يسلّط محمد حركات، أستاذ الاقتصاد السياسي العالمي والحكامة ومدير مؤسسة المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، الضوء على الأسباب العميقة التي تجعل من كل موجة أمطار أو اضطراب جوي بالمغرب مدخلاً لكوارث إنسانية وعمرانية، محمّلاً المسؤولية لسوء تدبير التعمير، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وضعف الحكامة المحلية، وانعدام دراسات الأثر وتقييم المخاطر.
لماذا تتحول كل موجة أمطار أو اضطراب جوي في المغرب إلى كارثة إنسانية وعمرانية، في حين تبقى مثل هذه الظواهر محدودة الأثر في مدن كبرى عبر العالم؟
الواقع أن السؤال وجيه جداً، لأن الفيضانات التي ضربت مدناً مثل تطوان ومرتيل وآسفي تُعد، في كثير من الأحيان، كوارث إنسانية وعمرانية حقيقية، بل مجموعة من الكوارث المتراكمة. ففي أقل من أسبوع، سقطت عمارتان فوق المواطنين بمدينة فاس، ثم شهدنا فاجعة فيضانات آسفي التي ذهب ضحيتها 37 مواطناً غرقاً، مع احتمال ارتفاع العدد.
ولا شك أن موجات الأمطار والاضطرابات الجوية بالمغرب تتحول إلى كوارث إنسانية وعمرانية، بينما إذا قارنا الوضع بمدن كبرى في دول متقدمة، نجد أنها تنجح في احتواء هذه الكوارث في أقرب وقت. والسبب أن هذه المدن تتوفر على دراسات استراتيجية لتدبير المخاطر، وبنيات للبحث والتوقع الاستراتيجي، وآليات دقيقة لإدارة الأزمات، مع اتخاذ إجراءات استباقية تقلص من تأثير المخاطر على المواطنين.
في المقابل، أعتقد أن المغرب يفتقر فعلياً إلى بنيات حقيقية لتقويم المخاطر، رغم وجود نصوص قانونية. غير أن الإشكال يكمن في مستوى الممارسة، خصوصاً لدى المنتخبين، الذين تضعف لديهم آليات الرؤية والتوقع، وهو ما يعود في جزء منه إلى محدودية المستوى الفكري والثقافي لدى عدد منهم. كما أن النخب التي تدبر الشأن العام تفتقر في كثير من الأحيان إلى القدرات اللازمة لتتبع أوراش التعمير والتخطيط الحضري وتوقع الكوارث الطبيعية، كالفيضانات.
صحيح أن هناك قوانين، لكن على مستوى التفعيل نلاحظ إهمالاً واضحاً، نتيجة غياب المسؤولية والمتابعة، سواء في ما يتعلق بصيانة القنوات أو الاستعداد لموسم الأمطار، أو مراقبة المباني الآيلة للسقوط. وكان من الضروري وضع خرائط للمخاطر بكل منطقة، وتحديد المباني المهددة، مع تتبع صارم من طرف المسؤولين والمنتخبين دون أي تفريط، لتفادي هذه الآفات الكبرى. فوفاة 37 شخصاً في فيضانات آسفي مؤشر واضح على أن الإجراءات اللازمة لم تُتخذ في الوقت المناسب، سواء على مستوى الصيانة أو المتابعة أو التحسيس، وهو ما يفسر تكرار هذه المآسي كلما عرف المغرب اضطرابات مناخية.
الواقع أن السؤال وجيه جداً، لأن الفيضانات التي ضربت مدناً مثل تطوان ومرتيل وآسفي تُعد، في كثير من الأحيان، كوارث إنسانية وعمرانية حقيقية، بل مجموعة من الكوارث المتراكمة. ففي أقل من أسبوع، سقطت عمارتان فوق المواطنين بمدينة فاس، ثم شهدنا فاجعة فيضانات آسفي التي ذهب ضحيتها 37 مواطناً غرقاً، مع احتمال ارتفاع العدد.
ولا شك أن موجات الأمطار والاضطرابات الجوية بالمغرب تتحول إلى كوارث إنسانية وعمرانية، بينما إذا قارنا الوضع بمدن كبرى في دول متقدمة، نجد أنها تنجح في احتواء هذه الكوارث في أقرب وقت. والسبب أن هذه المدن تتوفر على دراسات استراتيجية لتدبير المخاطر، وبنيات للبحث والتوقع الاستراتيجي، وآليات دقيقة لإدارة الأزمات، مع اتخاذ إجراءات استباقية تقلص من تأثير المخاطر على المواطنين.
في المقابل، أعتقد أن المغرب يفتقر فعلياً إلى بنيات حقيقية لتقويم المخاطر، رغم وجود نصوص قانونية. غير أن الإشكال يكمن في مستوى الممارسة، خصوصاً لدى المنتخبين، الذين تضعف لديهم آليات الرؤية والتوقع، وهو ما يعود في جزء منه إلى محدودية المستوى الفكري والثقافي لدى عدد منهم. كما أن النخب التي تدبر الشأن العام تفتقر في كثير من الأحيان إلى القدرات اللازمة لتتبع أوراش التعمير والتخطيط الحضري وتوقع الكوارث الطبيعية، كالفيضانات.
صحيح أن هناك قوانين، لكن على مستوى التفعيل نلاحظ إهمالاً واضحاً، نتيجة غياب المسؤولية والمتابعة، سواء في ما يتعلق بصيانة القنوات أو الاستعداد لموسم الأمطار، أو مراقبة المباني الآيلة للسقوط. وكان من الضروري وضع خرائط للمخاطر بكل منطقة، وتحديد المباني المهددة، مع تتبع صارم من طرف المسؤولين والمنتخبين دون أي تفريط، لتفادي هذه الآفات الكبرى. فوفاة 37 شخصاً في فيضانات آسفي مؤشر واضح على أن الإجراءات اللازمة لم تُتخذ في الوقت المناسب، سواء على مستوى الصيانة أو المتابعة أو التحسيس، وهو ما يفسر تكرار هذه المآسي كلما عرف المغرب اضطرابات مناخية.
إلى أي حد يتحمل البناء العشوائي وسوء تدبير التعمير المسؤولية المباشرة عن تكرار الفيضانات وانهيار المنازل في المدن المغربية؟
فعلاً،- هناك سوء واضح في تدبير التعمير. وكان من المفروض أن تتوفر لدى السلطات خرائط دقيقة لتقويم المخاطر بالأحياء المهددة، مع متابعة صارمة من طرف المنتخبين والسلطات المحلية ومصالح المراقبة. كما ينبغي اعتماد خرائط للمتابعة تراعي الجوانب الهندسية، وجودة البناء، واحترام قانون التعمير.
وفي نظري، فإن العامل الأساسي في تنامي البناء العشوائي وسوء تدبير التعمير هو الجشع الذي يطبع اليوم قطاع العقار، حيث يستثمر رأس المال في هذا المجال مستغلاً حاجيات المواطنين البسطاء، الذين يصطدمون أحياناً بعراقيل في الحصول على رخص البناء. هذا الجشع، إلى جانب الهجرة القروية المتزايدة بفعل سبع سنوات من الجفاف، ساهم في تمدد البناء العشوائي وبدونة المدن.
وفي غياب أجهزة مراقبة فعالة تتابع المجال العمراني وتحافظ على جمالية المدن وسلامة البناء، تتفاقم المخاطر. وعلى عكس ما هو معمول به في مدن كبرى مثل باريس، أو في الدول الأوروبية عموماً، حيث يُربط البناء بالمساحات الخضراء والمنتزهات، نجد أن المسؤولية عن انهيار المنازل في المغرب تعود أساساً إلى غياب آليات تدبير المجال العمراني، وضعف الحكامة المحلية، وتحمل المجالس المنتخبة قسطاً كبيراً من هذه المسؤولية.
فعلاً،- هناك سوء واضح في تدبير التعمير. وكان من المفروض أن تتوفر لدى السلطات خرائط دقيقة لتقويم المخاطر بالأحياء المهددة، مع متابعة صارمة من طرف المنتخبين والسلطات المحلية ومصالح المراقبة. كما ينبغي اعتماد خرائط للمتابعة تراعي الجوانب الهندسية، وجودة البناء، واحترام قانون التعمير.
وفي نظري، فإن العامل الأساسي في تنامي البناء العشوائي وسوء تدبير التعمير هو الجشع الذي يطبع اليوم قطاع العقار، حيث يستثمر رأس المال في هذا المجال مستغلاً حاجيات المواطنين البسطاء، الذين يصطدمون أحياناً بعراقيل في الحصول على رخص البناء. هذا الجشع، إلى جانب الهجرة القروية المتزايدة بفعل سبع سنوات من الجفاف، ساهم في تمدد البناء العشوائي وبدونة المدن.
وفي غياب أجهزة مراقبة فعالة تتابع المجال العمراني وتحافظ على جمالية المدن وسلامة البناء، تتفاقم المخاطر. وعلى عكس ما هو معمول به في مدن كبرى مثل باريس، أو في الدول الأوروبية عموماً، حيث يُربط البناء بالمساحات الخضراء والمنتزهات، نجد أن المسؤولية عن انهيار المنازل في المغرب تعود أساساً إلى غياب آليات تدبير المجال العمراني، وضعف الحكامة المحلية، وتحمل المجالس المنتخبة قسطاً كبيراً من هذه المسؤولية.
لماذا تسجل الكوارث في مدن مغربية خسائر بشرية ومادية جسيمة، مقارنة بما يقع في مدن أوروبية أو أمريكية تعرف ظروفاً مناخية مشابهة؟
يرجع ذلك بالأساس إلى غياب الرؤية الاستراتيجية لدى ممثلي السكان والإدارة المحلية، وضعف تقييم المخاطر وإدارة الكوارث. فالمدن الكبرى تحتاج إلى مقاربات جديدة وبنيات متخصصة في التوقع والتخطيط، من أجل تفادي الخسائر البشرية والمادية الجسيمة.
في المدن الأوروبية والأمريكية، قد تكون الاضطرابات المناخية أحياناً أشد مما نعيشه في المغرب، لكن الخسائر تكون أقل، لأن كل المصالح تُجند وتقوم بواجبها. أما تكرار الكوارث وارتفاع عدد الضحايا في نفس المدن المغربية، فيعكس مسؤولية تقصيرية واضحة من طرف الإدارة المحلية والمنتخبين، بسبب غياب المتابعة، وضعف الصيانة، وغياب الإجراءات الاستباقية وتعزيز البنيات التحتية.
ففاجعة آسفي، وقبلها فواجع أخرى، كشفت هشاشة البنيات التحتية وتقادمها، وعدم توفير تجهيزات لائقة تضمن شروط العيش الآمن. وعندما تغيب الرؤية الاستراتيجية، والتخطيط، والموارد، والكفاءات، سواء لدى المنتخبين أو لدى المصالح الخارجية للدولة، تكون النتيجة ما شهدناه في عدد من المدن المغربية.
كما أن تفعيل آليات المراقبة والمساءلة يظل أمراً أساسياً، وهو ما نفتقد إليه مقارنة بدول أخرى، حيث يؤدي أي خطأ جسيم إلى محاسبة المسؤولين المباشرين وإقالتهم. في حين نلاحظ في بعض الحالات إفلاتاً من العقاب، وضعفاً في بلورة مشاريع تراعي الصيانة والحكامة الجيدة، مع غياب شبه تام لدراسات الأثر (Étude d’impact) في تدبير الشأن المحلي.
لتفادي هذه الكوارث الإنسانية والعمرانية، يؤكد محمد حركات على ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، سواء على مستوى المجالس المنتخبة أو الإدارة المحلية. فالقضية في جوهرها ديمقراطية بامتياز؛ إذ كلما تقوت الديمقراطية، أصبحت صمام أمان يقي من هذه الكوارث. وهو ما يقتضي دعم الكفاءات، وانتخاب مسؤولين نزهاء يتوفرون على رؤية استراتيجية وغيرة وطنية، مع تفعيل آليات المراقبة والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، حفاظاً على أرواح المواطنين ومستقبل المدن المغربية.
يرجع ذلك بالأساس إلى غياب الرؤية الاستراتيجية لدى ممثلي السكان والإدارة المحلية، وضعف تقييم المخاطر وإدارة الكوارث. فالمدن الكبرى تحتاج إلى مقاربات جديدة وبنيات متخصصة في التوقع والتخطيط، من أجل تفادي الخسائر البشرية والمادية الجسيمة.
في المدن الأوروبية والأمريكية، قد تكون الاضطرابات المناخية أحياناً أشد مما نعيشه في المغرب، لكن الخسائر تكون أقل، لأن كل المصالح تُجند وتقوم بواجبها. أما تكرار الكوارث وارتفاع عدد الضحايا في نفس المدن المغربية، فيعكس مسؤولية تقصيرية واضحة من طرف الإدارة المحلية والمنتخبين، بسبب غياب المتابعة، وضعف الصيانة، وغياب الإجراءات الاستباقية وتعزيز البنيات التحتية.
ففاجعة آسفي، وقبلها فواجع أخرى، كشفت هشاشة البنيات التحتية وتقادمها، وعدم توفير تجهيزات لائقة تضمن شروط العيش الآمن. وعندما تغيب الرؤية الاستراتيجية، والتخطيط، والموارد، والكفاءات، سواء لدى المنتخبين أو لدى المصالح الخارجية للدولة، تكون النتيجة ما شهدناه في عدد من المدن المغربية.
كما أن تفعيل آليات المراقبة والمساءلة يظل أمراً أساسياً، وهو ما نفتقد إليه مقارنة بدول أخرى، حيث يؤدي أي خطأ جسيم إلى محاسبة المسؤولين المباشرين وإقالتهم. في حين نلاحظ في بعض الحالات إفلاتاً من العقاب، وضعفاً في بلورة مشاريع تراعي الصيانة والحكامة الجيدة، مع غياب شبه تام لدراسات الأثر (Étude d’impact) في تدبير الشأن المحلي.
لتفادي هذه الكوارث الإنسانية والعمرانية، يؤكد محمد حركات على ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، سواء على مستوى المجالس المنتخبة أو الإدارة المحلية. فالقضية في جوهرها ديمقراطية بامتياز؛ إذ كلما تقوت الديمقراطية، أصبحت صمام أمان يقي من هذه الكوارث. وهو ما يقتضي دعم الكفاءات، وانتخاب مسؤولين نزهاء يتوفرون على رؤية استراتيجية وغيرة وطنية، مع تفعيل آليات المراقبة والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، حفاظاً على أرواح المواطنين ومستقبل المدن المغربية.

