الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد حمزة: عندما يعيد فيروس كورونا ترتيب أولوياتنا

محمد حمزة: عندما يعيد فيروس كورونا ترتيب أولوياتنا محمد حمزة

"إن الأشياء الأكثر جمالا في العالم لا يمكن رؤيتها أو حتى لمسها"، (هيلين كيلر).

إذا كان منتهى الصغر في فيزياء الكوانتا علمنا أن شيئا ما يتحرك دون أن يكون له موقع، وأن تجارب الجسيمات الكوانتية أكدت صحة مبدأ عدم اليقين ومعه أصبح  التنبؤ على المدى البعيد، بعيد المنال، فإن المنتهى الصغر في البيولوجيا يعلمنا الآن  عدم الاطمئنان على عالم أصبح مسرحا مجنونا للهرولة نحو العنف والحرب والربح بدون حدود وتسليع القيم؛ عالم يدمر الطبيعة والإنسان. عالم أصبحت المهام الاجتماعية فيه شركات ومقاولات والأفكار غير المنفتحة على الواقع وبالا على الإنسانية.

 

وبما أننا جزء من الطبيعة، فإننا مطالبون بحل لغز نحن جزء منه. اللغز الآن اسمه كورونا الذي أعاد تجديد جيناته ليذكرنا بما فعل أسلافه مثل(SARS-CoV)  المرتبط  بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة الذي ظهر في مقاطعة غوانغدونغ الصيني في نونبر 2002 وتسبب في إصابة 8096 شخص من 29 بلدا مخلفا 774 وفاة أغلبها من الصين. وتتجدد تحت اسم MERS-CoV)) متلازمة الشرق الأوسط والتي زهر في الشرق الأوسط وأودى بحياة 35 في المائة من المصابين .

 

كورونا المتجدد (كوفيد 19 أوCOVID19 ) ينتمي إلى العائلة الموسعة من كورونا وعددها ستة وتستهدف الإنسان مباشرة، وهي من الفيروسات التاجية التي تستهدف الجهاز التنفسي ومدة حضانتها من 7 أيام إلى 14 يوم. وسيكون أكثر عنفا من أسلافه. أول وفاة رصدت في مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي الصينية لمريض كان يعاني من التهاب رئوي حاد واتخذت الصين إجراءات بعزل أكثر من 50 مليون. وفي وقت وجيز لا يتعدى خمسة أشهر، انتشر وباء فيروس كورونا (كوفيد 19 أو COVID19) وأصبح جائحة عالمية مست إلى حدود الآن، معظم دول المعمور (180 دولة ومنطقة، حسب مركز العلوم وهندسة النظم CSSE – Université Johns Hopkins- USA)، أكثر من مليون ونصف من سكان العالم و حصدت، في صمت رهيب، أكثر من مائة ألف من الأرواح .

 

وبما أن كورونا المتجدد (كوفيد 19) تعامل معنا بالتساوي، أغلقت الحدود وتوقفت المدارس والجامعات، وألغيت التجمعات وأغلقت المقاهي والمطاعم، وأجلت المنافسات الرياضية وتوقفت المهرجانات وعطلت المقاولات الغير الاستراتيجية. وكأنه  يذكرنا  بأننا متساوون بغض النظر عن ديننا أو ثقافتنا أو وضعنا الاجتماعي.

 

وبما أن  النظام العام الكبير، كما يقول إدغار موران، ليس هو النظام الوطني، ولا حتى الجِهَوي، بل هو النظام الكوكبي، وإن النظام العام هو النظام الأرضي بمعناه الأشمل؛ فإن كورنا يعلمنا أن الحدود الزائفة التي أقمناها ليست ذات بال.

 

لقد أعاد هذا الفيروس المتجدد ترتيب أولويات العالم أولوياتنا الوطنية: الصحة، التعليم، البحث العلمي، الحماية الاجتماعية،...

 

ظهرت أول حالة كورونا (كوفيد 19) بالمغرب في 2 مارس 2020 وفي 10 مارس سجلت أول حالة وفاة ووصلت عدد الإصابات إلى حدود يوم الجمعة 10 أبريل مارس 1448 إصابة بالفيروس، توفي منهم 107 شخص، وبعدها اتخذت الدولة المغربية إجراءات استباقية: منع السفر، إيقاف التعليم، حالة الطوارئ الصحية ورصدت إمكانات مادية وبشرية لحماية الصحة العامة للحماية الاجتماعية. وأصبحت صحة المواطنات والمواطنين في صلب الأمن القومي.

 

ضعف وهشاشة المنظومة الصحية أضحى من الممكن تجاوزها بالابتعاد الاجتماعي وبالروح التضامنية التي أيقظت فينا كل ما هو جميل وأصيل، لبناء وطن يحتضن جميع أبناءه وبناته، على أسس جديدة وعقد اجتماعي جديد.

 

المغرب، وباقي بلدان العالم، يعيش أزمة جائحة كورونا كبلد إفريقي عالمثالثي، إمكاناته الاقتصادية وبنيته الصحية ضعيفة؛ إلا انه اتخذ إجراءات استباقية، ضرورية ولا بديل عنها، للحد من انتشار الوباء ولعدم توفر علاج له.

 

نعم هناك عمل مكثف وأبحاث في جميع مختبرات الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا، لكن الخلاص ليس آنيا. ويبقى الحجر الصحي والالتزام بالبقاء في البيوت مع اتخاذ التدابير الوقائية، ضرورة ملحة لوقف انتشار الوباء كي لا يتجاوز عدد المرضى الطاقة الاستيعابية الضعيفة للمستشفيات المغربية مقارنة مع الدول المتقدمة. فنجد أن الأطر الطبية المغربية تخفف من هذا الضعف وتتصدى ميدانيا لهدا الوباء القاتل. هؤلاء الجنود البيض، العاملين بالقطاع الصحي من أطباء وممرضين وتقنيين وإداريين قد أبانوا عن استعدادهم وانخراطهم الكبير للتصدي لهدا الوباء بعملهم في الجبهة الأمامية إلى جانب قطاعات أخرى، تعمل ليل نهار من اجل صحة المواطنات والمواطنين.

 

الحجر الصحي أصبح استراتيجية عالمية ضد انتشار الوباء (حوالي 3 ملايير من سكان العالم يعيشون الحجر، أي ما يعادل نصف سكان العالم). فقد طبقت الصين الحجر الصحي لعدة أسابيع على أكثر من 50 مليون مواطن في مقاطعة هوبي، وهو الحجر الأطول والأكبر في التاريخ، تراجع معه أعداد الضحايا في الصين إلى الحد الأدنى. وهدا ما نهجته ولو بشكل متأخر، الدول الأوروبية وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

مع تطبيق هدا الإجراء في المغرب، أصبحنا نعيش بداية سلوك واع ومسؤول لفئات واسعة من الشعب المغربي الملتزم بإجراءات السلامة والوقاية، وإن لم نصل بعد لمستوى الامتثال الصيني لأسباب ثقافية وسياسية واجتماعية لا يسمح المقال للخوض فيها.

 

المطلوب الآن هو المزيد من التحسيس والتعبئة لكي يستوعب الجميع تدريجيا أن هدا الحجر حماية له ولعائلته ولمحيطه، وكذا من الدعم المادي للأسر الهشة والفقيرة للتقليل من أسباب التعاسة.