السبت 27 إبريل 2024
فن وثقافة

بيعة مولاي "عبد العزيز" الحكم و بروز المنافسة بين النخب المخزنية (6)

بيعة مولاي "عبد العزيز" الحكم و بروز المنافسة بين النخب المخزنية (6) الأستاذ هشام بنعمر بالله، ومشهد لموكب السلطان (أرشيف)

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و 1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب صحفي بريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية و الفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الاوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و 1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر و المؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء و موظفو المخزن الشريف، و شيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص و قطاع الطرق، وعموم الناس ...)

الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه و مظاهره بأسى شديد". و نشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب (المغرب الذي كان) .

عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الانجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها و مناقشتها.

 

بلغ سِنُّ مولاي عبد العزيز في أثناء تَوليته الحكم حوالي إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة (1894).

كان أصغر أنجَال السُّلطان المولى الحسَن. في الواقع، لم تكُن (ولاية العهد) في المغرب تخضع لنظام حقِّ البُكورة الأبوي (أي التوارث في الأعقاب من الابن البكر لابنه البكر). فليس غريباً أن يتولى أخٌ للسُّلطان العرش بعده (نظام حق الأقدمية الأبوية )، وأحياناً أخرى أحد الأقارب البَعيدين جداً.

كانت والدة السُّلطان مولاي عبد العزيز سيدةً تُركيةً، استقدمت من القُسطنطينية (إسْطَنبُول) إلى المغرب. يُشاع أن (السيدة)تمتعت بذكاءٍ عَظيمٍ، وقُوة شخصية فريدة . كانت بكُلِّ تأكيد أُماً مُخلِصةً. إضافة إلى ذلك، لعبت دوراً سياسياً كبيراً في البلاد. وكانت تُسدي النَّصيحة لزوجها في تدبير شؤون الدَّولة.

وفي جميع الأحوال، من الواضح أنها كانت ذات شخصية مُثيرة لأنها عرفت، وسط مجموعة من المنافسين، المحافظة على نفوذها على السُّلطان إلى حين وفاته. بذلك استطاعت أن تَضمن لابنها [مولاي عبد العزيز] الظُّهور لتولي عرش المغرب. كان من الطبيعي أن تثير توليَّةُ أمير صغير السِّن بعض الدَّسائس وسط القصر.

وجدت داخل القصر (جماعتان كبيرتان). الأولى (جماعة) أبَّا أحمَاد، الحاجبُ النَّافذُ. والثانية (جماعة) الوزير الأعظم و وزير الحرب، اللذان إلى جانب النُّخبة المخزنيَّة [الفَاسيَّة] من عائلة [أولاد الجامعي] ذاتُ الشأن الكبير وهما على التوالي السي الحاج" المعطي الجامعي"، والسي "محمد الصغير الجامعي".

بينما كان الحاجب "أبَّا أحمَاد" نَجلاً لأحد العَبيد السُّود، ومن ثَمَّ لم يكُن بإمكانه الاعتمَاد على دَعم قبيلة أو عائلة (مخزنيَّة) مُؤثرة ذات نُفوذ. عَكس (خصومه) الذين كانُوا من النخبة الفاسيَّة، ذات النَّسب الرفيع، التي تحظى بدعمِ سكان المدن النَّافذة.

ينتمون إلى عائلة [آل الجامعي] التي يمكن أن نقول عنها أنها أسرة ارستقراطية "مخزنيَّة"، يعني ذلك أن أفراد هذه الأسرة تقلَّدت مَناصب حُكومية رفيعة في الماضي، ولذلك كانت تحدوهم دائماً رغبة الوصول إلى هذه المناصب، والمحافظة عليها.

من البديهي إذن أن يقَع التَّحَاسُد بين الفريقين.

مَنح منصب الحاجب لـ "ابَّا أحمَاد" القدرة على الاتصال الدائم بالسُّلطان ، وذلك لحداثة سنِّه حيث لم يكُن (السُّلطان الصغير) على اتصال مباشر ومستمر بالوزراء.

من المؤكَّد أن الحاجب كان يعتمدُ أيضاً على دَعم والدة السُّلطان (لالة رقيَّة). فقد كان خادماً ثابتاً ومخلصاً لزوجها [السُّلطان المولى الحسَن]، وحرص على تنفيذ (وصيته) بتوليَّة نجله سلطاناً. يَستندُ بقاؤه في منصبه بالأساس على دوام الحال على ما هو عليه. من دون شكٍّ كانت والدة السلطان والحاجب " أبَّا أحمَاد " يعملاَن على تحقيق نفس الهَدف.