الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

سمير العبودي: تجاوز سقف التمويلات الخارجية وتعويم الدرهم.. المعادلة الصعبة في ظرفية عصيبة

سمير العبودي: تجاوز سقف التمويلات الخارجية وتعويم الدرهم.. المعادلة الصعبة في ظرفية عصيبة سمير العبودي
من شأن اعتماد مرسوم القانون رقم 2.20.320، المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، أن يكرس الشكوك حول المخاطر المحتملة التي قد تختل معها "التوازنات الأساسية"، التي حظيت منذ مدة بالإشادة من لدن الفاعلين السياسيين في المغرب وخارجه.
وفيما يرخص مرسوم القانون المصادق عليه أمس الثلاثاء، من لدن لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، للحكومة بتجاوز سقف التمويلات الخارجية المحدد بموجب المادة 43 من قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020، فإن الحكومة سعت وراء هذا الترخيص بسبب حاجتها إلى تعبئة موارد كثيرة لتجاوز تداعيات الظرفية الاقتصادية العصيبة وغير المسبوقة التي فرضتها جائحة "كورونا".
فالحاجة إلى موارد جديدة تولدت، من جهة، اعتبارا للجائحة التي وضعت المنظومة الصحية المغربية على المحك، وكرست الفشل الذي يعتريها منذ "برنامج التقويم الهيكلي" المعروف اختصار بـ"PAS" والمعتمد منذ 1983، بحيث انكشف الضعف البين في الصحة العمومية والأهمية القصوى التي يكتسيها البحث عن موارد وخلق استثمارات بشكل مستعجل من أجل تأهيل هذه المنظومة الصحية "المعتلة".
ومن جهة أخرى، تطفو الحاجة إلى موارد مالية جديدة بسبب توقف شتى الأنشطة الاقتصادية بسبب الجائحة، وهو ما يفيد لا محالة بتجفيف الموارد الاعتيادية للدولة والمشكلة أساسا من الضرائب، فمن يتحدث عن توقف للأنشطة الاقتصادية يستوعب وجوبا استحالة استخلاص الضرائب.
ويجب الإشارة إلى أن حصيلة الدولة من الضرائب في 2020، كانت متوقعة في 192,2 مليار درهما، بواقع 77,2 % من مجموعة موارد الموازنة العامة التي كانت متوقعة، بحسب القانون المالي لـ2020، في حدود 248,9 مليار درهما، على أن الموارد الأخرى التي كانت تستند عليها الدولة من أنشطة اقتصادية تحتكرها وكذا مساهماتها التي تبلغ 12,2 مليار درهما وعائدات الخوصصة المحددة في 3 ملايير درهما، حتما ستتأثر كثيرا وتتداعى في ظل السياق الصعب المفروض قسرا.
وبالنظر إلى التداعيات المذكورة، تجد الحكومة نفسها مضطرة للحصول على موارد مالية جديدة غير الاعتيادية، وهو ما ارتأته في الإجراء الاستثنائي المتمثل في تجاوز سقف التمويلات الخارجية، ولكن من المتوقع أن تكون لهذا الإجراء انعكاسات عميقة ستطال كل مناحي الاقتصاد الوطني كما سيغير معالم التوازنات الماكرو- اقتصادية التي تم السعي لتحقيقها منذ سنوات طوال، لكنها الآن في مهب الريح.
إن اختلال التوزانات سيؤدي إلى ارتفاع في الأسعار وجمود في الرواتب والأجور الخاصة بمن سيحتفظون بمناصب عملهم، في ترقب لأزمة بطالة تلوح في الأفق، بما قد يفاقم الوضعية الاجتماعية لتنضاف إلى نظيرتها الاقتصادية وهو ما يوفر شروط تحقق ظرفية عصيبة لم يعهدها المغرب منذ عقود.
وما سيعمق الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد والعباد معا، هو القرار المتخذ سلفا، وابتداء من 9 مارس الجاري، بتوسيع نطاق تعويم الدرهم من 2,5 بالمائة إلى 5 بالمائة، لأن من شأن هذا التوسيع أن يكلف الاقتصاد المغربي غاليا في ظل الشح الذي سيسجل بشأن أرصدة العملات الأجنبية الخاصة بالمغرب، والتي تستغل في اقتناء حاجيات البلاد من الخارج، بما ينذر بارتفاع مهول في الأسعار.
ويوجد الدرهم المغربي تحت ضغط مهول، وهو الذي انخفضت قيمته بشكل مضطرد خلال الأسابيع القليلة المنصرمة أمام عملة "الدولار" أكثر من عملة "الأورو"، وهو ما يبعث على التساؤل حول مدى قدرة تحمل المغرب لفقدان مخزونه من العملات الأجنبية علما أن القطاعات التي تدر هذه العملات تأثرت بشكل كبير بسبب جائحة "كورونا".
ومن شأن هذه التطورات أن تسائل الحكومة المغربية حول الدوافع الكامنة وراء هرولتها، في ظرفية غير ملائمة، لتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي (FMI) المتعلقة بتوسيع هامش التعويم، فهل كان القرار محض رغبة في إقراره خلال ظرف مناسب حقا أم أن في ذلك إذعان للصندوق الدولي والخضوع له طوعا في غياب أي إبداع؟".
 

 سمير العبودي، خبير اقتصادي