الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

لحسن معتصم: أي تجدد لغوي في زمن السرعة

لحسن معتصم: أي تجدد لغوي في زمن السرعة لحسن معتصم

ليس لأنني أريد أن أعاكس التيار، وأثير موضوعا لا يحظى أو على الأقل لن يحظى بالأهمية التي يستحق في زمن الوباء، لكنني أجدني مرغما اليوم، كباحث في الشأن اللغوي، خاصة في قضايا لغة الإعلام، أن أبدي رأيي بخصوص اللغة المتداولة في وسائطنا السمعية البصرية، وكذلك المكتوبة والإلكترونية، مادام الناس في زمن كورونا أجبروا على إفراغ الشوارع والأزقة وإعمار الفضاءات الالكترونية والرقمية، حيث تغيرت نظم الحياة فأصبح الكل يجتمع عن بعد، يناقش عن بعد ويتلقن دروسه كذلك عن بعد، وتحول بذلك من ساكن للأرض إلى قاطن للفضاء الأزرق .

 

أريد في هذا المقال الموجز أن أنبه، للضرورة القصوى، إلى الانحرافات الواقعة في الاستعمال البشع للغة والتحريف الشنيع لقواعدها، فلعلني بذلك أقدم خدمة للمتخصصين وكذلك للمواطنين باختلاف مستوياتهم، لكي لا يقال أن للعوام لغة غير لغة الخاصة، ويصبح هذا التقسيم نخبويا بعدما كان ترابيا.

 

باعتقادي هناك ست ملاحظات حول ما يطبع المستعمل من لغة المغاربة بالأنترنت أو بالصحافة أو النقاشات على مستوى الفضاءات الافتراضية كمواقع التواصل الاجتماعي.

 

أولها، كون تأثير المغاربة بالتيارات الخارجية أدى إلى بروز خليط من اللغات سيؤثر لا محالة في تشكل الهوية اللغوية المغربية، وهذا ستتضرر منه بالدرجة الأولى اللغتان الرسميتان للبلد (العربية والأمازيغية) لصالح لغة المستعمر كما يسميها أعداء الفرنكوفونية. هذا التأثير من مسبباته نمو الأعداد المستعملة للأنترنيت، والتي أصبحت في تقديري تعد بالملايين، فتأثر الناس بالثقافات الغربية القريبة منها خصوصا الفرنسية والإنجليزية، وذلك بفعل عدم اهتمام المدبرين للشأن العام لورش -رقمنة وتحديث الإدارات والخدمات- ولكون المنتوج الثقافي المغربي لا يحظى بالجاذبية التي تمكنه من كسب تفاعلات شباب هذا الجيل. وسيؤدي هذا بعد مدة إلى ظهور تثاقف مهم سيجعل مجال المشتغلين على قضايا التثاقف أو المثاقفة، كما يسميها الفيلسوف طه عبد الرحمن أوسع وأرحب، كما سيكون على اللسانيين بذل جهود علمية أكبر لوضع معاجم جديدة بالموازاة مع التحديث الذي يقع وسيقع باللغة العربية أو الأمازيغية لتفادي الهوة بين عربية الماضي وعربية الحاضر وبين أمازيغية الماضي وأمازيغية الحاضر .

 

ثانيها، ضعف منسوب القراءة مقارنة مع عدد من الدولة المتقدمة، فيؤثر هذا المعطى في تعاطي الناس للمحتويات الرقمية ذات جودة عالية، والتي تصدر عن هيئات ومؤسسات تضمن مستوى لغوي جيد عبر لجانها العلمية الموكول لها ضبط المحتويات المنشورة وتصحيحها وتقييمها؛ لكن  كما أشرت في الملاحظة  السابقة، فإن التحديث والتطوير لم تشارك فيه المؤسسات العمومية ببلادنا بالشكل المرغوب فيه، وهو ما أدى إلى بروز هوة بين مختلف قواعد الشعب المغربي ونخبه، وهذا ستتأذى منه اللغة أولا لأنها لسان حال المواطنين .

 

ثالثها، ضعف المنتوج العلمي في قضايا الساعة فتقتصر النخبة على مواكبة النقاشات بشكل غير دقيق، فلا نجد لموضوع اللغة والأنترنيت أي اهتمام كبير من طرف النخبة المغربية، وأقصد بها بالدرجة الأولى علماء اللغة والاجتماع وعلماء الاتصال، والنتيجة إهمال اللغة وتراجع في مستويات استعمالها الجيد من طرف رواد الأنترنيت، بل وأدى هذا الأمر إلى اضطرار جزء من النخبة للانسياق وراء التيار فأصبحت الصحف تستعمل استعمالا بشعا لغة العامة، وهو بذلك اعتراف ضمني بأن هذه اللغة لم تعد مستوى بل أصبحت لغة حية تعبر عن تطلعات شباب اليوم.. يقول أبو العزم وهو باحث في قضايا اللغة "وحتى إن كانت لغة العامة فإنها تخضع كذلك لسلطة القواعد تفاديا لسوء الفهم وانعدام التفاهم". هذا الطرح الذي يتبناه جزء من الباحثين المغاربة صعب المنال لأنه سيدخلنا إلى متاهة أخرى هي البحث عن لغة جديدة متجددة، وسنكون أمام خيار واحد هو اعادة البحث عن نسق لغوي خاص بنا كمغاربة يوحد رغبات الشمال والجنوب والشرق والغرب على قلب وهدى لسان واحد .

 

رابعها، أن التحول الرقمي الحاصل ببلادنا تشرف عليه وتؤطره نخبة فرنسية التكوين، وأقصد هنا المهندسين.. فهذه الفئة درست جلها بالمدارس الفرنسية خارج المغرب وجزء منها درس بالمعاهد العليا ببلدنا، لكن كذلك طبقا لنظام فرنسي، وهذا المعطى مهم لأنه سيمكن من فهم عقلية الانترنيت والقائمين عليها ومرجعية هذه الفئة اللغوية تزكي الشرخ الحاصل وتفسر التباعد الكبير الحاصل حتى بين النخب فيما بينها والحل بالنسبة إلى نقاش نخبوي بين اللسانيين وغيرهم من الباحثين لإيجاد الحلول لأزمة الهوية اللغوية بالمغرب .

 

خامسها، كون إشكالية لغة الاعلام والصحافة والانترنيت بالمغرب الأكثر استحواذا لنقاشات الدارسين والباحثين وعموم مستعملي وسائل الإعلام، لكن هذا الاستحواذ لم يصاحبه بحث أكاديمي يفضح المستور ويتعمق في الأسباب ويقارب الوقائع بناء على الظواهر، بقدر ما بقي السجال حول تردي اللغة المكتوبة حبيس نقاشات عقيمة بين الأفراد والجماعات لم ينتج عنها ما يفيد دارسين الشباب والصحفيين اليافعين ليحسنوا من مستواهم المهني ويرقى بلغته الصحفية عربية كانت أو أمازيغية إلى مستوى يليق بالنخب المغربية الناشئة.

 

سادسها، يطرح الباحثون في علوم اللغة  اسئلة كثيرة بخصوص  الثورة اللغوية، التي ساهمت وسائل الإعلام في بروزها وتطرح أسئلة كثيرة في هذا الجانب من قبيل "الحدود" التي يمكن أن تقف عندها الثورة اللغوية المحدثة من طرف وسائل الإعلام، وانعكاساتها على سلامة اللغة وكيفية التحكم في إفرازاتها.

 

فبحسب أبو العزم "فلا وجود للغة بدون ضوابط وان التطور لا يجب أن يمس الجوهر مهما تغير الشكل بما يتماشى والمتغيرات الحاصلة في مجالات المعرفة الإنسانية والعمران والتطورات المجتمعية"؛ لكن لا يتفق الباحثون حول هذا الطرح، الذي يؤمن بالتجدد اللغوي في إطار الممكن، او ما عمل على تنزيله الفرنسيون لتدوير لغتهم، حتى تواكب طموحات شباب كل جيل، ويشتغل اللسانيون بفرنسا على فتح مجال إغناء اللغة بمئات المصطلحات الجديدة كل سنة.