الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبدالالاه حبيبي : من جبروت الوباء إلى بؤس الخطاب.. نحن والفيروس في محك التاريخ...

عبدالالاه حبيبي : من جبروت الوباء إلى بؤس الخطاب.. نحن والفيروس في محك التاريخ... عبدالالاه حبيبي
يستمر الوضع متثاقلا، ليس هناك في الأفق أي حل عملي، العالم يجهل مستقبل الوباء... لا أريد الكتابة في هذا الموضوع، لقد بدا  الخناق يضيق علينا، في كل يوم تزداد النسب، وتظهر بؤر جديدة، يتمركز اغلبها في الوحدات الصناعية التي تشغل الفتيات، حالات الشفاء لا تتوقف، حالات الوفاة بدورها تتسع، لكن ما يقبض الأنفاس، ويمنع الرؤيا الواضحة هو إلى متى، أي هل هناك نهاية لهذا  الكابوس المفاجئ، حتى أمس كنا في مأمن، نمارس حياتنا في يسر واعتدال، لكن سرعان ما اقتحم طمأنينتنا هذا الوباء اللعين، وبدأ يصطاد منا الأكثر هشاشة و الأكثر عرضة للمرض بالعلل العابرة...تغير كل شيء، اهتز الشعور بالأمن، البوصلة التي اعتدنا السير وفقها اضطربت عقاربها، امتلأت الأجواء بأصوات تحثنا على استهلاك نفس الإيديولوجيات، البائدة منها، والأكثر تزمتا تلك التي تريد إبقاءنا في أوهامنا مسجونين إلى الأبد.. لا يهمني هذا النقاش الآن... ما يزعجني هو غياب المتابعة العلمية للوباء، وحضور الجدل الوبائي البوليميكي العقيم، اختفاء العلماء والأطباء وبروز الخطابات الشعبوية التي لا يمكن أن توقف حتى زحف الجراد المرئي بالعين فأحرى أن تشفي من كائن مجهري معدل في مختبرات البحث الفيروسي في شتى بقاع الأرض..لهذا لا توجد شهية لملء الرأس بهكذا جدالات، سيأتي وقت الحسم مع كل الأمراض التي تعرقل تقدمنا، وتشل فعاليتنا، لكن الآن نحن في حاجة إلى نقاش يتبارى فيه الجميع، نقاش علمي، تخصصي، واجتماعي وإعلامي، يخصص لاستقطاب اهتمام الناس، والرفع من وعيهم الطبي والصحي، وتأطير المجتمع ككل بالخطاب العالِم، إلى جانب الخطابات التي لها علاقة بالمجتمع والوباء، وتلك التي تفكر في الوضعية النفسية في ظل الحجر الصحي، حتى نرفع من قدراتنا المعنوية، ومن وعينا بخطورة ما نواجهه من مصاعب وتحديات صحية لا سابق لنا  لها، وإلا سننزلق مرة أخرى إلى استهلاك المستجدات المسائية التي تعطي حصيلة الوباء، لتتلوها الأخبار العادية دون تحليل أو نقاش، أو تقييم للاستراتيجيات المعتمدة ومدى ملاءمتها ونجاعتها وقدرتها على تحقيق السيطرة العملية على الوباء..
المرحلة موعد مهم مع التاريخ، مع الحقيقة، مع الوضع الاجتماعي، مع الأسئلة الحارقة التي طالما تم تأجيلها، الخيارات التي تم نهجها، السياسات التي تم اعتمادها، أي نحن في صلب الإشكالات التي يلزم التصدي لها، النظر فيها مليا، نحن أمام المرآة والعالم حولنا يحاول الانتصار على الوباء، حيث ظهر فجأة أننا لا نمتلك بحثا عليما في مجال الطب، ولا في مجال الوباءات، ولا في مجال الفيروسات، حيث تم توجيه الممارسة الطبية توجيها تجاريا، ليصبح الطب علاقة بين متخصصين وزبائن مصابين بأمراض، وهكذا انتهى بنا المطاف إلى نزع الطابع الإنساني عن العلاقة بين الطب والإنسان، واحللنا محلها علاقة المهني بالزبون، وانتهى زمن البحث في الأمراض، في المشكلات التي تطرحها بعض الأمراض، وتركنا الأمر للغرب، الذي حافظ على مؤسسات البحث، رغم توجهه الليبرالي، والآن بدأنا نرى أن هناك سلطة طبية عالمة لها مكانتها في المشهد السياسي، ولعل ابرز مثال على ذلك زيارة الرئيس الفرنسي للعالم الفرنسي روول والجلوس معه والانصات إلى كلامه وتسلم أبحاثه التي ملأت الكون ضجيجا، وهكذا سارت الأمور، كل بلد يحرك إمكانياته العلمية، ومؤسساته الجامعية قصد تحقيق السبق في مجال العثور على علاج لهذا الداء الغريب... من هنا أعود لأطرح أسئلة للنقاش الدائر هنا في حلبتنا المجتمعية، ومدى ارتباطها فعلا باللحظة، بالمشكلة، بالتحدي، بالمستقبل... لا أجد ما يبرر أننا نعيش فعلا زمننا، لأن قوى مريضة تحاول دوما تبديد طاقتنا في نقاشات فارغة، وترهات بائدة من المخجل أن يتعرف عليها العالم...