الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

لحسن العسبي: كورونا وتسريع ولوجنا المغربي النهائي للقرن 21

لحسن العسبي: كورونا وتسريع ولوجنا المغربي النهائي للقرن 21 لحسن العسبي
* ما الذي ربحه المغرب والمغاربة من جائحة كورونا؟ وما الذي يمكن استخلاصه من مرور شهر على فرض حالة الطوارئ الصحية؟.
- سيكون من المتسرع إصدار أحكام قطعية نهائية الآن، لكن تمة ملامح لمسارات تشكل علامات طريق لقراءة المستقبل. بالتالي، ما يمكن الجزم به اليوم، ونحن نكمل شهرا من الحجر الصحي وطنيا بالمغرب، هو أن مغربا جديدا قد ولد بشكل لا رجعة فيه. عنوانه الأكبر إعادة تجديد بطاريات الوعي الوطني أفقيا وعموديا، في الدولة وفي المجتمع. كما لو أننا نعيد إحياء روح مغاربة 20 غشت 1953، لكن بشروط وتحديات أخرى مختلفة. ويكاد الأمر يكرر ذات التجربة التي حكمت دوما تاريخنا الوطني منذ قرون، حيث تشكلت هويتنا القومية الوطنية دوما أثناء مواجهة خطر خارجي (إما قادم من مجاهل البحر والمحيط من الشمال الأروبي المسيحي، وإما قادم من الشرق الفاطمي والعثماني). هذه خلاصة مهمة لا بد من حسن قراءتها والتوقف عندها.
* ألم توضع عمليا اليوم خطاطة النموذج التنموي المنشود؟
- ربما شاء القدر أن يجعلنا نواجه امتحان جائحة عالمية، سيؤرخ بما قبلها وما بعدها في ذاكرة البشرية كلها، ونحن نحاول مؤسساتيا طرح سؤال "النموذج التنموي الجديد". فالأمر هنا أشبه بهدية مثالية للتجريب الملموس في الواقع الملموس، لما يجب فعليا أن نعطيه الأولوية اليوم وغدا في سؤال مشروعنا الوطني للتنمية الجديد. وهنا ربما لم نفاجئ أن نعيد اكتشاف أننا بلد فقير على مستوى العديد من موارده الطبيعية الحاسمة في كل تحد للتنمية، لكننا اكتشفنا فعليا أنه غني جدا بإرادته في التحدي والبناء، وربحنا معنى لعقل الدولة يفكر بأفق استراتيجي، هادئ وصريح مع ذاته. ذلك العقل (الذي يعتبر الرأسمال الأساسي في معنى الدول الأصيلة)، الذي كان الجميع في حاجة لتحد هائل مثل جائحة كورونا لاكتشافه ولبروزه أيضا. في مقابل ربح وعي عمومي مديني ملموس لم يتحقق مغربيا أبدا بذات الدرجة من قبل. وهذا مكسب وطني كبير يجب التشبث بالدفاع عنه وحمايته. حيث برزت إبداعات تدبيرية ملموسة وحاسمة بالمتوفر من الإمكانيات، وهذا لعمري هو الإمتحان الذي تنجح فيه دوما الشعوب والمجتمعات التي حين يكون سقف السماء عاريا، لا تعول سوى على قدراتها وذاتها، مما يشحدها للإبتكار للبقاء. وهذا درس كبير تعلمناه.
* ما هي الورشات الكبرى الآنية في بلدنا بعد كورونا؟
- إن الخطاطة الكبرى، لمغرب جائحة كورونا، هي تعزيز 3 قدرات وطنية أساسية:
+ القدرة التكنولوجية الرقمية
+ القدرة الطبية والعلمية والتعليمية
+ القدرة الإنتاجية للثروة الإقتصادية
في الأولى، لا يمكن لأحد أن يتوهم أننا سنصل إلى ما حققته الصين مثلا من استقلال في القرار التكنولوجي عالميا، لكننا نملك أدوات ذاتية صادرة عن تراكم تجربة ذاتية منذ 20 سنة، تسمح لنا أن نكون رائدين في فضائنا الإفريقي والجهوي والمتوسطي. بما يحقق لنا أن نكون فعليا نموذجا ضمن فضاءنا ذاك، في ما يرتبط بالمواءمة بين شروط "البيغ داتا" والإعلاء من ثقافة احترام الحقوق الفردية والجماعية للمغاربة. وهذا ورش هائل كبير دخلناه وجربنا فيه ممكناتنا خلال هذه الأزمة (مشروع تطوير خدمة معرفة المصابين عبر البورتابل المنتظر إطلاقها قريبا غير مسبوقة ضمن فضاءنا الإفريقي والعربي. وأيضا تجربة التعليم عن بعد غنية بالخلاصات التي تقدم لنا مادة ارتكاز لنبني عليها شكلا جديدا للهوية التعليمية الوطنية المغربية).
في الثانية، أدركنا بالملموس اليوم، أن قوة المجتمعات والدول كامن في ما تمتلكه من ثروة بشرية وما هي مسلحة به تلك الثروة البشرية من معرفة. والمعرفة هنا، ليس بالمعنى الكلاسيكي السابق لها، بل المعرفة المحققة للتكامل بين حاجات الإنتاج الوطني وبين نوعية العقل المكون لتطويرها وتوسيعها وحمايتها. هنا الرهان على منظومة التعليم وعلى منظومة الصحة لا رجعة فيه. (هل نحن على أعتاب انعطافة ميجا المغربية بالشكل الذي حققته اليابان منذ أكثر من 100 عام؟).
إن القدرة على تحويل بعض الصناعة الوطنية من مجال إلى مجال حاجات آنية مثل إنتاج الكمامات وأجهزة التنفس الإصطناعي درس كبير يجب أن نعزز نتائجه، بروح أننا في حرب ليس فقط من أجل التعافي من كورونا، بل من أجل التأسيس لمغرب القرن 21 أخيرا ونهائيا.
في الثالثة، برز أن دور الدولة في تدبير الإنتاج حاسم أمام تغول السوق. وهذا توجه عالمي اليوم، برز جليا أن بلدنا منخرطة فيه بدرجات ملموسة فعلية. وهو ما يجب تعزيزه، من خلال الورشة المفتوحة للتفكير في "نموذج تنموي جديد". حيث تملك دولتنا إمكانيات اقتصادية فعلية في مجالات محورية مثل ثروة البحر، ثروة الفلاحة، ثروة الفوسفاط، ثروة الخدمات (النقل الدولي كمثال)، وأنها منخرطة في مشروع طموح للجهوية واضح أننا بلغنا اليوم درجة عالية لتفعيلها بشكل لا رجعة فيها.