الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بكار السباعي: الحاضر والغائب في مشروع قانون 22/20

الحسين بكار السباعي: الحاضر والغائب في مشروع قانون 22/20 الحسين بكار السباعي
الحسين بكار السباعي: الحاضر والغائب في مشروع قانون 22/20
أكدت شعوب ودول العالم يوما بعد يوما، تتطلعها إلى أمل القضاء على الفيروس القاتل الذي أنهك الإنسان والاقتصاد وغلب الساسة .أمل أن يكون الغد أفضل و بأقل الخسائر إن لم نقل الأكبر بكثير مما خلفته كل الحروب التي عفتها الإنسانية و مهما كان نوعها.
أمل أن نقف فيه جميعا ليس دقيقة صمت للترحم عن أمواتنا، ولكن أن نقف فيه لسنوات لتضميد جراحنا وإصلاح اقتصادنا ومشاكلنا الاجتماعية وإعادة توازناتنا الإقليمية قبل الدولية.
أمل لن يتحقق إلا بإرادة وعزم الشعوب.
أمل جسدته أعلى سلطة في البلاد بأن لكل مغربي مصاب بالفيروس حقه في سرير للعلاج بغض النظر عن مستواه أو مركزه الاجتماعي، فتساوى الجميع أمام الحق في العلاج .وتجند الكل ، أطر طبية وسلطات عمومية وأجهزة أمنية وعسكرية ومتطوعين مدنيين و أسرة العدالة ورجال التعليم وصحافة وإعلام ، دون أن ننسى بقال الحي وخضار الحي وعامل النظافة، والذين نقف لهم جميعا وقفة إجلال واحترام ممن يستحقون كل الأوسمة والنياشين.
لا أريد أن أجتر عليكم الكم الهائل من الأخبار التي تداولتها مختلف وسائل الإعلام الدولية عن الإستراتيجية الإستباقية لمواجهة فيروس كوفيد 19 وعن التضحيات الكبيرة التي قدمها المغرب وبأوامر ملكية سامية وباشراك لجميع الفرقاء .
ولكن لوضع الأصبع على مواطن الداء في جسمنا الحكومي والخلل المرضي الذي أصاب جهازه التنفيذي و مخافة أن تنتقل العدوى للجهاز التشرعي . ولولى أن جميع أطرنا الطبية و مختبراتنا العلمية منهمكة على علاج مرضانا والبحث عن الأمصال ،لكانوا مهم المختصين والمكلفين بذلك.
إن بعض السياسيين في بلدنا العزيز ومن يحوم في فلكهم وإن استظرفوا تأنسنوا وتشدقوا دفاعا عن الوطن وحقوق المواطنين ،فأنهم بغير دين الثعلب ما آمنوا ولا اعتقدوا .
لا أحد ينكر أن السلطة والقوة مرتبطان بالوصول إلى المعلومة ،وأن القدرة على استخدامها بصورة مبتكرة ، تصبح محددا للسيطرة على اتجاهات الرأي العام وتشكيل الآراء والمواقف.
هذه الرغبة التي قادت واضعي مشروع 22/20 يفاجئوننا كمواطنين بما اسماه البعض "بتسريب" لهذا المشروع الذي أثار الكثير من الحديث عن مدى احترام المسطرة المتبعة في التشريعى، من مقترحات قوانين ومشارع قوانين .
وتجسيد هذه الرغبة اتضح من تسمية القانون نفسه بكونه قانون يتعلق بشبكات التواصل الإجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة، وكأن واضحه أراد تضييق الخناق على كل ما يتداول داخل وسائل الاتصال المعروفة أو التي ستظهر في المستقبل بفعل التطور التكنولوجي المهول في مجال تكنولوجيا الاتصال بكونه تضمن الشبكات المماثلة فاراد أن يصدر قانونا صالحا لكل زمان، متناسيا أن وحدها الوقائع الاجتماعية وتغيرها من تتحكم في صياغة وتعديل القاعدة القانونية وليس العكس والحال أن هذا المشروع يشكل تراجا كبيرا عن ما حققه المغرب من مكتسبات في مجال حقوق الإنسان وعلى ما تضمنته الوثيقة الدستورية من حقوق وحريات بدأ من تصديره وصولا إلى مواده وعلى رأسها المادة 25.
لا احد من المغاربة الصادقين في وطنيتهم وحبهم للوطن وتشبثهم بمؤسستهم الملكية التي أصبحت هي الملاذ الوحيد و الأمل الأوحد لكل المغاربة في إصلاح الأخطاء والتجاوزات والإنزلاقات التي عرفها العمل الحكومي والتي اتضحت بشكل فاضح للعيان في ضل الأزمة الكوفيدية الحالية .
فأن يبتدئ واضع مشروع قانون 22/20 فصوله بمادة أولى خصصها لمجموعة من التعريفات لتحديد مجال تطبيقه ،رغم أنه ليس من عادة المشرع استغراق مواد وفصول القانون بالتعريفات بل يترك ذلك للفقه والعمل القضائي طبقا لما تفرضه الوقائع والنوازن من تغيرات ،وهو ذات الأمر الذي وقع مع قانون 13/88 المتعلق بالصحافة والنشر والذي استغرقت مواده التعريفات .
ربما هي مكننة وآلية جديدة أصبح ينهجها المشرع المغربي في وضعه للقوانين ليس فقط بتحديد مجال تطبيقها بل الأخطر هو إعمال قاعدة عدم إفلات المخالف لها من العقاب، وكأنه نصب نفسه ممثلا للنيابة العامة، ولو تعلق الأمر بالنشر بشبكات مماثلة لا زال لا يعرفها جل الواقع المغربي أو ربما لازالت في أدهان المبتكرين والمخترعين .
هنا يطرح الإشكال الجوهري في هذا المشروع وهو هل المشرع المغربي يمثل سيادة الأمة أم سيادة الدولة والحكومة ؟
فضلا عن ذلك وان جاء،واضع هذا المشروع في فصله المتعلق بنطاق التطبيق بأن حرية التواصل الرقمي مضمونة إلا انه ربطها بشروط والحال أن هذا الأمر يحمل خرقا سافرا للدستور ولما صادق عليه المغرب من اتفاقيات دولية حدد مركزها وقوتها الالزامية في تصديره قبل مواده .
وهنا نسائل المؤسسة التشريعية التي سيعرض عليها هذا المشروع للمصادقة باعتبار أن البرلمان هو اسمي تعبير عن إرادة الشعب في البلدان الديمقراطية ولا يحق لأي سلطة أن تعلوا على سلطته وهو بمثابة السلطة التشريعية بامتياز ودوره الأساسي إصدار النصوص التشريعية ومراقبة أعمال الحكومة . أما فيما اتصل بنقد شكل و موضوع هذا المشروع الفئوي المناهض لثقافة حقوق الإنسان و تكريس الحريات العامة و العمل على الرفع من مستواها و معاييرها وفقا للمبتغى الأممي والوطني. يدفعنا للقول على أنه انتكاسة حقوقية على جميع المستويات، سيما أن كافة ما جاء به من مفاهيم أو تجريمات سبقته بها مجموعة القانون الجنائي وما تضمنته بعض التشريعات الخاصة من فصول ومواد لتحديد المفاهيم أو التنصيص على عقوبات زجرية .
والتي يظهر معها أن فصول هذا المشروع وبدءا من الفصول 2و 3 و4 والتي تتحدث عن نطاق تطبيقه فانا لا محالة تضفي الطابع اللا اجتماعي والفئوي المناهض لحرية الرأي والتعبير وتقييد لمقضيات الفصل 25 من الدستور والفقرة 2من الفصل 28 التي تتنافى مع مضمونه فضلا على إثارة أي استثناء يتوجب معه التقيد التام بتوجه يضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة .
كما أن النطاق المتحدث عنه في المادة 3 يخص مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب والتي أضحت فضاء عاما لتبادل الأفكار والآراء والتعبير عن المواقف.
مع أن واضع هذا المشروع استثنى بموجب المادة الرابعة منه الصحفيين ومؤكدا بالرقي بالعمل الصحفي عند استعمال الوسائط الاجتماعية هذا الاستثناء الذي يمكن اعتباره لغما تشريعيا له غايات وأهداف واضحة.
ومرورا بالمادة 8 و 9والتي حددت شكليات وإجراءات المستعملين للمواقع التواصلية والذين هم في درجة المزودين وكذلك أصحاب شبكات البت المفتوح بترخيص مع التقيد بكافة الإجراءات التي فرضها مشروع 20/22.
غير انه ومن باب القفزة المحسوبة على مشروع قانون غير محسوب العواقب هو جديد ما جاءت به المواد من 5 إلى 12 من الباب الثاني، والذي نعتبره طفرة بخصوص ماكنا نترقبه من إغناء لمنظومتنا التشريعية وتنزيلا للأمن الرقمي وضبط معاييره والذي سيكون لبنة متممة لعمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المحدد لمهم جديدة فيما يتعلق بالحصول على ترخيص خاص يتعلق بمزودي الخدمات المتواجدين فوق التراب الوطني وهو الأمر الذي نحتاجه لكثرة الشركات الافتراضية والمزودين الالكترونيين .
غير ان ما اتصل بالآثار المترتبة عن خرق الإجراءات المحددة إداريا فإن خرقها يترتب عنه أداء غرامات وفق آجال محددة تفرضها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والتي اسند لها مشروع هذا القانون كامل الاختصاص .
أما الباب الثالث والخطير بل والمهدد للأمن القانوني والقضائي لمستعملي الوسائط الاجتماعية هو غلوه في تحديد الغرامات والتي يمكن أن تصل إلى 100000و رفعه من العقوبات الحبسية التي قد تصل إلى خمس سنوات،مع التنصيص على الحكم على المتهم بالغرامة والعقوبة الحبسية دون إعمال أحدهما مما يعتبر إشارة إلى الطبيعة المشددة في الزجر والردع التي تعبر عنها نية واضع هذا مشروع 20/22.
مع ملاحظة أن جل الأفعال المجرمة قد نصت عليها نصوص سواء تضمنها القانون الجنائي اأو تشريعات خاصة بل وأن العقوبات المحددة فيها اقل مما جاءت في هذا المشروع .
الأمر الذي يطرح إشكالا جدير بالبحث الأكاديمي وهو العلاقة بين المجتمع المغربي والقانون في ضل أزمة كورونا وما هي الضمانات الدستورية وما صادق عليه المغرب من اتفاقيات دولية التي يجب مراعاتها من طرف واضع مشروع قانون 20/22 ،أم يبقى هدفه هو التأسيس لفلسفة تشريع فئوي واحتكاري رأسمالي صرف يتضرع بدعوى حماية الأمن الاقتصادي والحال أنه لا أمن دون سلم اجتماعي.
فرجاءا أبعدوا مشروع هذا القانون والظرفية الحالية لا تستقيم وكل تشريع لا يساير متطلبات البلاد وينسف كل جهود إعادة ثقة المواطن بمؤسساته ويقوض القيم العليا التي عبر عبرت عنها كافة مكونات المجتمع من تآزر وتضامن وتضحية .
 
ذ/ الحسين بكار السباعي، محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان