الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد حامد عمر: الخبز المحروق في زمن الكورونا

خالد حامد عمر: الخبز المحروق في زمن الكورونا خالد حامد عمر

قبل سنين مضت كنت أقف أمام شباك المخبز في الحي، فأطلب منه الخبز بسعر معين جنيه عشرة جنيه على حسب الطلب، فيبدأ العامل بتعبئة الخبز في الكيس، فأركز مع العامل وأقول له فجأة توقف لو سمحت! فيرفع العامل بصره إلى فأخاطبه بلهجتنا السودانية "العيشة دي محرقة خت عيش أبيض"، أي أن هذا الخبز محروق ضع لي مكانه خبز جيد. وينفذ العامل طلبي واعود للمنزل سريعاً.

 

أما اليوم في عام 2020 أقف ثلاث ساعات إلى خمس ساعات لكي أتحصل على قطع من الخبز، ونفس الموقف السابق، ولكن هذه المرة لا أصدق أنني وصلت إلى شباك المخبز ونفس العامل بنفس الملامح التي لم تتغير سوى بعض من علامات الشيب في مقدم الرأس وهذه المرة لم أركز أبدا مع الخبز ولا في شكله أهو نفس الحجم المعهود أم هو محروق أو أبيض؟!

 

سبحان الله تغيرت الأعوام والسنين وتغيرت الأحوال، بعد أن كانت أبسط الأمور التي كان الحصول عليها لا يتعدى العشر دقائق، أما اليوم فلابد من الوقوف الساعات الطوال للحصول على هذا الخبز، سواء كان محروقا أو أبيضا أو (مقمرا). كما يحلو للبعض أن يسميه.

 

لعلنا قصرنا كثيرا في شكر النعم بشكل كبير، فالنعمة التي لا نرعاها بالشكر لله سبحانه، فإن مصيرها الزوال، والعكس صحيح، إذا راعيتها بالشكر كانت لك بركة ونماء.

 

عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليَرضى عن العبد أن يأكل الأَكلة، فيَحمده عليها، أو يشرب الشَّربة، فيحمده عليها"، رواه مسلم.

 

ماذا يضرك يا بن آدم لو شكرت وحمدت الله على ما عندك من النعم العظيمة الجليلة؟ ماذا يضرك لو قلت الحمد الله على شربة ماء أو عطسة أو أكلة أكلتها؟

 

ولكنها تلك النفس الطاغية التي لا يملأ عينيها إلا التراب فطمع الإنسان وجشعه وعدم قناعته هو الذي جعله يأكل حق المسكين والضعيف، وجعله أيضاً يبيع الدقيق لسوق الأسود ويكتب صكوك محرمة وغير ذلك من الأفعال التي تغني الإنسان غنى كاذب مندثر البركة.

 

ومع وباء كورونا أيضا يتخاطف الناس الطعام والشراب بصورة جنونية، مما أدى إلى تقاتل البعض، فقد شاهدت طفلا يافعا صغيرا في قسم الشرطة وقد شج رأسه، وحين سألته، قال: "اقتتلنا في صف للحصول على الخبز فضُرب رأسي بحجر"!!

 

فيا من تسرق وتنهب قوت الناس، إعلم أن رب العالمين الذي خلقني وخلقك سيقتص لهذا المسكين الجائع الذي لا يجد قوت يومه.

 

فلنترك الأنانية والجشع، ولنقتسم اللقمة حتى تمر هذه الجائحة، ولنتذكر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يتقاسمون اللقمة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثهم على الاجتماع على الطعام لزيادة بركته فقال: "طعام الاثنين يكفي الثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة".

 

فلنحمد الله على ما تبقى من النعم قبل أن تزول هي أيضاً، ولنسأله دوما العفو والعافية والمعافاة الدائمة.

 

- خالد حامد عمر، مدون وصحفي سوداني