قررت الحكومة الإيطالية السماح بفتح دور العبادة أمام المصلين، ابتداء من 18 ماي 2020، مع الالتزام بإجراءات محددة لتفادي انتشار عدوى فيروس كورونا، يأتي ذلك حسب اتفاق تم التوقيع عليه بين الحكومة الإيطالية ومجلس أساقفة إيطاليا، ويشمل الاتفاق كذلك المساجد باعتبارها أماكن للعبادة.
وشدد بيان الاتفاق على ضرورة أن يضمن الحد الأقصى للمشاركين في الصلوات واحترام المسافة اللازمة بين الأشخاص، أي متر على الأقل في جميع الاتجاهات، واستبعاد التحية باليدين خلال تبادل السلام، وضرورة ارتداء المصلين للكمامات الواقية لتغطية الفم والأنف، بينما لا يُسمح بدخول مَن لديهم أعراض الأنفلونزا ومشاكل تنفس أو تبلغ درجة حرارتهم 37 ونصف درجة أو أكثر أو من كانوا على احتكاك بأشخاص مصابين بفيروس كورونا، بالإضافة إلى تعقيم أماكن العبادة بعد كل صلاة .
لكن في خطوة، وصفها الكثيرون بالحكيمة، دعا رئيس اتحاد الجاليات المسلمة في إيطاليا، ياسين لفرم، إلى عدم فتح المساجد إلا بعد عيد الفطر، معتبرا أن حياة الناس أقدس من المساجد نفسها.
وقد تم التوصل إلى هذا القرار في اجتماع استثنائي للاتحاد، عقد عن بعد يوم الأحد 11 ماي 2020، حيث تبنى المشاركون خيار عدم فتح المساجد يوم 18 ماي، لتفادي انتشار العدوى، وأن يكون إعادة فتح المساجد بشكل تدريجي.
فيما اعتبر آخرون عدم توفر المساجد على الشروط الصحية وعدم قدرتها على تطبيق الإجراءات الصارمة التي فرضتها الحكومة كشرط لإعادة فتحها، أو الأرجح عدم استعدادها حاليًا لأن تضمن شروط السلامة، هي الأسباب الحقيقية التي جعلت جل مسؤولي المراكز الإسلامية متخوفين من فتح المساجد، خصوصا أن استئناف دور العبادة لأنشطتها الدينية ستواكبها من دون شك مراقبة صارمة للمصالح المختصة؛ ومن جانب آخر توجد العديد من المساجد في وضعية غير قانونية أو محل نزاع قانوني مع السلطات الإيطالية.
إن مساجد ما بعد كورونا ليست هي مساجد الأمس، فإما أن تكون وفق شروط صحية محددة أو لا تكون؛ إنها فرصة لإعادة النظر في مجموعة من السلوكيات المرفوضة، والتي تعطي انطباعا للزائر في الوهلة الأولى وكأنه أمام لوحة سريالية تعكس واقعا، عكس ما يدعو إليه ديننا الراقي المنظم، ديننا الذي يتحدث عن دقائق الأمور الدينية والدنيوية، لذلك أصبح غير مقبول أن نجد الأحذية متناثرة هنا وهناك عند مداخل المساجد، تلك الصورة التي ما هي سوى تجسيد لما نعيشه من فوضى في بعض مجالات حياتنا، كما أن تلك الروائح النتنة المنبعثة من مراحيض الوضوء التي من المفترض أن تكون نظيفة حتى قبل كورونا، تضرب في العمق مبدأ "النظافة من الإيمان"، وكأن التغوط في مراحيض المساجد أصبح شرطًا لصحة الوضوء؛ أما التدافع عند باب المسجد عند الخروج فلا تستقيم الصلاة إلا بالختم به، وكأن التدافع نافلة من النوافل.
إن التدابير الوقائية التي وضعتها الحكومة الإيطالية كشرط لاستئناف عمل المساجد غير كافية للحفاظ على سلامتنا، إن لم نغير من سلوكنا ومن بعض العادات السيئة التي اعتدنا عليها قبل وأثناء وبعد الصلاة.
فهل سنرقى بسلوكنا كي نتعايش مع مرحلة ما بعد كورونا؟ وهل ستستطيع المراكز الإسلامية توفير شروط السلامة لروادها؟ وهل ستكون جاهزة لمواكبة التدابير الوقائية بعد عيد الفطر؟