الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

فراجي : القائد الحزبي هو الذي لا يستغل الأزمة لترسيخ سلوك التعيين بدل الانتخاب

فراجي : القائد الحزبي هو الذي لا يستغل الأزمة لترسيخ سلوك التعيين بدل الانتخاب سليمة فراجي

"هل يجوز للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة مصادرة القانون لفائدة التعليمات والتعيينات و اتخاذ قرارات تعتبر خرقًا مدويًا للقانون في عز أزمة الوباء ؟ وهل يجوز له الإعتماد على المادة 161 من المقتضيات الانتقالية للقانون الأساسي في ظل مكتب سياسي غير مشكل وفاقد للشرعية ؟"

 

لما تم تسريب بعض مواد القانون 20.22 في عز الأزمة الوبائية ، هبت مواقع التواصل الاجتماعي والمنظمات الحقوقية وأمناء الأحزاب السياسية وجميع شرائح المجتمع المدني، إلى تقريع الحكومة ومطالبتها فورا بسحب القانون لخرقه المقتضيات الدستورية والمكتسبات الحقوقية، بل طالب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة باستقالة وزير العدل باعتباره المشرف على صياغة هذا القانون المثير للجدل .

 

لكن كيف يعقل أن يتم الكيل بمكيالين، ولأسباب لا ترقى إلى درجة الاعتبار، وفي ظل أزمة جائحة اجتاحت العالم قاطبة، أن يعمد الأمين العام وفي خرق صارخ للقانون أن يطبق قاعدة مثل صيني " كل أزمة يجب أن تصاحبها فرصة "، ليغتنم فرصة تعيين أمناء جهويين خارج قواعد الشرعية، على اعتبار أن القانون الأساسي للحزب يجعل المؤتمر الجهوي أعلى جهاز تقريري على صعيد الجهات، وأن المجلس الجهوي هو المختص وحده لانتخاب الأمين الجهوي ونائبه، كما يختص المجلس الإقليمي بانتخاب الأمين الإقليمي ونائبه بالاقتراع الأحادي الإسمي، الشيء الذي نستنتج منه أن القانون نص على مسطرة الانتخاب دون الاحتكام إلى أساليب التعيين .

 

فلماذا سجل الأمين العام هذه الإنتكاسة والتقهقر القانوني والانحراف الصارخ باعتماده قرارات لا تمت للقانون بصلة باعتماد مساطر التعيين بدل الانتخاب المنصوص عليه بقوة القانون .هل الباعث الدافع المؤدي إلى التنكر للقانون والانقلاب عليه يرجع إلى التخوف والتوجس من عامل الزمن والتمويل، وضمان التحكم في العمليات الانتخابية وتحقيق المصالح والطموحات الشخصية التي يلهث ويطمح إلى تحقيقها البعض، وجعلها سببا لتجاهل البنيات الترابية الجهوية والإقليمية والمحلية والدوس على المقتضيات القانونية بإشهار مادة لا ظرفية ولا موجب لها ؟

 

هل سيتدرع السيد الأمين العام بفترة انتقالية لتمرير ما يريد بقرارات فردية ضدا على القانون ولو تعلق الأمر بقرارات مصيرية كتعيين الأمناء الجهويين بمكتب سياسي أعرج وغير مكتمل التشكيلة؟ اذ لايختلف إثنان أنه لا وجود لمكتب سياسي بالصفة، بل هناك أعضاء يتواجدون بتشكيلته بحكم صفتهم كرئيسة المجلس الوطني أو رئيسي الفريقين البرلمانيين، أو رؤساء التنظيمات الموازية للحزب، أما باقي الأعضاء فإن المجلس الوطني وحده هو المختص بانتخاب أعضاء المكتب السياسي وإقالتهم كما انتخب الأمين العام وبإمكان المجلس الوطني أن يقيله .

 

إذا كان الأمين العام سيتدرع بالمادة 161 من المقتضيات الانتقالية الختامية للقانون الأساسي، فإن ما بني على الباطل فهو باطل، على اعتبار أن المكتب السياسي المختص حسب المادة باتخاذ كافة القرارات اللازمة لتدبير الحزب وطبعًا ليست القرارات التنظيمية المنصوص عليها بقوة القانون، فإنها صادرة عن مكتب سياسي يفتقد إلى الشرعية طبقا للمادة 89 في فقرتها الخامسة التي تمنح اختصاص انتخاب أعضاء المكتب السياسي للمجلس الوطني وحده، هذا الانتخاب الذي لم يباشر بعد، الشيء الذي يجعل المكتب السياسي الذي يريد الأمين العام أن يشغل دواليبه بأعضاء بالصفة فقط، لا يمتلك الشرعية لتدبير شؤون الحزب في الفترات الفاصلة بين دورات المجلس الوطني، فبالأحرى اتخاذ قرار تعيين الأمناء الجهويين ؟

 

ما السبب الذي جعل قرارات تضرب مصداقية و مستقبل الحزب وكونه يحمل مشروعا حداثيا حَمَلَتُه من خيرة كفاءات وطننا العزيز ، في عز الظاهرة الوبائية وتداعياتها ؟ هل تعتبر من الأمور المستعجلة خرق القانون من أجل تعيين أمناء جهويين والتلويح بالتأديب عن طريق هيكلة لجنة الأخلاقيات في الظروف الراهنة؟

 

إذا كنا استكثرنا على الحكومة مصادقتها على مشروع قانون جرم أفعال تعتبر إدعاءات زائفة أو التشهير أو الابتزاز، وقلنا أن الظرفية غير ملائمة، هل نكيل بمكيالين للمرور على جثة القانون لأجل أهداف انتخابية مستقبلية لا تمت لمصلحة الحزب بصلة، بل تعتبر انتهاكا للذكاء الجماعي لمناضلي الحزب ومؤسسيه ؟ بل حتى في الزمن الإستبدادي ولما كان الأمين العام السابق يريد أن يقصي أمينًا جهويا، كما تم ذلك بشأني سنة 2013 ،توفرت لديه خطة إبعادي عن طريق المؤتمر الجهوي ، في احترام للقانون ، لذلك بإمكانك السيد الأمين العام أن تتحايل على القانون، وأن تسلك المسالك الملتوية من أجل تحقيق النتائج ولكن دائما تحت مظلة القانون وسنصفق لك.

 

لكن أن تتجاهل القانون وتصادره لفائدة التعليمات والتعيينات فهذا ما لن يقبل أبدا ممن يحترم نفسه حتى ولو كلف ذلك الانسحابات الجماعية إذا لم يتم تدارك الأمر أو لم يصحح القضاء النزيه جل المسارات، ولكم تجربة واسعة في ذلك.

 

نعلم جيدا أن وحده قانون الطوارئ الصحية الذي سلكت الحكومة بشأنه المسطرة واحتكمت إلى الفصل 81 من الدستور من أجل اتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا هو الذي يعتبر ذي راهنية حاليا في قمة الاستعجال القصوى، فما بالنا بقرارات تنظيمية صادرت المقتضيات القانونية ودون الاحتكام إليها ودون توفر أي عنصر للاستعجال لسلوك مسطرة التعيين والركوب على الأزمة من أجل اغتنام الفرصة.

 

إذا كانت المساجد قد أغلقت، والمحاكم توقفت باستثناء ملفات التلبس وملفات الجنايات والملفات الاستعجالية، والحكومة بمختلف مؤسساتها ارتكزت على مشروع مرسوم بقانون لاتخاذ مختلف قرارتها لإضفاء الشرعية عليها، فهل سيدفع الأمين العام لتبرير خرق القانون بتدبير المرحلة الانتقالية؟ وما هي هذه التدابير في الظرفية الحالية التي يعيشها العالم بسبب الوباء والتي تجند فيها الجميع لمواجهة تفشي الفيروس، علمًا أن تدبير الفترة الانتقالية ما بين انعقاد المؤتمر وصولا إلى مرحلة البناء التنظيمي لا تسمح له به بتعيين الأمناء الجهويين واتخاذ القرارات التنظيمية المصيرية من طرف مكتب سياسي غير مكتمل وبالتالي فاقد للشرعية وكل ما يتخذه يعتبر باطلًا ، وفي خرق سافر للقانون وعدم الارتكاز على أساس، ومصادرة القانون لفائدة التعليمات و إملاءات ذوي المصالح و الترتيبات الانتخابية .

 

و إذا كانت كل أزمة تصاحبها فرصة على حد تعبير أحد الصينيين ، فإن اغتنام الفرصة في ظل الوباء يجب أن تتمحور حول احترام القانون والنهوض بالمستوى المعيشي للمواطن وتوفير العيش الكريم والقطع مع ممارسات الماضي، خصوصا تلك التي يتمسك بها بعض الأقوياء اللاهثين وراء المناصب وتحقيق المصالح الشخصية البحتة مع رفع الشعارات الرنانة واستعمال النساء والشباب لتأثيث المشهد الحزبي لمواجهتهم بالخذلان والتخلي عنهم بمجرد بلوغ الأهداف المتعلقة بتحقيق المصلحة العامة .

 

واستحضر ما جاء في الخطاب الملكي السامي بتاريخ 14 اكتوبر 2016 "إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية".

انتهى النطق الملكي السامي .

 

سليمة فراجي ـ أمينة إقليمية وجهوية سابقة لحزب الأصالة والمعاصرة وبرلمانية سابقة