الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المتوكل الساحلي :عندما يتحدث العالم والطبيب المختص فليصمت السَّبَهْلَلة

مصطفى المتوكل الساحلي :عندما يتحدث العالم والطبيب المختص فليصمت السَّبَهْلَلة مصطفى المتوكل الساحلي
السَّبَهْلَلة في أمور الدنيا والدين..
قال عمر بن الخطاب (ض) : "إني لأكره أن أرى أحدكم سَبَهْلَلاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة".
السَّبَهْلَلُ : الرجل الفارغ
وقيل جاء الرجلُ يمشي سَبَهْلَلاً إِذا جاء وذهب في غير شيء.
السَّبَهْلَلُ : الأَمْرُ أَو الشيء لا ثمرة فيه.
إن حديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، يعتبر أول أمر جاء به الوحي، ومدخله القراءة والتعلم، إلا أننا ونحن على بعد 1441 سنة هج نجد أنفسنا مساءلين على إضاعة أمتنا اتجاهها بممارساتها وسياساتها، ذلك أننا على نقيض النص الذي اعتمدته حضارات سابقة بصيغ مختلفة ترجع لمئات السنين قبل ميلاد عيسى عليه السلام، فلا إبداعات واختراعات علمائنا استفدنا منها وطورناها، ولا وفاء غرسناه في ثقافتنا لهم بل تم تجاهلهم وتشويه وإقبار ومنع عطاءات العديد من الأحياء منهم نوابغ ونابغات ضيقت عليهم السبل حتى يئس البعض واعتزل كل شيء، وهاجر الآلاف منهم فأصبحوا أعلاما في بلدان الاستقبال، لنتسابق بسذاجة للاعتراف بهم والافتخار بأنهم من بلداننا ..
والأخطر أن أمة إقرأ، وطلب العلم فريضة، يوصل للمكانة الرفيعة المخصصة لأهل العلم، أصبحت حاضنة للأمية والجهل والتخلف والشعوذة والفكر الخرافي، وبطبيعة الحال بتأطير من بعض المتطاولين على حقل الوعظ والحكايات المغلفة بالخزعبلات و"الموضوع " من الروايات والافتراء على العلم، فاستغلوا وأحدثوا قنوات فضائية، وفتح واختراق منابر بمساجد وقاعات مع صناعة إعلام للترويج للجهل والفهم المعطل للإجتهاد والعقل والعلم، ولنشر الفتنة في الأمة وفي الدين لمواجهة التقدم والوعي والتنوير والديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون والمعرفة.
إن بعض المتبجحين بما يسمونه تعسفا بالزمن الجميل أي البساطة البدائية في العيش والسكن والملبس والمأكل والمشرب والتخلف العلمي والمعرفي مع طغيان التسلط والتسيب والعصبية المفرقة لوحدة الشعوب، يتجاهلون ويلعنون ويشككون في حضارات ومنجزات الغرب الذين أصبحوا يتحكمون في مصائر الغافلين والمنغلقين، حتى صدق عليهم حديث: "لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم "، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: (فمَنْ؟) البخاري .
وبطبيعة الحال سنن من كان قبل نزول الرسالة المحمدية من معتقدات تشمل ما يعرف بالإسرائيليات والتحريفات وحتى المعتقدات المختلفة المليئة بالخرافة والأساطير التي تمتد إلى الحضارات القديمة ومنها البابلية والسومرية.
إن هؤلاء يتجنبون ويستصغرون علوم من كان قبلنا، واجتهادات وإبداعات من جاء بعد الرسالة المحمدية، وما بلغته أمم معاصرة لنا من رقي وتقدم علمي ليجعلوا بلدانهم مستقرا ومقاما لعلماء الهندسة والفلك والرياضيات والطب والفيزياء من كل دول العالم الثالث والمتخلف، بل وحتى ملجأ للتكفيريين والمنظرين للإرهاب والذين تسببوا في كوارث إنسانية واقتصادية وفكرية عطلت وأصابت المسارات الحقيقية للتقدم بإعاقة نتمنى أن لاتكون مستدامة، وفعلوا في دول أمتنا ما عجز الاستعمار المباشر عن عمله.
إن المعادلة التي يختلف عليها عاقلان : عندما يتحدث الديمقراطي فليصمت الديكتاتوري والظالم، وعندما يتحدث الطبيب والمختص في علوم التطبيب الحقة فليصمت المتطفلون والمنتحلون لصفة ومهنة الطب، وعندما يتحدث المؤمنون بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية والكرامة، فليسكت الذين يجعلون الفقر والفقراء مطية سياسوية للتحكم بتوظيفهم السيئ للإحسان والتضامن والتكافل.
فكم من محسوب على الإسلام تكلم و"أفتى" وتسبب في فتنة وحرب بين الأسر وشعوب وسكان أوطان، ومدح وحث على القتل والفتك والذبح وسبي النساء والأطفال واستعباد الناس حتى في زماننا هذا وأهدر دماء المخالفين له، وكم من واحد ألقى بالناس إلى التهلكة بإدعاء شفاء أمراض مختلفة بما فيها المستعصية بالرقية وخلطات لوصفات غريبة؟!
لا مختبر ولا بحث علمي أقرها ولا قبل بها؟! وكم من عالم من أقوامنا وبالعالم عبر التاريخ أحيـى الناس جميعا بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الجنس واللون، ذلك لأنهم لم يتكلموا حتى بحثوا واجتهدوا وأجروا اختبارات وتجارب وتأكدوا من سلامة ونجاعة ما وصلوا إليه من اكتشاف الأدوية والأمصال فيسروا محاربة الأوبئة التي كانت تقتل من البشرية عشرات الآلاف وحتى الملايين، وأبدعوا في صنع الآلات الطبية المختلفة للمساعدة في شفاء مختلف الأمراض التي أخرست ألسنة البعض واضطرت البعض الآخر للسعي والسفر إلى مستشفيات أوروبا التي وجهوا إليها هجمات من السباب والتحريض بنزعة تكفيرية ترهيبية، إلا أن البعض مازال متشبثا بترهاته وعناده كالذي قال : "عنزة ولو طارت".
إن السَبَهْلَلة في الطب والعلوم الحقة وفي المعرفة والسياسة تحتاج لتشريعات جديدة لمنعها من الانتشار لأنها من الأوبئة التي تلوث الفكر وتعطل و تخرب العقول الضرورية لبناء الحضارات وامتلاك ناصية المعرفة والعلم، وهذه المهمة من مسؤوليات الحكام والقوى الحية النيرة لوضع حد لانتشار التضليل والدجل والجهل والشعوذة بكل التمظهرات والأنواع.
يقول تعالى : (‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏) ‏المجادلة‏، إن الرفعة المذكورة في الآية والتي يختص بها الله الذين أوتوا العلم من المؤكد أن السبهللة ليسوا منهم .