الأربعاء 1 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الله مزيان: موظفو السجون.. مرابطون ضد وباء كورونا

عبد الله مزيان: موظفو السجون.. مرابطون ضد وباء كورونا عبد الله مزيان

في بداية أزمة كورونا تجند المغاربة نساء ورجالا، وقفوا وقفة رجل واحد، مجندين وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتجاوز هذه المحنة التي سببها هذا الوباء القاتل، لقد تعطلت كثير من الانشطة، ودخلت البلاد في شلل مريع، بالغيرة على الوطن ونكران الذات لضمان استمرارية سير العمل، وتحقيق الأمن في جميع مناحي الحياة من موظفي القطاعين العام والخاص، والمهن الحرة، وعلى غرار هؤلاء برز موظفو السجون الذين لم يسلط الاعلام الضوء عليهم مع العلم أنهم لا يقلون عن باقي القطاعات الاخرى تضحية وانسانية ونكرانا للذات...

إننا كمغاربة لن ننسى التضحيات التي قدمها في عز أزمة كورونا نساء ورجال الصحة والإعلام والتعليم والأمن (شرطة ودرك وجيش ووقاية مدنية...) وقطاع خاص ومستخدمين وعمال مهن حرة وتجار وفلاحين... الكل عمل بإخلاص وتفان في سبيل استقرار البلد واستمرارية عمل مؤسساته، والكل التزم بقواعد التباعد الاجتماعي وبروتوكولات الحجر الصحي كما سطرتها السلطات المسؤولة، وسعيا وراء تجنيب وطننا الحبيب ويلات وشرور هذا الوباء الفتاك الذي تفشى في أغلب دول العالم وخلف العديد من الضحايا.

 

لقد كشفت هذه الأزمة عن نساء ورجال حقيقيين وغيورين عن وطنهم كما فضحت التافهين والمتسلقين والانتهازيين وعديمي الضمير... إنهم معروفون للجميع وسيحاسبهم المجتمع والرأي العام بعد هذه الازمة.

 

وعلى غرار هؤلاء جميعا الكل تجند للعمل الجاد داخل مندوبية السجون من أجل هذا الوطن، ليس فقط بأداء المهام والوظائف المنسوبة إليهم بل أيضا العمل على التقيد ببروتوكولات الوقاية التي سطرتها وزارة الصحة، والمحافظة على قواعد النظافة والتباعد الاجتماعي، صونا للوضع الصحي العام، وعملا على عدم تفشي الوباء القاتل.

 

و في خطوة استباقية ثم العمل على تحصين فضاءات السجون بتعقيم المؤسسات السجنية، وفرض الحجر الصحي على موظفي السجون، وذلك بتقسيمهم إلى قسمين كل قسم يعمل داخل المؤسسات السجنية لمدة خمسة عشر يوما دون أن يغادر محيط المؤسسة، تفاديا لأي تسرب للفيروس داخل أسوارها، وهذه تضحية جليلة يقدمها نساء ورجال المندوبية في سبيل وطنهم بعيدا عن أسرهم ومنازلهم.. أليس هذا رباطا في سبيل الوطن؟ يقول الله تعالى "يا أيها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" آل عمران 200.

 

إن موظفي المندوبية، كما هو معروف، يعملون في نظام مغلق وبيئة مقفلة، فهم أشبه بخلية نحل أو جحر نمل، يعملون بلا كلل ولا ملل، رغم أن كثير من الناس يجهل صعوبة عملهم والإكراهات الجمة التي يعانون منها في سبيل أداء رسالتهم، بالإضافة إلى نظرة الناس السلبية لهم وللسجن بصفة عامة، حقا لا أحد يعلم أن هؤلاء يعانون في صمت. يقول باولو كويلو "الألم مخيف عندما يكشف عن وجهه الحقيقي، لكنه ساحر عندما يكون تعبيرا عن التضحية أو التحلي بنكران الذات".. يكفي أنهم يعملون طيلة السنة بأعيادها وعطلها ومناسباتها مرابطين، صابرين في سبيل الحفاظ على أمن المجتمع، ناهيك عن تعاملهم اليومي مع السجناء، وهم فئة بغض النظر عن أسباب جرائمهم، وبغض النظر عن خطورتهم، يبقى موظفو السجن مطالبون بالتعامل اليومي معهم ومخالطتهم في سبيل إعادة تربيتهم وإعادة إدماجهم بعد ما عجز المجتمع عن تربيتهم التربية السليمة، وهؤلاء الموظفين مطالبون كذلك بالنزاهة والأخلاق والقدوة الحسنة.. وها هم اليوم نجدهم في الصفوف الأولى يحمون بذواتهم وأرواحهم الساكنة السجنية (التي يفوق عددها الثمانين ألف) في وجه هذا الوباء المتخفي والغادر، بعيدا عن سكناهم تاركين أسرهم وأولادهم للمجهول. حقا إنه قمة التفاني، ونكران الذات، وحب الوطن.

إن مهمة موظفي السجن حيوية واستراتيجية، فهم يعملون على سلامة وأمن الوطن، ويسهرون على تطبيق العدالة من خلال تنفيذ الأحكام القضائية للعقوبات السالبة للحرية، وتٲهيل السجناء بنهج سياسة ٳعادة الادماج لهؤلاء، الذين يعتبرون فئة نبذها المجتمع لسلوكياتها الخارجة عن القانون، كل هذا بمرتب هزيل لا يلبي حاجيات ٲسرهم اليومية والعيش بكرامة، بالإضافة إلى حرمانهم من التعويض عن السكن على غرار باقي القطاعات الأمنية، وسلبهم حق ٳدماج حاملي الشواهد في السلاليم الموازية على غرار قطاعي الصحة والعدل، يقول الله تعالى "اعدلوا هو ٲقرب للتقوى واتقوا الله" المائدة 8.

ومع ذلك  لم نجد ٲي من المنابر الاعلامية سلط الضوء على هذه الفئة التي تستحق التنويه والإشادة والشكر.

 

رغم المجهودات الجبارة التي تقوم بها مندوبية السجون بقيادة المندوب العام المشهود له بالوطنية، والذي يعمل بجد ومثابرة لتحسين الوضعية المادية لموظفيه والرفع من معنوياتهم، ٳلا ٲن مساعيه تصطدم بعجز حكومة البيجيدي (من عهد بنكيران إلى عهد العثماني) عن تلبية مطالب هذه الفئة المقهورة والمحرومة من حقوقها المشروعة.

 

إن العاملين في السجون يؤدون مهام عظيمة لصالح المجتمع، لدى يجب الاهتمام بهم بما يستحقون، والاعتراف بتضحياتهم الجليلة، والرفع من معنوياتهم .

 

فتحية ٳكبار وٳجلال إلى كل من ضحى براحته الجسدية والنفسية من ٲجل راحة الاخرين ومن ٲجل العدل والاستقرار والتنمية والتقدم.