الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

سمية نعمان جسوس: بعد أن احتجزهم في البيوت وأغلق عليهم الأبواب، هل يستطيع كورونا أن يعيد صياغة العلاقة بين الأزواج؟

سمية نعمان جسوس: بعد أن احتجزهم في البيوت وأغلق عليهم الأبواب، هل يستطيع كورونا أن يعيد صياغة العلاقة بين الأزواج؟ سمية نعمان جسوس

فجأة وجد الأزواج أنفسهم وجها لوجه يوميا ولأسابيع طوال، خلف أبواب مغلقة، لا مقاهي ولا حانات ولا أندية ولا... خروج بتاتا من البيت؟

كورونا خلخلت كل الموازين وأجبرت الجميع للارتكان في زوايا البيوت المغلقة. كيف يعيش الأزواج المغاربة أيام حجرهم؟ كيف يعيش الرجال طقس يومهم بلا مقهى؟ وكيف تتحمل النساء "النكير" من "مستعمر" احتل مملكتها الخاصة.

أسئلة ضمن أخرى تجيب عنها الأستاذة والباحثة السوسيولوجية سمية نعمان جسوس، في هذا الحوار الذي أجرته معها جريدة "الاتحاد الاشتراكي"...

 

+ في زمن كورونا، يجد الأزواج أنفسهم وجها لوجه خلف أبواب مغلقة لم يعتادوها، ما الذي أحدثته كورونا في العلاقة بين الأزواج؟ وهل بالإمكان أن تجعلهم يعيدون صياغة علاقة زوجية جديدة؟

- كورونا هي تسونامي من نوع آخر، زعزع جميع الاستقرارات في العالم بأسره، وأحدث تغييرات كبيرة في طبيعة الحياة اليومية للأسر والأشخاص، ومن الطبيعي أن يخلف هذا الوضع ارتدادات وهزات في جميع المجالات وعلى جميع المستويات.

من طبيعة البشر أنه خلق ليكون مستقرا، وعندما يشعر بزعزعة هذا الاستقرار، يفقد توازنه الطبيعي، وقد تصدر عنه افعال أو ردود افعال قد تكون احيانا عنيفة.

في ظل هذه الجائحة، هناك نوعان من البشر، الأول يرفض هذه الوضعية ولا يسعى لتوظيف طاقته لتقبلها، بل "يعطيها للنكير" رافضا مقاومة هذا التغيير المفاجئ الذي خلخل له استقراره. وهناك نوع آخر، واع بأن هذا الوضع الطارئ سيء، لم يختره ولكن عليه تقبله، ويوظف طاقته للتأقلم والتكيف معه، فينتقل لمرحلة إيجابية، لأنه أدرك بأن هذا الوضع لا محيد عنه ولا خيار له إلا التعايش معه.

بالنسبة للأزواج، كورونا خلخلت لهم كل الثوابت، فجأة وجدوا انفسهم وجها لوجه، في فضاء مغلق ولعدة أسابيع بعدما كانا لا يلتقيان إلا في المساء، ومن الرجال من يدخل البيت إلا بعد منتصف الليل أو بعده بكثير.

اليوم لا مقاهي، لا حانات لا أندية.. لا خروج من البيت، كورونا سيدة هذا الزمن، أصدرت حكمها بالتزام الجميع للبيوت وأغلقت الأبواب. فجأة وجد الأزواج  أنفسهم (شادين الارض) بعدما كان البيت يمثل لبعضهم  (أوطيل) يقصدونه ليلا للنوم .

الزوجة أيضا تعيش تغييرات جديدة لا تتقبلها، فقد وجدت نفسها فجأة رأسا لرأس مع رجل يحتل مملكتها وفضاءها ويتدخل في جزئياتها الصغيرة. فهي وإن كانت تشتغل خارج البيت طول النهار، إلا أنها تعتبره مملكتها الخاصة التي تعود لها بعد العمل مباشرة، ولا يتدخل فيه الزوج الذي يبتلعه الخارج والمقاهي مباشرة بعد العمل كطقس يومي.

هي الملكة داخل البيت، وكل شيء فيه يخضع لذوقها وترتيبها، هي المدبرة والمسؤولة، والزوج وإن كان يساعد في بعض الاحيان، إلا أن دوره لا يتعدى دور المساعد فقط وليس المدبر.

اليوم كرورنا قلبت هذه الموازين وأطاحت بعرش الملكة، وأصبح لها شريك داخل البيت، حتى داخل المطبخ، فأخذت تشعر بنوع من الاستعمار، وأن هناك من يشاركها السلطة في مملكتها الخاصة.

وهنا تطرح إشكالية السلطة، تخاف الزوجة أن تهتز سلطتها داخل البيت، وتجد نظاما وضعته ثابتا ومستقرا أخذ يتزعزع ويتغير، فتظهر عليها سلوكات وردود أفعال وألفاظ عنيفة، تكون سببا في احتدام المشاكل وتوتر جو الأسرة في زمن صعب.

لكن قبل أن نتحدث عن طبيعة هذه التغيرات في العلاقة بين الأزواج، يجب أولا أن نحدد عن من نتحدث بالتحديد. إذا كنا نتحدث عن الأزواج في البادية الذين يمثلون ثلث المغاربة، فهؤلاء ليست لديهم تغييرات كبيرة، لأن الفضاء في البادية ليس هو نفس الفضاء في المدينة، حيث يقضي الزوج يومه في الحقل والمرأة تخرج للحطب والسقي، وبالتالي لا يمثل الحجر الصحي مشكلا بالنسبة للأزواج ولا يخلف تأثيرا سلبيا على الحياة الزوجية في البادية، اللهم المشاكل الاقتصادية بالطبع.

بالنسبة للمدن، يمكن الحديث عن ثلاث طبقات اجتماعية تختلف حدة التأثير فيها، حسب كل طبقة. فسكان الفيلات مثلا لا يشكل الحجر الصحي سببا رئيسا في المشاكل بين الأزواج لرحابة الفضاء وجماليته، تليها الطبقات المتوسطة التي يكون غالبا عدد الأفراد فيها قليلا وتقطن في شقق خاصة حيث يتوفر الزوجان والأبناء على غرف مستقلة ، هنا تنخفض الحدة ولكنها لا تختفي.

أما المشكل الحقيقي للحجر الصحي، فيكمن في البيوت الضيقة التي تعيش فيها الأسر الكبيرة حالة تكدس بشري، وأيضا حالة الأسر التي تعيش في غرفة واحدة. فبالنسبة لهذه الحالات لا يمكن إلا أن تكون الوضعية سلبية والحالة سيئة.

فإذا أغلقت الباب على عدد من البشر في فضاء واحد يفقدون حميميتهم، وبالتالي يعيشون حالة اغتصاب لحميميتهم، وهي حالة لا يمكن إلا أن تولد العنف.

من المستحيل الحديث في ظل هذا الوضع عن الحميمية بين الزوجين، في ظل هذا التكدس البشري،  حيث يصبح الزوج أو الزوجة فاقدين التحكم في عواطفهم، ويضحى العنف واردا.

 

+ في ظل حالة الحجر والإغلاق والخوف وتوارد أخبار الموت، كيف يمكن للأزواج أن يتحكموا في حالتهم النفسية تجنبا للعنف؟

- يمكن تجاوزه بالحوار والتأقلم مع هذا التغيير، وهذا قد يبدو مطلبا صعبا، لأننا نفتقد في ثقافتنا للغة الحوار، كأن يجلس الزوجان والأبناء معا، إذا كان هناك وعي، ويتبادلون حوارات مع الذات أولا بعضهم البعض، وتتم الاجابة عن السؤال، كيف يمكن أن ننجو من هذه الوضعية الصعبة، وكيف يمكن أن نحولها ايجابية (وبالطبع هادشي ماعندناش).

نحن نقول في ثقافتنا الشعبية (لي تلف يشد الارض، وحنا دابا تالفين، نشدو الارض)؛ يجب أن نجلس ونتكلم على وضعيتنا ونحاول أن نخلق قوانين جديدة للتواصل والتعايش.

يمكن للزوج والزوجة أن يطرحا السؤال، كيف يمكن أن نخرج من هذه الحالة بأقل ضرر ممكن وبأقل الخسائر؟ كيف يمكن أن نتصرف ونتجاوز صعوبة هذا الظرف على نفسية الجميع، والتي لا يمكن أن ننكرها؟ يجب أن نخلق حوارا مع الذات ومع الآخر حتى بالنسبة للذين يعيشون في فضاءات شاسعة.

 

+ في هذا الظرف الصعب يكثر "النكير" بين الازواج، مما يحيل الحياة داخل البيوت إلى جحيم لماذا، وكيف يمكن تفاديه؟

-  الأمر بالطبع صعب للغاية، هناك مثل شعبي عندنا يقول (الرجل في الدار بحال الحبوبة في الظهر)؛ في عقليتنا وثقافتنا الشعبية الرجل لا يجب أن يمكث في الدار طول الوقت، يصبح عبئا، أو على الأصح هكذا تربينا في طقس حياتنا اليومي، المرأة داخل البيت والرجل خارجه، حتى في حال اشتغال المرأة، فإنها تعود مباشرة للبيت، بينما يخرج الرجل من العمل مباشرة للمقهى كطقس يومي .

الآن وبعد أن أصبح الزوج بلا عمل وبلا مقهى، وجلسا معا في البيت، وجها لوجه، بدأ يظهر الصراع على السلطة في البيت. الفراغ يجعل الزوج ينظر للأشياء التي لم يكن ينتبه إليها من قبل (علاش هادي مهرسة، علاش هاذي محطوطة هنا، علما أن ذاك هو مكانها منذ عشر سنوات).. ولكن لم يكن عنده الوقت لرؤيتها، فتبدأ المرأة في التذمر من هكذا سلوك، وتشعر بثقل هذا المستعمر.

على الرجل أن يملا الفراغ  بأشياء أخرى لتزجية الوقت، الذي كانت تملأه المقهى، ليس كل الرجال والنساء يمضون وقتهم الثالث في القراءة؛ نعرف بالطبع أن عددا كبيرا من المغاربة لا يقرأون، يصرفون الأموال في كل شيء إلا شراء الكتاب.

هناك من ينغمس في الحواسيب والهواتف النقالة، ولكن ليس كل الناس يتوفرون على حواسيب أو أنترنيت. عليه البحث لملأ هذه الفراغ الذي يوثر النفسية ويتسبب في المشاكل.

كما يجب على المرأة أن تعي انها لم تعد وحدها الملكة في البيت وأن السفينة أصبح لها ربنان اثنان. وأن الحياة الزوجية مبنية على المشاركة، وأنها قد تعمل على إشراك الزوج معها في المطبخ وفي بعض الأعمال المنزلية بمتعة كبيرة تبدد صعوبة هذا الحجر.

 

+ بعد أن اعتقلت كورونا الأزواج في البيوت، قد يكتشفان بعضهما أكثر، العديد من الرجال خاصة الذين يعودون بعد منتصف الليل، ربما بدأوا يجهلون ملامح زوجاتهن، هل تستطيع كورونا أن تعيد الدفء للعلاقة الزوجية، وتعيد بناءها من جديد؟

- هذه الوضعية هي مسؤولية مشتركة بين الاثنين، الزوج والزوجة، وعلى كل واحد أن يبذل مجهودا لفهم وإرضاء الآخر.

نحن نعرف أن المرأة المغربية خارج البيت تكون جميلة وبكامل أنوثتها، وبمجرد دخولها للبيت تصبح "مرعبة"؛ فإذا  بذلت الزوجة مجهودا لإغراء الزوج واهتمت بنفسها وأقنعت نفسها أنها في البيت الآن مع أبنائها وزوجها 24 ساعة على 24، الذي لم تكن تراه طيلة اليوم، فيجب أن يعيش الجميع هذه الفترة بإيجابية. كيف ذلك؟

بالاهتمام بالنفس أولا، فمن خلال الاهتمام بنفسك تبدي الاهتمام بالآخر، لا يعقل أن تظل فئة كبيرة من النساء "ببيجامة" طيلة اليوم، أن يهملن أنفسهن إلى هذا الحد، ليس لهن الحق في ذلك. عندما نكون في فترة الحجر ليس لنا الحق أن نهمل أنفسنا، لأن النظرة التي نعطيها للذين يعيشون معنا يجب أن تكون إيجابية. يجب أن نجلس في البيت بكامل أناقتنا، أن نتعطر كما نفعل كل صباح ونحن نخرج للعمل.

وعلى الزوج أيضا أن يبذل نفس الجهد لإغراء زوجته، لا يعقل أن يظل طول اليوم (لابس فوقية ومغوفل) شعره أشعث وذهنه غير حليق.

كيف يمكن العيش مع امرأة ببيجامة طول اليوم، ورجل بفوقية وذقن أشعث، في بيت مغلق وسط  أخبار المرض والموت، هذه الصورة وحدها كفيلة أن تصيبك باكتئاب نفسي حاد، وتحول بيوتنا إلى جحيم.

يجب على الأزواج في زمن كورونا أن يفكروا في صياغة علاقة جديدة في ظل هذه الوضعية الصعبة التي وإن كنا لا نعيشها بسعادة، فعلى الأقل نعيشها في راحة بال.

حان الوقت أن يعيد الأزواج النظر في طريقة الكلام، لأنه إذا كنا في الأيام العادية نخطئ في حق بعضنا وقد نتلفظ في وجه الاخر بكلمات انفجارية جارحة أحيانا، فإننا نستطيع أن (نبدل ساعة بأخرى) حتى تخف حدة الجرح ويتم إصلاح الوضع، في ظل الحجر والإغلاق (ماعندك فين تخرج)؛ فالتلفظ بكلمة جارحة في وجه الآخر والأبواب مغلقة والفضاء ضيق، يتضاعف عنف الكلمة في المئة ويتضاعف الألم وتغدو الحياة صعبة لا تطاق. ونصبح أمام عنف لفظي وجسدي. لأن ليس لنا فضاء آخر يمكن أن نخفف فيه هذا الجرح ونبدده.

ربما هذا الحجر هو مناسبة للرجل المغربي أن يبدأ في التعبير عن عواطفه لزوجته. ففي ثقافتنا كمغاربة نتقن جيدا التعبير عن الحزن والقلق، ولكن لا نعرف بتاتا التعبير عن الحب، عن الكلام الطيب. نعرف أن الكلمة الطيبة صدقة، وهذا هو الوقت الذي يجب أن يتصدق كل واحد فينا في وجه الاخر بكلمة طيبة تفك ضيق هذه الفترة الصعبة.

نحن جميعا اليوم أمام تحد صعب، نعيش حياة الحجر، أبوابنا موصدة علينا، في وضعية سيئة لم نخترها ولا يمكن أن نغيرها، فقط علينا نتقبلها وتحملها؛ علينا أفرادا أو جماعات في البيت، أن نفكر كيف يمكن أن نستغل هذه الوضعية ونعيشها بإيجابية؛ بأن نخلق توازنا بين وضعية سيئة وحياة سعيدة، أن نبحث على هذا التوازن بينهما، لكن أين يمكن أن نبحث عن السعادة؟

السعادة لها علاقة برؤيتنا للحدث، للوضع، إذا وعينا أن هذه اللحظة علينا ان نعيشها، أردنا أم أبينا، هذا ليس باختيارنا. ولكي نعيشها، علينا  ان نغير الكثير من عاداتنا وسلوكاتنا وحياتنا أيضا.

إذا استحضرنا لغة التواصل وأعطينا  قيمة لبعضنا البعض، وحاولنا أن نجعل من العلاقة الزوجية عنصرا من عناصر التوازن التي تبعدنا عن حالة الاكتئاب والقلق، ونبحث عن منابع السعادة فيها، لأن في هذه  العلاقة منابع سعادة كثيرة يجب فقط البحث عنها، أن نتذكر الإيجابي فيها مثلا، ونعيش لحظات الفرح فيها، ونبتعد عن القلق الذي يخرج الجانب الوحشي فينا، ويهدد علاقاتنا.