الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي: عالم ما بعد كورونا

ميلود العضراوي:  عالم ما بعد كورونا ميلود العضراوي
ما أكثر الأحكام الاستباقية التي انطلقت مؤخرا لتحدد مصير العالم بعد حرب كورونا، بعض هذه الأحكام تحمل خطابا عاريا من الحقيقة والموضوعية والمعرفة، بل أجد فعليا أن بعض هذه الأحكام جاهلة بالأوضاع الدولية وتقلباتها المناخية سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا وفارغة من ثقافة العصر، وبالتالي فان من يدعي أن العالم سينقلب بمقاييس عكسية، أي أن الدول العظمى ستنهار تاركة مكانها للدول الصاعدة أو الدول النامية وأن الصين انتصرات الآن في الحرب الاقتصادية على الولايات المتحدة الأمريكية دون أن تطلق رصاصة واحدة وأن أمريكا ستنهار وتصبح ماضيا في التاريخ وأن الاتحاد الاوروبي سيتفكك وينهار، هو شخص يتحدث عن وقائع من مخيلته، وقائع لا تحكمها المنهجية التاريخية والمعرفة ولا تخضع للتجربة والمقارنات، ويبدو أن أصحاب هذا الرأي يسبحون في مناخ سياسي أو أيديولوجية مغلوطة المفاهيم.
كبار علماء الاقتصاد السياسي في زمننا يصرحون أن حجم الصدمة الحضارية الثالثة التي جاءت بكورونا، هي اخطر من كل الصدمات الحضارية السابقة التي مرت في تاريخ البشرية، وانهم لا يمتلكون حتى الان الادوات الكافية لإصدار أحكام حول عالمنا الحالي ومستقبله من خلال نتائج حرب كورونا، يكفي بأن العالم الذي يتحدث البعض عن نهايته بهذا الشكل مكرسين فكرة نهاية التاريخ التي وردت في اطروحة فوكو ياما منذ عشرين سنة خلت، أنه على قدرات يمكن التكهن به لمواجهة كل الأزمات المحتملة وأنه تحسب لهذا الأمر منذ عقود، أن الغرب كان دائما يغلي ويحيا على فوهة بركان ومستعد الأسوأ.
 إن الدول الكبرى التي يتوقع لها البعض الانهيار والتفكك هي من بستحود على ثلثي الثروة العالمية من السيولة والموارد، وقد هبت مجموعة العشرين إبان انتشار الوباء في دفعة مالية أولى لدعم الاقتصاد العالمي وحمايته، مخصصة مبلغا ماليا ضخما يصل الى 5000 مليار أورو.
 فكروا إذن بقرارات القوة العظمى في العالم حين تشتد الأزمة، وتعز الموارد ويرتفع الطلب أكثر فأكثر،كيف يتصرف قادة تلك الدول ومن سيؤدي ثمن البقاء والمحافظة على الفصيلة البشرية لتستمر على ظهر الكوكب؟
 هناك الكثير من المزاعم التي لا يقبلها العقل ولا تقنع أحدا ولا تفيد في شيء، كثر الحديث عنها.
لكن علماء الاقتصاد والسياسة والإستراتيجية الدولية والمستقبليات، وهم المؤهلون طبعا، لتقديم فرضيات علمية حول مستقبل العالم بعد حرب كورونا، ما زالوا يلتزمون الصمت ولم يغامىوا حتى الان بأي زعم من هذا النوع، وهؤلاء جميعهم يوجدون في مجتمعات الغرب واكثرهم حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد والاقتصاد السياسي.
أكيد أن عالم ما بعد كورونا لن يكون هو عالم ما قبلها، وأن لا الجائحة ستغير خريطة بعض الاقاليم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى جغرافيا، لكن الجائحة ستعمل على أضعاف الشعوب والدول وستجعل شعوبا بكاملها تحت رحمة الطغاة، لأنها جائحة وضعت حدا للخريات ولبرالية المجتمعات المتحررة ديمقراطيا ووضعت مجتمعات ذات النظم المدنية الديمقراطية تحت قانون الطواري وجعلت شعوبا اخرى تحيا تحت قرارات الحكام والنموذج الآن من الولايات المتحدة الأمريكية التي صار ريئسها هو من يقرر في كل شيء بعد تعطيل الكونجرس والمحاكم الدستورية وإعلان الأحكام العرفية وإعلان حالة طوارئ في العديد من الولايات الامريكية. 
حرب كورونا لن تنتهي قريبا وحين تنتهي لن يكون هناك منتصر ولا منهزم، لكنها لن تعيد العالم إلى ما كان عليه لأنها ستعيد ترايب العالم وفق شروطها من حيث ستضع الاقوياء في مكان القوة والضعفاء حيث يجب أن يكونوا.