الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

زهير لخيار: تضارب الأرقام و سوء تحليل المعطيات يؤديان إلى سياسات عمومية غير ناجعة

زهير لخيار: تضارب الأرقام و سوء تحليل المعطيات يؤديان إلى سياسات عمومية غير ناجعة
إن العمل على تحليل الواقع الاقتصادي بالمغربأرغمنا على الاستناد إلى بعض المعطيات الرقمية التي تصدرها الجهات المسؤولة أوالمكلفة بذلك سواء على المستوى الوطني أو الدولي وإذ نعتبر هذه المعطيات بمثابة نقطة انطلاق نستند إليها لبناء المعطيات المستقبلية التي نستخدمها في صياغة السيناريوهات أو التصورات المستقبلية.
لكن الملاحظ بعد الاطلاع على هذه الأرقام أن هناك أمرا في غاية الأهمية ويرتبط ذلك بتضارب الأرقام بين الجهات المصدرة لها وفي بعض الأحيان حتى داخل الجهة المصدرة للأرقام نفسها ذلك أن البنك الدولي مثلا يتحدث عن أرقام لا تتفق تماما مع ما تتحدث عنه المندوبية السامية للتخطيط بل أكثر من ذلك فالفروق بين الأرقام ليست بالبسيطة وإنما تقدر بالملايين وبذلك يبقى السؤال مطروحا حول الجهة التي سنستند إليها من أجل إنجاز الدراسات المطلوبة.
والواقع أن كل الدراسات العلمية والتي تستند إلى الأرقام، تحتاج إلى عدد معقول من السنوات لتصبح نتائجها قابلة للتحليل ويصبح بإمكاننا الاستناد إليها لاقتراح التوقعات المناسبة والعلمية وبما أن التضارب حاصل على مستوى التصريح بالمعطيات كما سنبين ذلك لاحقا فنجد أنفسنا مضطرين إلى قبول المعطيات المتوفرة والسلام.
وتوفر هذه المعطيات لا يعني أنها خالية من الأعطاب الإحصائية فبمجرد إدخال هذه الأرقام إلى صيرورة القوانين الاقتصادية المثبتة علميا - سميت قوانين اقتصاديةLois économique لأن خرقها قد يلحق الضرر بخارقها وآخرين مثل القوانين الأخرى - نجد أنها لا تؤكد هذه القوانين بل تخرقها وبالتالي يصبح الاستناد إليها شيئا غير متين لاستخراج التوقعات المطلوبة.
ولتأكيد هذا سنضرب بعض الأمثلة لنبين أن الأمر مرتبط بالدرجة الأولى بدقة المعطيات الممنوحة إلينا وبالدرجة الثانية بطريقة تحليلها.
وللتمثيل على ذلك يمكن الرجوع إلى المعطيات ونتحقق من قاعدة معروفة عند الاقتصاديين وغيرهم و هي بكل بساطة أنه إذا كنا نتوفر على دخل معين و استهلكنا منه جزءا معينا فالباقي يسمى ادخارا على اعتبار أن الاكتناز غير مسموح به في جميع المذاهب الاقتصادية وبالتالي فعملية خصم قيمة الاستهلاك من الدخل ينبغي أن تفضي إلى قيمة الادخار ولكن واقع الحال بالنسبة للأرقام المقدمة لا يعكس ذلك خذ على سبيل المثال أي سنة من السنوات تجد الفرق شاسع بين الادخار المصرح به والادخار المؤسس له من خلال النظرية فعلى سبيل المثال فقط فالبنك الدولي يقول أن الدخل الوطني بالمغرب هو 279953.50 والاستهلاك هو 225101.10 فالطبيعي أن يكون الادخار 54849.40 و لكن الادخار المصرح به هو 76476.72 و قس على ذلك كل السنوات الأخرى فلا تجد سنة واحدة يتوافق فيها الادخار المحسوب مع الادخار المصرح به .
فمثلا حينما يتحدث البنك الدولي عن قيمة استهلاك وطني بالمغرب تناهز 18519.39 عن سنة 1990 وفي نفس السنة تتحدث معطيات البنك الدولي عن قيمة دخل وطني تناهز 241654.97 فالطبيعي أن يكون الادخار الذي يشكل الفرق بين الدخل والاستهلاك هو 56463.57 ولكن تجد البنك الدولي يتحدث عن قيمة ادخار وطني تناهز 75709.48وهو فارق لا يستهان به ولا يمكن اعتباره فرقا طفيفا إذ يصل إلى 19255.90 مليون درهم لا نعرف مآلها اللهم إذا ما صنفت ضمن عمليات الاكتناز la thésaurisationالتي قد يقوم بها الفاعلون الاقتصاديون. و كما هو معروف فكلما اتسعت دائرة الاكتناز كلما تصرر الاقتصاد الوطني بذلك و لا يتسع المجال هما لشرح هذه العلاقة.
وكذلك حينما يتحدث البنك الدولي عن استهلاك وطني يصل إلى 488616 عن سنة 2007 فالمندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن 461340 وكل الأرقام لا تشبه بعضها عن السنوات المصرح بها من 2007 إلى 2018 مثلا وما يسري على الاستهلاك يسري على باقي المعطيات باستثناء المعطيات الخاصة بالاستثمار الوطني تجد أن المعطيات الصادرة عن المندوبية فيما يتعلق بقيم الاستثمار تتوافق تماما مع ما قدمه البنك الدولي من أرقام حول هذا المجمع الاقتصادي وبالتالي فالمسألة مرتبطة بالجهة التي يمكن الاستناد إليها للقيام بالتحاليل القياسية المطلوبة.
الإشارة أنه من المفروض أن تزودنا مؤسساتنا الوطنية بالأرقام الصحيحة بدل أن نبقى حائرين بين أرقامنا والأرقام الصادرة عن الغير.
وبما أن التضارب حاصل في هذه الأرقام فمن الطبيعي أن تنتج لنا مؤشرات اقتصادية متضاربة و يصبح من حق أي كان أن ينتج الأرقام التي تبدو له معبرة وتأسيسا عليه تصبح كل السياسات العمومية صالحة وغير صالحة وحيث أننا لا نجد تفسيرا لذلك يمكن أن نفترض أن كل جهة لها مقاربتها في تكوين وتشكيا المجاميع الاقتصادية وبالتالي اختلفت المقاربات ولكن اسم المجمع واحد.
وعلى فرض أن الأرقام المقدمة من طرف جهة أو أخرى صحيحة فهي لا تحترم القوانين الاقتصادية التي وضعها علماء الاقتصاد واتفقوا عليها وهي تبدو بسيطة في عصرنا الحالي ولكن استخراجها في العقود السابقة لم يكن بالشيء السهل ولا البسيط.
إن القضية إدا ليست مرتبطة بحجم ما وصلنا إليه من أرقام حد ذاته و لكن الأمر يزداد تعقيدا إذا ما تم الإخلال بالقواعد والقوانين الاقتصادية الضامنة للتوازنات الاقتصادية فمن العيب أن نقول أنه في سنة معينة انخفض الدخل الوطني وفي نفس السنة نصرح أن الاستهلاك قد ارتفع و من العيب أن نقول عن سنة معينة أن الاستثمار قد ارتفع و في نفس الوقت نصرح أن معدل الفائدة قد ارتفع إن هذه قوانين اقتصادية ينبغي المحافظة عليها لضمان أول خطوة للاستشراف السليم أما الزيغ عنها فلا يؤدي إلا إلى ضرر بالنتائج المستخرجة و بالتالي يدفع إلى انتهاج سياسات عمومية غير سليمة ولا تفي بالغرض والأكثر من ذلك فقد يكون المشكل الاقتصادي المطروح مرتبطا فقط بالمنهجية غير السليمة التي اعتمدت في استخراجه ولا علاقة بأي مشكل آخر من مثل قلة الموارد أو كثرة النفقات أو شيء من هذا القبيل على شاكلة - باك طاح في سوق من الخيمة مشى مايل -
 
زهير لخيار، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق المحمدية