناء تصور مستقبلي لتقنية التعليم عن بعد تحتاج إلى دراسات متخصصة واستطلاعات للرأي ومشاورات مع جميع الفاعلين في المجال.

 

لكن مع ذلك سنحاول من خلال قراءة في تجربة التعليم عن بعد خلال هذه الجائحة تحديد بعض الشروط الأساسية والضرورية لضمان تطبيق آلية التعليم عن بعد في نظامنا التعليمي ما بعد الجائحة، وذلك مكمل أساسي للتعليم الحضوري تتمثل في :

أولا - تفعيل مقتضيات الفصل 31 من دستور 2011 الذي ينص على أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.. إذن الاستثمار العمومي في قطاع التعليم مع ضرورة انخراط الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بمختلف هيئاتها في إطار استراتيجية بعيدة المدى لجعل التعليم عن بعد كمكمل للتعليم الحضوري داخل منظومتنا التعليمية.

ثانيا - انخراط جميع شركات الاتصالات في هذا المشروع الكبير وذلك بخلق خلية على صعيد مصالحها خاصة بالتواصل المباشر مع المؤسسات الجامعية. وبالنسبة للجانب التقني ضرورة تدخل هذه الشركات لتوفير صبيب الانترنت مرتفع ومناسب لضمان نجاح أفضل لتقنية التعليم عن بعد والاستعداد التقني الاحترافي لمواجهة الارتفاع المنتظر على مستوى الضغط وعلى مستوى المشاكل التقنية.

ثالثا - تمكين جميع الطلبة والطالبات من التجهيزات الضرورية والملائمة لتقنية التعليم عن بعد، تأخذ بعين الاعتبار محدودية مشاريع سابقة عرفتها المؤسسات الجامعية لكن نتائجها كانت كارثية افتقدت إلى الجودة؛ كما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار استعمال مقاربة النوع من خلال مراعاة الوضعية الاجتماعية لأغلب الطلبة والطالبات.

رابعا - تكوين الأساتذة الباحثين والطاقم الإداري للمؤسسات الجامعية على استعمال الوسائل التكنولوجية وتحفيزهم على الانخراط الفعلي في ذلك.

خامسا - تجهيز مؤسسات جامعية حقيقية في إطار سياسة استراتيجية متكاملة وتجاوز السياسة المعتمدة والمتمثلة في إنشاء مؤسسات جامعية ضعيفة، مع ضرورة تجهيز هذه المؤسسات باستديوهات احترافية تابعة لها وتحت إشرافها المباشر مع توفير لهذه الاستديوهات الموارد البشرية المختصة اللازمة والتجهيزات التكنولوجية الملائمة وذات جودة عالية.

سادسا - عادة النظر في سياسة التعليم والاستثمار العمومي في قطاع التعليم والقطع مع فكرة خصوصية التعليم التي تبين فشلها خلال جائحة كورونا.

 

- حميد النهري، أستاذ ورئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق، طنجة