السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد حضراني: كورونا تضع فرضيتين أمام احتمال انعقاد دورات ماي الجماعية من عدمها

أحمد حضراني: كورونا تضع فرضيتين أمام احتمال انعقاد دورات ماي  الجماعية من عدمها أحمد حضراني

لا بد من التذكير في البداية بمقتضيات المادة 33 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، والتي تنص على عقد المجالس الجماعة وجوبا جلساتها أثناء ثلاث دورات عادية في السنة خلال أشهر فبراير وماي وأكتوبر، وذلك  في الأسبوع الأول من الشهر المحدد لعقد الدورة العادية. وفي حالتنا هاته فالمجالس المذكورة مطالبة بعقد دوراتها بعد  مرور 10 أيام من اليوم. وهاته المدة هي التي ترسم أجل إخبار الرئيس لأعضاء المجلس بتاريخ وساعة ومكان انعقاد الدورة بواسطة إشعار مكتوب ،يوجه إليهم عشرة (10) أيام على الأقل قبل تاريخ انعقاد الدورة في العنوان المصرح به لدى المجلس المعني تبعا لأحكام المادة 35 من القانون المذكور، بينما المادة 38  منه فترسم أجلا آخر، مندرج كذلك في الأعمال التحضيرية لعقد الدورات، ذلك  أن جدول أعمالها (المعد  من لدن رئيس المجلس، بتعاون مع أعضاء المكتب)، ينبغي أن يبلغ إلى عامل العمالة أو الإقليم عشرين (20) يوما على الأقل قبل تاريخ انعقاد الدورة. وتبعا لذلك ،وإذا لم يحترم هذا الجانب المسطري (الآجال من النظام العام) تعد الدورة فاقدة للشرعية.

 

ويبدو أن رؤساء هاته المجالس (الأغلب الأعم) يكونوا قد باشروا هاته المسطرة، لكنهم في وضعية انتظار قرار الحسم  بواسطة سلطة الوصاية  للبت في التئام المجالس التداولية  من عدمه في ظل  الحجر الصحي  الذي يعيشه عالم اليوم والحاضر؛ بسبب جائحة "كورونا 19" الذي حتم على المغرب اللجوء إلى حالة الطوارئ في 19 مارس 2020، وما استتبعها من فرض حظر لصحي في الفترة الفاصلة بين  20 مارس 2020 و20 أبريل 2020 (وتم تمديده لشهر آخر كما هو معلوم).

 

وبصرف النظر عن الجدل الدستوري الذي أثارته التشريعات الصادرة خلال هاته الفترة ، والملاحظات الشكلية المثارة في هذا الصدد .فماذا عن جلسات المجالس التداولية القادمة للجماعات القاعدية؟

 

الفرضية الأولى: تأجيل دورة ماي

لقد  نصت  المادة السادسة  من مرسوم بقانون في  23 مارس 2020  يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية على مسألة الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية خلال فترة الطوارئ بتوقيف وسريان مفعولها الى غاية اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ (أي بعد 20 ماي القادم). وإذا شرع في مباشرة انعقاد الدورات المؤجلة مثلا، فيجب احتساب 20 يوما آخر (أي أن احتمالية عقدها سيكون في أواسط شهر يونيو)، تم إن المدن الكبرى تتوفر على  عدد كبير من الأعضاء، وإذا احترمت المسافة لتجنب أي احتمال بالإصابة بالعدوى فهل  هناك من قاعة  في جماعة ما مهيأة لذلك؟ فضلا عن مدى توفر الشروط الصحية ومدى جدوائية النقط المثارة؟ كما أنه لا يمكن الاقتصار  على بعض الأعضاء قدوة بالبرلمان (رؤساء الفرق والمجموعات) أو رؤساء اللوائح أثناء الترشيحات، فهي غير قابلة للتعميم،لأسباب عديدة. منها ما يلي:

 ـ إن للجماعات  خصوصيات (ترشيحات ونخب محلية أو أعيان، مجال جغرافي محدود...)، وتبعا لذلك  فإن تحالفات الأغلبية (الهجينة) على المستوى الوطني غير ملزمة ومطابقة لتلك السائدة على المستوى المحلي.

ـ هناك جماعات لا يتجاوز عدد سكانها  35 ألف نسمة (وهي الكثيرة عددا) لا تعتمد في ترشيحات أعضاء مجالسها على نمط الاقتراع اللائحي (لا وجود لرؤساء اللوائح)، بل تعتمد على نمط الاقتراع الأحادي الإسمي، فليس من ثمة من إمكانية للإنابة أو التمثيلية أو التفويض (الفصل 60 من الدستور)، وبلغة جامعة مانعة، فالتصويت حق شخصي وواجب وطني (الفصل 30 من الدستور)، وما هو إلكتروني أغفله المشرع.

 

الفرضية الثانية: انعقاد دورة ماي

فباستثناء الإكراه الصحي لهذا الوباء اللعين -كورونا 19- فليس هناك ما يمنع من انعقاد المجالس  التداولية للجماعات في ظل حالة الطوارئ، لا لسبب إلا لإعطاء الانطباع أو التعبير عن الإرادة في استمرار المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، وتواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة (السطران الأول والثاني من تصدير الدستور)، والخيار الديمقراطي كرس في مقتضيات دستورية أخرى: فنظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية. وقائم على الديمقراطية المواطنة والتشاركية، كما تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، منها الاختيار الديمقراطي (الفصل الأول )، والتي هي من مشمولات الحظر الدستوري، أي غير قابلة للمراجعة  والتعديل (الفصل 175). ومن عناصر أو آليات هذا الاختيار هو المؤسسات السياسية المنتخبة (الفصل السادس)، وهو ما تمثله الجماعات الترابية المجسدة للامركزية بالمغرب (الفصل الثاني )، المرتكزة على مبادئ التدبير الحر (الفصل 136) من خلال تسيير شؤونها بكيفية ديمقراطية (الفصل 135) والمختزلة في حرية التداول، وكذا تنفيذ رؤساء مجالس الجماعات الترابية لمداولاتها ومقرراتها (الفصل 138). فهاته الشحنة والحمولة الدستورية المؤطرة للجماعات الترابية، وتلك القاعدية (الجماعات الحضرية والقروية) سابقا، من المفترض، كمؤسسات ديمقراطية غير قابلة للتعطيل، مع استحضار أن الجماعات المحلية ظلت تشتغل في حالة الاستثناء بالمغرب سنة 1965. وإذ أن التقائية التدخلات والمقاربة التشاركية تقتضي تعبئة كل الجهود لمواجهة هذا الوباء؛ من أجل إرساء دعائم مجتمع متضامن (التصدير الدستوري)، والذي ينبغي أن تعكسه المؤسسات التمثيلية طبقا لنفس القواعد التشريعية السامية التي طوقت الجماعات الترابية بمبادئ التعاون والتضامن (الفصل 136) عبر التعاضد في الوسائل والبرامج (الفصل 144).

 

وبصرف النظر عن هاته المبادئ والمقتضيات الدستورية، فاختصاصات الشرطة الادارية الجماعية من الاختصاصات الذاتية للجماعات، إذ حسب  المادة 100من القانون التنظيمي للجماعات  فرئيس مجلس الجماعة يمارس صلاحيات الشرطة الإدارية  كاتخاذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، واتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الحريق والآفات والفيضانات وجميع الكوارث العمومية الأخرى... مما يبرر مساندة المجالس للآمرين بالصرف في هذا المجال.

 

وإذا كانت جداول  أعمال  الدورة القادمة تصب  ليس فقط في استمرارية  المرفق العام، ولكن من أجل التعاضد في مكافحة هذا الوباء وبكل الوسائل (عديد من المجالس ساهمت بتعويضات أعضائها في صندوق كورونا)، فلا داعي لإلغاء تلك الدورات أو تأجيلها (فالغاية تبرر الوسيلة. ولكن مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة بطبيعة الحال.

 

وختاما فإن التهييء لما بعد –كورونا- يستدعي التفكير فيما يلي:

ـ على مستوى التشريع، فلا بد من الاشارة إلى المقتضى الدستوري الذي يشير إلى تراتبية القواعد القانونية (الفصل 6)، وهو ما يطرح مبدأ توازي الإشكال في النصوص، فإلى أي مدى ستتمادى الدوريات والمناشير في تدبير الاستثناء والطوارئ (دورية محل مرسوم التحويلات) رغم أنه من السهل استصدار هذا الأخير إلخ. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فينبغي تجويد وإقرار نصوص تدعم ما هو إلكتروني سواء في المنظومة العرائضية أو في التصويت... وبما أن للجماعات خصوصيات، كما سبق الذكر، فلماذا تحديد تاريخ انعقاد الدورات بشكل تحكمي، ولا يترك للمجالس حرية تحديد تواريخ عقد دوراتها؟

ـ على مستوى الوسائل المالية: إن هاته المناسبة كافية لتفعيل صندوق التأهيل الاجتماعي، وكذا صندوق التضامن بين الجهات(الفصل 142)، وأجرأة الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعات الترابية، وليس نقل الاختصاصات بشكل معكوس.

ـ بخصوص ما هو تنظيمي، وبما أن الوالي من أوتاد اللاتمركز الاداري في علاقته بالجهات والعمال بالنسبة للعمالات والأقاليم والجماعات، فهاته فرصة لتفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري بالتفويض لهم، وحسب سلطاتهم التقديرية، وبناء على عناصر موضوعية، في الاستجابة لعقد دورات المجالس الجماعية (والتي تضم حوالي 30663 منتخب ومنتخبة) من عدمها أو تأجيلها. ولم لا في تدبير زمن الحجر الصحي.

 

- أحمد حضراني، رئيس مركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية