الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد البواري: أفكار ومقترحات للقطيعة مع ما قبل كورونا

أحمد البواري: أفكار ومقترحات للقطيعة مع ما قبل كورونا أحمد البواري

لم يكن أحد يتوقع أنه في يوم ما ستصيب العالم جائحة، ستجبر أكثر من 3 ملايير إنسان على الامتثال للحجر الصحي الذي فرضته جل دول العالم لمحاصرة فيروس كورونا المستجد، الذي أطلق عليه اسم "كوفيد-19" من طرف منظمة الصحة العالمية.

 

قوة هذه الجائحة وسرعة انتقال عدوى الفيروس، لم تترك للدول الكثير من الوقت للتفكير في استراتيجية عالمية موحدة لمواجهة الزحف الرهيب للوباء، حيث أن الإصابات وعدد الوفيات، ومنذ الإعلان عن اكتشاف الفيروس في مقاطعة ووهان الصينية، لم تقف عن التزايد المضطرد.

 

ولم تمض أكثر من 3 أشهر على اكتشاف الفيروس، حتى انتقلت بؤر الوباء تدريجيا من أسيا إلى أوروبا (إيطاليا واسبانيا وفرنسا) وبعدها أمريكا، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد حاليا أكبر بؤرة للوباء في العالم.

 

المغرب، وبرؤية استباقية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، كان من الدول السباقة التي اتخذت تدابير جذرية منذ الإعلان عن أول حالة إصابة بجائحة كورونا بالمغرب. وهكذا، أصدرت الدولة عدة قرارات جريئة، انطلقت بمنع التجمعات البشرية لأكثر من 50 شخصا وإغلاق الحدود الجوية والبحرية والجوية للحيلولة دون توافد حالات جديدة لمرضى جدد من خارج الوطن وانتهت بفرض الحجر الصحي واجبارية حمل الكمامات في الفضاء العمومي على جميع المواطنين.

 

وبالموازاة مع هذه الإجراءات الاحترازية، فطن المغرب إلى أن هذا الوباء سيكون له آثار وتبعات سلبية على المستوين الاقتصادي والاجتماعي. ولهذا وجب اتخاذ قرارات احترازية للتعامل مع هذه التبعات وتمكينهما من العودة للحالة العادية ما بعد الوباء. لذلك قرر صاحب الجلالة خلق صندوق وطني لمواجهة آثار جائحة كورونا أطلق عليه “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد-19”، خصصت له الحكومة اعتمادات أداء بقيمة 10 مليارات درهم. كما تم فتح امكانية المساهمة فيه للفاعلين الاقتصاديين والمؤسساتيين وكذا المواطنين كل حسب قدرته وبشكل تطوعي. وقد أعطى جلالة الملك حفظه الله المثال بمساهمته بمبلغ 2 مليار درهم من ماله الخاص.

 

وعلى خطى جلالته، قرر الكثير من الفاعلين الاقتصاديين والمؤسساتيين، وكذا المواطنين المساهمة في الصندوق، الذي سيخصص أساسا للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات التي يتعين اقتناؤها باستعجال. كما سيسهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الأكثر تأثرا بتداعيات فيروس كورونا والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة.

 

بالمقابل، فالحجر الصحي وإغلاق الحدود فتحا أعين العالم على حقيقة، مفادها أن كل دولة لابد لها أن تنتج ما هي بحاجة اليه وأن الاقتصاد المعولم التكاملي، رغم أهميته بل ووجوبيته، لا يمكن أن يستجيب لحاجيات الدول في ظروف كالتي فرضها الحجر الصحي. وما وقع لإيطاليا مع جيرانها في الاتحاد الأوروبي الا مثالا لما أوردناه.

 

وفي المغرب، فمع تطور الأزمة، لم يكن أمامه الا الاعتماد على ابناءه لتزويد المواطنين بالكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة ومواد التعقيم. وكم نحن فخورون بالكوادر المغربية التي تسابقت في جميع انحاء المغرب لتقديم ابتكارات عديدة في المجال الصحي، خاصة أنواع الكمامات وممرات التعقيم وأجهزة التنفس الاصطناعي. وهذه المجهودات تبين أن للمهندس المغربي نصيب ودور كبير في تدبير الأزمة وسيكون له دور محوري فيما بعدها.

 

ومن حسنات الحجر الصحي كذلك، أن المغاربة أعطوا لأنفسهم الوقت لفتح نقاشات عمومية حول الداء وتقديم الحلول إبان الأزمة ولما بعد كورونا. وحاليا، لا يمر يوم دون أن نتابع محاضرات وندوات حول الموضوع.

 

وحزب التجمع الوطني للأحرار، كان السباق من بين كل الأحزاب المغربية التي اقترحت منصة الكترونية تفاعلية خاصة، مفتوحة لجميع المواطنين، للإدلاء بآرائهم واقتراحاتكم لمرحلة ما بعد كورونا. وتدخل هذه المبادرة في إطار سياسته لمواصلة دينامية التشاور عبر الإنصات لكل الأصوات، للمساهمة في إثراء النقاش العمومي الحر والمسؤول، الذي يعتبر مدخلا أساسيا للتغيير المنشود.

 

وأتشرف كمهندس مغربي، اختار الانتماء لحزب التجمع الوطني للأحرار، أن أساهم في هذه المنصة التفاعلية التي تظهر مدى الانصات الذي ينهجه الحزب لإشراك المواطنين في تسطير السياسات العمومية التي يتوخون من خلالها تحسين معيشهم اليومي داخل مجتمع منتج ومتضامن.

 

وكفاعل مهني واجتماعي، أود ان أشارك في المنصة بعدد من الاقتراحات والأفكار التي قد تساهم في بلورة استراتيجيات جديدة في كل الميادين لتمكين بلادنا من مواجهة مثل هذه الظرفية في المستقبل.  وتتجلى في:

 

- تحقيق العدالة الاجتماعية، طبقا لما أقرته الأمم المتحدة، عبر التوزيع العادل للموارد والأعباء من خلال مراجعة نظم الأجور والدعم ودعم الخدمات العمومية، وبالذات الخدمات الصحية والتعليمية،

- إصلاح النظام الضريبي بتوزيع الأعباء الضريبية على كافة شرائح المجتمع دون تمييز،

- استبدال الدعم عبر صندوق المقاصة لبعض المنتجات والخدمات، بسن دعم شهري للأسر المعوزة بالاعتماد على السجل الوطني،

- وضع آليات وميكانيزمات لتفجير طاقات الشباب المبتكرة من خلال برامج تتبع للطلبة بمختلف الجامعات والمعاهد،

- إعادة النظر في فلسفة العمل عبر فتح الباب للعمل عن بعد لما لهذا النوع من العمل من توفير الوقت والمال،

- الرفع من ميزانية البحث والابتكار على مستوى معاهد تكوين المهندسين،

- إحداث معهد خاص بتطوير الابتكارات، ومد يد العون للمخترعين، والذي يمكن تسميته بدار المخترع،

تشجيع الاستثمار في الصناعات، كتوفير الوعاء العقاري وتسهيل التمويل والمواكبة،

- العمل على ترجيح كفة الميزان التجاري والتخفيف من عبء الواردات، خاصة المواد التي يمكن للمغرب إنتاجها وتصنيعها محليا مع تشجيع استهلاك المنتوج الوطني،

- العمل على الرفع من جودة المنتوج الوطني وجعله أكثر تنافسية على غرار المنتوجات الفلاحية والمجالية،

- تشجيع عودة الكفاءات من الخارج وتوفير الظروف المناسبة لتمكينها من المساهمة في بناء اقتصاد وطني متين ومراجعة سياسة الأجور لتكون حافزا لهؤلاء للعمل في وطنهم وتنميته،

- الرفع من ميزانية الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد لتمكين المقاولات للعودة سريعا لوتيرتها العادية، ولما لا تسريعها لتكتسب مناعة أكثر للتصدي لكل طارئ،

- إحداث مرصد وطني لتدبير المخاطر،

- توفير الأمن التعاقدي والقانوني اللازمين للنهوض بكل مشروع استثماري.

 

- أحمد البواري، رئيس هيئة المهندسين التجمعيين

 

(المصدر: منصة maba3d-corona)