الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

أسامة الراقي: هذه هي الإيديولوجية المخفية في خطاب الفايد

أسامة الراقي: هذه هي الإيديولوجية المخفية في خطاب الفايد أسامة الراقي

إن ما يجعلنا مهتمين بمناقشة الأفكار التي يطرحها الفايد في خرجاته الأخيرة هو تطرقه لفيروس كورونا في هذه الظرفية التي يعيشها المواطن المغربي وانشغال الرأي العام بهذا الموضوع. وما دفعنا إلى كتابة هذا المقال هو ملاحظتنا أن عددا كبيرا من متتبعيه يصفون كل من ينتقده بأنه ملحد وكافر وعلماني.

 

إذا فنحن لا نناقش هنا المعلومات التي يقدم الفايد للجمهور من وجهة نظر طبية، وإنما ننظر إلى خطابه بعين نقدية معتمدين على آليات تحليل الخطاب من أجل إظهار الإيديولوجية ''الأصولية'' المخفية في خطابه التي تقدس كل شيء مرتبط بالماضي المجيد والتي كانت لسنوات طويلة تتماشى مع الوضع الصحي المتدهور في البلاد لتخدم في نهاية المطاف مصالح جماعات إسلاموية تستغل الدين في السياسة أكثر من ما تخدم صحة المواطن.

 

نقوم في هذا المقال بتحديد خصائص خطاب الفايد بناء على اختياراته المعجمية واختياراته على مستوى الصورة. وننطلق هنا من فكرة أساسية عامة في تحليل الخطاب، هو أن الأشخاص تكون لهم عدة اختيارات في معجمهم لكنهم يختارون كلمات أو صور معينة للتعبير عن أفكارهم دون أخرى. تحديد هذه الاختيارات يوضح لنا الإيديولوجية الخفية في خطابهم وتجعلنا أقرب إلى فهم علاقات السلطة بين صانع الخطاب والجمهور الذي يستهلكه. اعتمدنا في هذا التحليل على مجموعة من أدوات تحليل الخطاب التي طورها باحثون ومختصون في اللسانيات وتحليل الخطاب ويقدمها الباحثان ماشين وماير في كتابهما "كيف تقوم بالتحليل النقدي للخطاب" (2014).

 

هذا التحليل النقدي للخطاب قمنا بتطبيقه على 13 فيديو من معظم الفيديوهات حول موضوع كورونا على قناة الفايد على يوتوب وأخرى على منابر إعلامية إلكترونية.

 

لنبدأ أولا، بتوضيح نوع التواصل الذي يعتمده الفايد من أجل الظهور بصفة المختص والخبير في كل ما يقوله. إنه يمزج في خطابه بين أسلوبي التواصل الرسمي والعامي. اعتماد كلمات تقنية في مجال التغذية بلغة أجنبية تجعل المستمع لخطابه يعتقد أن الفايد مختص في الطب وكل ما يقدمه من معلومات فهي علمية وموضوعية.

 

تتكرر كلمات رنانة بكثرة في فيديوهاته مثل: الهيموغلوبين، تارتازين، ليتروزول، (بلاتليت) الصفائح الدموية. عندما ينطق الفايد هذه المصطلحات بالفرنسية أو بالإنجليزية يبدو خطابه وكأنه يقدم معلومات جديدة أو حقائق، في حين أن بحثا سريعا في محركات البحث على الأنترنت ستبين أن هذه المصطلحات متداولة وهي فقط مكونات وأسماء أدوية ومصطلحات معروفة في الطب. وبالتالي ما يقوم به الفايد هو فقط النطق بها وفي غالب الأحيان تكون لا علاقة لها بالفكرة التي يقول. بالإضافة إلى ذلك، يمزج هذه الكلمات التقنية بكلمات مقتبسة من اللغة العامية التي تجعله أقرب إلى الحياة العامة للناس الذين يتابعونه.

 

كلمات على غرار ''الزعتر''، ''حبرشاد"، ''السالمية''، ''الشيبا''، ''العطرشة''، ''عدس، حمص، فول''، "بصل، ثوم'' تتردد في جميع فيديوهاته بشكل نمطي و كأن الفايد يستظهر أشياء حفظها و يعيد عرضها في كل حديث.

 

هذه الكلمات المقتبسة من الحبوب والخضر والأعشاب الشائع استعمالها في الثقافة المغربية تجعل الفايد أقرب إلى الحياة العامة للمواطنين، وهو ما يجعلهم يثقون فيه إلى حد بعيد لأنه يقدم معلومات قريبة إلى لغتهم اليومية بلغة عربية تجعل خطابه يبدو رسميا وممزوجا بمصطلحات تقنية متداولة في مجال الطب. هذه في الحقيقة هي الوصفة التي يعتمدها الفايد لصناعة خطابه والظهور بصفة الدكتور المختص والخبير في جميع الأمراض.

 

ثانيا: خطاب الفايد يرتكز أساسا على تقنية التناقض البنيوي بتعريف مصطلحات حسب نقيضها في الكلام. هذا يعني أنه يستعمل مصطلحات سلبية تنتقص من قيمة المواطنين الذين ينتقدونه ويعتمد مصطلحات إيجابية تعزز أفكاره التي يقدمها للجمهور. كمثال على ذلك، نجد أنه يصف الآخرين وآراءهم ب "الخزعبلات''، ''البلبلة''، ''التشكيك''، "الضجيج"، "ضوضاء''، "السخافة''، ''الشعوذة''، "كلام فارغ''، ''اندفاع''، ''عاطفة''، ''عقلية متحجرة''، ''التهور''، ''نفايات النصائح".

 

هذه الكلمات بعيدة كل البعد عن الخطاب العلمي والنقاش الموضوعي الذي يفترض أن يتحلى به أي دكتور. لذلك فالهدف من توظيف الفايد لهذه الكلمات هو تصنيف كل من يعارضه وينتقده في خانة ''الشر''، في حين يصنف نفسه ومن يتبعه في خانة ''الخير"، وذلك باعتماد جمل ومصطلحات من قبيل: "رحمة''، "علم"، ''نصائح''، الآذان يسمع في دول غربية''، ''شعوب رحيمة وطيبة''، ''أولي الألباب''، "التضامن والتراحم".

 

عندما يسمع الناس المتتبعين لخطابه هذه المصطلحات يصنفون أنفسهم مع ''الأخيار'' وضد الأشخاص ''الأشرار'' الذين يصفهم الفايد بأنهم ''تيار'' دون حتى أن يتعرفوا لا على أفكارهم ولا حتى على آرائهم في الموضوع. هذا ما يصفه الباحث فان دايك (1998) بـ ''التربيع الإديولوجي''. أي أن المستمع لخطابات الفايد يجد نفسه وسط مربع إيديولوجي رسمه الفايد ولا يفكر خارجه. وهذا ما يفسر ما لاحظناه في وسائل التواصل الاجتماعي من سب وشتم وتكفير من محبي ومتابعي الفايد يتعرض له كل من ينتقده.

 

جدير بالذكر أن الفايد هنا يستفيد من هذا التصنيف لتمرير إيديولوجيته في كون أن الطب الحديث هو من صُنع بلاد الغرب ''الكافر'' وأن التداوي بوصفاته التي يقدمها هي من صُنع بلاد المسلمين وهي الأصل. وهذا يدل على أن الفايد بعيد كل البعد عن البحث العلمي الذي ينطلق من مشكلات وأسئلة بحثية وفرضيات ومنهج علمي دقيق. إنه يفكر عكس ذلك تماما حيث ينطلق مما يعتبره مسلمات في القرآن والسنة ويبحث عن وسيلة أو أخرى لإثباتها. بل الأكثر من ذلك فهو يعتبرها معركة لنشر الإسلام في بلدان ''الكفر'' حيث أنه لا يتردد في استعمال كلمات ''سلاح العلم'' و''سلاح العمل" في وصف ما يقوم به.

 

ثالثا: ما يجعل المتابعين للفايد يدافعون عنه بشراسة هو تحدثه بصفة الجماعة وغياب الحس النقدي واليقظة عند متابعيه خلال التوصل بمعلوماته المجردة وغير المضبوطة. الخاصية المهيمنة على خطاب الفايد هو اعتماده ضمير الجماعة في الكلمات التي يستعمل.

 

نجد في جميع فيديوهاته كلمات مثل: ''نحن لا نكذب''، ''يعملون معنا''، ''سنكون''، ''سنتوسع''، ''نحن درسنا هذه الأشياء''، ''حددنا علاج''، ''هذا لا يهمنا''. كل هذه الكلمات تحتوي على نون الجماعة أو ضمير الجمع.

 

هذه الخاصية في خطاب الفايد تجعله يقدم أفكاره على أنها أفكارنا نحن، أي أفكار كل من يستمع إليه وهذا ما يخلق في تصور متتبعيه فكرة أن ''الآخر'' المختلف عن معتقداتنا يعارضنا. فعندما يقول الفايد ''نحن لا نكذب'' في محاولة للرد على انتقادات المواطنين، فإنه يعتبر كل من ينتقده كاذب ويتحدث باسم متابعيه ومحبيه ويدفعهم لتبني الموقف نفسه.

 

من جهة أخرى، المعلومات التي يقدمها الفايد تبقى مجردة وغير مضبوطة. على سبيل المثال حين يقدم معطيات عن المصابين بفيروس كورونا يقول: ''الحالات غير المسجلة كثيرة''، ''الحالات التي تعالجت لوحدها هي أكثر وأضخم''. ما هو العدد الذي يقصد الفايد بكثيرة وضخمة؟ هل كثيرة هي 100 أو عشرين ألف؟

 

هذا يدل على أن هذه المعطيات غير دقيقة وليست علمية، وأن الهدف منها هو إثبات إيديولوجيته عندما يتحدث عن كورونا ليقنعنا بأهمية إتباع نظامه الغذائي. أي أنه يحاول تضليل الناس بأن المعلومات المغلوطة حول التغذية التي كان يرددها على مسامع المغاربة منذ سنوات هي التي قضت على الفيروس وأن حالات الشفاء غير الرسمية كثيرة.

 

وعندما يقول الفايد بأن "أطباء كثيرون'' يقدمون النصائح نفسها في التغذية في الدول العربية، وبأن "أطباء في فرنسا'' يستعملون نصائحه، فما هو عدد هؤلاء الأطباء وما هي أسماؤهم؟ الشيء الوحيد الذي يذكره بالاسم في خطاباته هو اسمه الشخصي مقرون بكلمة "دكتور'' التي كان من الممكن تعويضها بـ ''مختص" أو "باحث" أو ''خبير'' في التغذية. لكنه يريد تضليلنا بكلمة ''دكتور'' المستقاة من المعجم الطبي بغية إضفاء الشرعية على المعلومات المغلوطة التي يقدم لعموم المواطنين ويقدمها على أنها معلومات طبية وصحية.

 

رابعا: نؤكد على أن هذه الاختيارات المعجمية التي تميز خطاب الفايد وتساهم في إخفاء إديولوجيته الأصولية التي لا تعترف بالتطور والبحث العلمي الرصين تدعمها الاختيارات على مستوى الصورة في فيديوهاته التي ينشر.

 

فبعد أن كان الفايد يظهر في بداياته بجلباب في فيديوهات قديمة، ها هو الآن  يظهر في حلة جديدة ببدلة رسمية وربطة عنق تعطيه مزيدا من السلطة على متابعيه. إذا كان الفايد يؤكد مرارا وتكرارا في خطاباته على أنه ''دكتور'' و''باحث'' و''مخترع'' و''مبتكر''، و''صاحب مختبر''، فلماذا لا يظهر وهو يرتدي بدلة بيضاء كباقي الباحثين والأطباء، أو يخاطبنا من داخل مختبره؟ لا أبدا، الفايد يفضل أن يظهر علينا بلباس رسمي وخلفه الكتب في خزانة يحاول أن يقنعنا من خلال تصويرها في الخلفية بأنه قارئ وعالم.

 

كان يجب على متتبعيه ومحبيه أن ينظروا فقط بعين ناقدة إلى تلك المكتبة ونوعية كتبها وكيف يرتب الكتب عليها. إنه يضع في الرفوف الفوقية الكتب الدينية مثل كتاب السيرة والفقه ''زاد المعاد في هدي خير العباد''، أما الكتب الأخرى فيضعها في الأسفل في مرتبة دونية. إذا كانت هذه هي مراجعه العلمية، فالمفارقة أنه يدعي أن نظامه الغذائي عالج فيروس كورونا المستجد الذي لا يزال لغزا حير العالم.

 

ختاما: هذه الاختيارات على مستوى الصورة تعكس نظرة الفايد الدونية للبحث العلمي على حساب المعتقدات الدينية وتعزز هذه الإيديولوجية المخفية في اختياراته اللغوية. هذه الإيديولوجية نفسها هي التي تدفع محبيه ومتابعيه إلى مهاجمة كل شخص ينتقد خطاباته. ولابد أن نشير أن الفايد الذي يشتكي من ما يسميه ''الحصار الإعلامي'' كانت معظم الجرائد الالكترونية مفتوحة في وجهه وحتى الإذاعات الوطنية ومنابر المساجد.

 

لذلك يبدو أن خطابه في البداية كان يتماشى مع سياسات الحكومات السابقة في الإجهاز على الحق في التطبيب ومع الوضع الصحي الكارثي الذي عاشه قطاع الصحة. يكفي أن يأخذ المواطن وصفة الفايد الجاهزة لكل الأمراض دون الذهاب للمستشفى أو البحث عن طبيب.

 

ومن خلال ملاحظتنا لمجموعة من الفيديوهات في وسائل الإعلام الإلكترونية، وكذلك وتيرة نشر الفايد للفيديوهات على قناته في اليوتوب نعتقد أنه لا يشتغل وحده، حيث يصل معدل النشر إلى 3 أو 4 فيديوهات في اليوم وهو ما يتطلب جهدا كبيرا. يبدو أن هناك فريق عمل يشتغل معه في التصوير والنشر، كما أن عدد من المواقع الالكترونية ما زالت تدافع عنه وعن أفكاره بقوة و تقلل من قيمة أفكار الأطباء وعموم المواطنين الذين ينتقدونه.

 

ويمكن تفسير ذلك بأن الإيديولوجية ''الأصولية'' في خطاب الفايد تتماشى مع المرجعية الإيديولوجية لجماعة أو جماعات إسلاموية في المغرب تستغل الدين في السياسة. ولا يبدو أن هذه الجماعات ومنابرها الإعلامية ستتوقف عن دعم الفايد نظرا لخطاباته التي شكل خطرا على صحة المواطن مادام يساهم خطابه في توطيد وشرعنة إديولوجيتها السياسية داخل المجتمع المغربي عند عموم المواطنين والمواطنات.

 

- أسامة الراقي، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي