الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

جلال الطاهر:الرئيس الأول لمحكمة النقض وإكراهات وباء كورونا

جلال الطاهر:الرئيس الأول لمحكمة النقض وإكراهات وباء كورونا جلال الطاهر
دأب السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للسلطة القضائية، على مواجهة عواقب وباء ((كورونا )) على مستوى العمل القضائي المغربي، وذلك باتخاذ عدة قرارات، منذ النذر الأولي لظهور فيروس كورونا الخبيث ، حيث كان آخر هذه القرارات، المواكبة لتطورات الوباء، الكتاب الذي وجهه بتاريخ 14 أبريل 2020 إلى الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف ورؤساء المحاكم الابتدائية، حيث تضمن الكتاب المذكور على الخصوص ما يلي : ((... الحرص التام على التدبير الأمثل للمرحلة المقبلة، بعد أن يتم الإعلان ببلادنا عن رفع حالة الطوارئ الصحية ، وذلك بالاستعداد الاستباقي لمواجهة جميع التحديات بتعبئة جميع الإمكانات ، وتيسير كل السبل القانونية والإدارية المتاحة، وفق مقاربة تشاركية ، وذلك من أجل أداء الواجب بسلامة وانسيابية وحكامة،وسد أي منفذ للتعثر أو التأخير والتراكم في العمل والخدمات القضائية .
وفي هذا السياق، واستحضاراً للتوجيهات الملكية التي تؤكد على أهمية إصدار الأحكام العادلة داخل آجال معقولة تضمن الحقوق وتصون الحريات وتحقق الأمن القضائي وتكرس الثقة .
فإننا ندعوكم إلى اتخاذ كافة التدابير ليقوم السادة القضاة للإعداد المسبق منذ الآن لمشاريع الأحكام والقرارات .))
وعليه يبدو بوضوح وجلاء المقاصد المتوخاة من كتاب الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ، هذا الكتاب الذي يفهم هدفه من عباراته وألفاظه ومضامينه ومعانيه ، نذكر منها : (( تيسير كل السبل القانونية والإدارية المتاحة وفق مقاربة تشاركية ومكانة ، وذلك من أجل أداء الواجب بسلامة انسيابية وحكامة... )).
إن العبارات الواردة في الكتاب المذكور، لا تترك أي مجال لتخوف من يعتقد أن الكتاب ، هو دعوة لإصدار أحكام بطريقة تمس أو تخل بقواعد المحكمة العادلة ، حيث يعتقد البعض بأن الأحكام ستصدر بعد رفع حالة الطوارئ .... وبغير اعتبار للإجراءات المسطرية في خرق مطلق لحقوق الدفاع ، وهو مجرد ظن ، وبعض الظنإثم...
ولعل ما قد يشوش على البعض ، هو عبارة وردت في الكتاب تضمنت : ((... إننا ندعوكم إلى اتخاذ كافة التدابير ليقوم السادة القضاة بالإعداد المسبق منذ الآن لمشاريع الأحكام والقرارات ...)) بحيث قد يتبادر لهذاالبعض ، أن الأحكام سيتم تحريرها من طرف القضاة خلال فترة الطوارئ الصحية ، دون اعتبار أو مراعاة الضوابط المسطرية، التي يرتكز عليها كل حكم سليم عادل ، الأمر الذي لا يمكن تصوره نظرياً وغير متيسر عملياً، وغير مقبول عقلاً ، لأن اعمال العقلاء منزة عن العبث ، خصوصاً إذا تعلق الأمر بأعلى هيئة قضائية في البلاد ، الموكول لها دستورياً وقانونياً ، مراقبة، وضمان، التطبيق السليم للقانون صوناً للحريات والحقوق.
هذا بالإضافة إلى أن الكتاب ، ذكر مشاريع الأحكام ، وللعلم فالأحكام والقرارات تتكون من أجزاء، فيها ما هو متيسر تحريره وتحضيره حتى قبل مرحلة المداولة ، فالقضايــا الجنائية جزء كبير منها يمكن تحريره بطريقة قبلية، استناداً إلى مراحل المسطرة السابقة، ( محضر الشرطة، مرحلة التحقيق، الغرفة الجنحية ) وتبقى مناقشة القضية الحضورية وتعليل القرار الذي ينطق به في الجلسة بمشاركة كل أطراف الدعوى، والأمر نفسه بالنسبة لقرارات محكمة النقض ، إذ أن كل مقرر يهيئ مشروع القضية المكلف بها حيث ينظر هذا المشروع، في المداولة بالمصادقة أو التغيير أو التعديل...
والأكيد أن غاية كتاب السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، كانت هي التعامل بمسؤولية مع فترة حالة الطوارئ ، والحرص على عدم هدر الزمن القضائي، تحت وطأة استمرار حالة الانفعال السلبي بالأحداث، مما يضاعف من عواقبها، التي لا يمكن تداركها، إلا بالتفاعل الإيجابي معها، وإيجاد الصيغ الملائمة لمواجهة تبعاتها ولو في الحدود الدنيا .
والكتاب لمن يقرأه بشكل إيجابي ، تضمن كذلك دعوة المسؤلين القضائيين على الصعيد الوطني إلى تقديم مقترحاتهم، لمواجهة الوضعية الاستثنائية العامة ، تفعيلاً لمبدأ الشورى والديمقراطية .
وهؤلاء المسؤولون بالضرورة ، سيكون من جملة مصادر اقتراحاتهم ـ مكونات الأسرة القضائية ، وفي مقدمة هذه المكونات، مجالس هيآت المحامين، بغاية المشاركة والمواكبة للاختيارات الصعبة، التي فرضتها حالة الطوارئ ، وكتاب رئيس محكمة النقض ، تضمن ما يؤكد ذلك ((... بالاستعداد الاستباقي ، لمواجهة جميع التحديات بتعبئة جميع الإمكانات وتيسير كل السبل القانونية والإدارية المتاحة ، وفق مقاربة تشاركية ...)).
وفي الأخير ، فإن السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض ، قد أطر كتابه بالتوجيهات الملكية ((... التي تؤكد على أهمية إصدار الأحكام العادلة ، داخل آجال معقولة ، تضمن الحقوق ، وتصون الحريات، وتحقق الأمن القضائي وتكرس الثقة ، فإننا ندعوكم إلى اتخاذ كافة التدابير ليقوم السادة القضاة بالإعداد المسبق منذ الآن لمشاريع الأحكام والقرارات ... وفق الضمانات القانونية الواجبة تداركاً للوقت الضائع )) .
هذه العبارات الأخيرة ، لا تترك أي مجال للشك ، أو التشكك في مضمون الكتاب، الذي يعكس مستوى المسؤولية،والجرأة في تحملها ، والاجتهاد الخلاق، في مواجهة التحديات الاستثنائية الفريدة التي يعيشها العالم ، والتي قد تفترض مواجهتها ، حلولا بصيغ استثنائية أيضاً يساهم فيها الجميع ، بدل قراءة المبادرة بمنطق ويل للمصلين، وثقافة تصيد الهفوات.
 
جلال الطاهر، عضو مجلسة هيئة المحامين بالدار البيضاء