السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

الألعاب النارية تضيء سماء قصر السلطان في مراكش (13)

الألعاب النارية تضيء سماء قصر السلطان في مراكش (13) الأستاذ هشام بنعمر بالله بجانب صورتان للسلطان مولاي عبدالعزيز يتدرب على دراجته الهوائية

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و 1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب صحفي بريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية و الفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الاوروبية إلى البلاط المغربي. و خلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و 1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر و المؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء و موظفو المخزن الشريف، و شيوخ القبائل و الزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص و قطاع الطرق، وعموم الناس ...)

الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه و مظاهره بأسى شديد". و نشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب (المغرب الذي كان) .

عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الانجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها و مناقشتها.

 

خلال هذه الفترة ظَهرت لأول مرة في القصر المغربي الألعابُ النَّارية، وخلال فترة معينة كان هناك من يُؤيِّدُ هذه الإحتفالات.

في كل ليلةٍ تقريباً كانت عاصمةُ الجنوب (مراكش) مُضاءةً بسطُوع الألعاب النَّارية، و مُرتاعَةً من دويِّ إطلاق الصَّواريخ المتعدِّدة الألوان. تَمَّ استقدامُ رجُلٍ مُتخصصٍ من إنجلترا لتجهيز و إطلاق الألعاب النَّارية. و منذ ذلك الحين، ظلَّ مُرتبطاً بالقصر السُّلطاني.

استمر اطلاق الألعاب النارية المسليَّة غير أن الأهالي كانوا متضايقين منها كذلك، فالإنسان المغربي بطبيعته، لا يحبُّ أن يرى المال يُرمى من النَّافذة.

عندما تردُ الألعاب النارية إلى مراكش يتضَاعفُ سعرها بسبب تكاليف الشَّحن، و التَّأمين، والنَّقل لمسافاتٍ طويلة بواسطة القوافل، دُون احتساب العُمولات التي تضاف إلى سعر الاقتناء. كانت الألعاب النارية بكل تأكيد مُبهرةً (رائعة) و مكلفةً للغاية.

حضرت في إحدى المرات واحداً من عروض الألعاب النارية التي كانت تُقدَّم على شرف وزير بريطاني، كان يُعارض هذه المعُجزات (الألعاب النارية) لكنه لم يستطع رفض الدَّعوة. كانت هناك فقرة من العرض تُصوِّرُ فيلاً ضخماً. انتهى العرض بإطلاق باقةٍ من الألعاب النَّارية، وظِلال "القُرنفل" التي كانت بالكَاد مفتُوحةً وباهظة الثمن. كانت رائعةً للغاية، غير انَّها عديمة الفائدة و مُكلفة جداً.

بعد ظهيرة أحد الأيام، أخبرني السُّلطان أنه سيتمُّ تنظيم عرض للألعاب النارية في (حديقة ) القصر في تلك الليلة، ويعني ذلك أن العرض "خاصٌ بالنساء" حيث لن تتمَّ دعوةُ أيِّ رجل ِلحُضور العرض، لكن إن كنت راغباً في مشاهدته، فمن الأفضل أن أتابعه من فوق سطح البيت الذي أسكنهُ. لم يكُن يشُكُّ في أنني سأرى شيئاً آخر.

راقبتُ الصَّواريخ الجميلة من مختلف الألوان تصعدُ على شكل خطوط من النار إلى السماء في ليلة زرقاء (فيروزيَّة). كنت أتابع العرض من شرفة منزلي القديم، المضاءة باللَّون الأخضر الفاتح، أو البنفسجي أو الأصفر.

في ساحة جامع الفناء، أكبر ساحة في وسط المدينة، كانت الجماهير تَنتظر الَّلحظة التي تنطلق فيها الصواريخ و ترتفع فوق أسوار القصر البعيد بحوالي نصف ميل.

في اليوم التَّالي، سألني السلطان عن رأي في العرض. تحدَّثتُ عن روعته، و أَلمحتُ إلى تكاليفه المرتفعة. أشرتُ إلى حضور حشدٍ من الناس في السَّاحة. ردَّ السلطان:

ـ "ماذا قال الشَّعبُ؟"

ـ أجبتُ:

ـ "لم أتمكَّن من سماع ما يقُول. لكن، في مناسبات عديدة ، كان البعض منهم يهتفُ: ها هي مرة أخرى بعض الدُّولارات من أموالنا تطير."

كان يتوقع أن يسمع مديح الشعب لأنه منحهُ عرضاً رائعاً، جوابي فاجأهُ.

لم يكن الأمر دون نتيجة. سواءً كان ذلك تحت تأثير ملاحظاتي، أو (الملل) من مُشاهدة الألعاب النارية. لكن النتيجة أن إطلاقها تراجع بشكلٍ كبيرٍ. ورغم ذلك استمر وجُود المكلَّف بها في القصر لبعض الوقت.