الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بكار السباعي: مخرجات تطوير السياسة الجنائية بين أزمة العدالة الجنائية وغائية الضرورة لمرض كوفيد 19

الحسين بكار السباعي: مخرجات تطوير السياسة الجنائية بين أزمة العدالة الجنائية وغائية الضرورة لمرض كوفيد 19 الحسين بكار السباعي

بالاستقراء الطفيف لكل من مسودة القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية في ضوء تحديث السياسة الجنائية المغربية، في شقه الموضوعي والمسطري وتجاوز المعيقات العملية، التي تعيق الرقي بحقوق الإنسان ببالدنا، والذي نلامس فيه إلى ما تأخر في تداركه تشريعيا ومؤسساتيا وبنيويا، ويقوض كل الجهود والأشواط التي قطعتها بلادنا في هذا الصدد، وأهم ما كشف عمق هذا التأخر مما يمر به المغرب حاليا في ظل حالة الطوارئ الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد 19 .

 

وإلى كافة الجهات الوصية وإلى المؤسسات المعنية من سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة حكومية مكلفة بالعدل وحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ولكل الهيئات والمؤسسات الحقوقية بالمغرب.

 

وجب التفضل بالأخذ بالآتي:

- بناءها على تصدير دستور المملكة المغربية.

- وبناء على الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب ذات الصلة بتكريس ثقافة حقوق الإنسان والنهوض بالحقوق والحريات الفردية والجماعية، بداء بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، مرورا بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، وما تلاه من مصادقات ومعاهدات أممية أو متعددة الأطراف، أو إقليمية أو قارية داخل نفس المنحى.

- وبناء على الخطب الملكية السامية ذات المنطلق المتصل بالتأكيد على الرقي بالمنظومة التشريعية الوطنية في كافة المجالات وأنسنتها وتقريب غاياتها للمواطنين، وخلق الفاعلية الإجرائية لدى المؤسسات العمومية المعنية ككل.

- وبناء على التقارير السنوية والدورية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية معنية بالنهوض بأوضاع المجتمع المغربي، ورصد الخروقات أو المعيقات التي تتعلق بحقوق الإنسان، والمؤكد في تقاريرها على أزمة السياسة الجنائية بالمغرب وما تعانيه من جمود وكذلك تردي أوضاع السجون من اكتظاظ بسبب ارتفاع عدد السجناء والمعتقلين الاحتياطيين  .

- وبناء على دوريات ومناشير ومذكرات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة الداعية إلى  ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وأنسنة ظروف الاعتقال داخل المؤسسات السجنية.

- وبناء على ما تم اتخاده من إجراءات جبارة لمختلف المؤسسات قصد التخفيف من آثار جائحة فيروس كورونا والسهر على تنزيل مراسيم الحكومة المغربية  الصادرة في هذه الظرفية، كما هو الحال بالنسبة للمرسوم المتصل بفرض حالة الطوارئ الصحية، وأيضا كافة الجهود المبذولة لتجاوز هذه المرحلة الحرجة التي تمر منها البلاد والعالم بأسره.

 

تقرر من طرفنا الحديث، عن مدى  فعالية السياسة الجنائية التي ينهجها المغرب، خصوصا تحديث ظهير 1962 الجامد المتعلق بمجموعة القانون الجنائي و مسودته ، و أيضا ما تعلق بالقانون 01.22 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية والمشروع المطروح له، والتي يمكن إجماله فيما يلي:

1- فيما يتعلق بالتشريع الجنائي المغربي وسبل فعاليته والرقي بالمنظومة الجنائية في شقيها الموضوعي والإجرائي:

أ - البدء بالقانون الجنائي و مسودة مشروعه، يضعنا أمام أزمة حقيقية هي عدم مواكبة المشرع المغربي لتطور الأنظمة الجنائية الدولية منذ 1962، وما جيء به من نظريات ومبادئ ميزت التشريعات المقارنة الناهجة للنظام اللاتيني أو الأنجلوساكسوني أو الأنظمة الجنائية المختلطة .

وعليه يمكن طرح جملة من الخطوط العريضة، ذات الصلة بمواكبة السياسة الجنائية في شقها الموضوعي للمتغيرات الدولية والوطنية.

بمقاربة أن أزمة الشرعية التشريعية الجنائية ذاتها تعيش أزمة جمود، ومن ضمن ما يمكن الحديث عنه نجد:

ب - العمل على الإسراع بإخراج مضامين مسودة مشروع القانون الجنائي لحيز الوجود، وما اضحى  للعقوبات البديلة من أهمية راهنية في التخفيف من الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية ولما ستضفيه من تغييرات جذرية لدى المجتمع في كافة المستويات وتحقيق الردع العام والخاص، وأيضا الحفاظ على النظام العام من جهة أساسية، الشيء الذي  أثبتته  في التجارب المقارنة لخدمة كافة المصالح بشكل بات و قطعي.

ت - تحديث المنظومة الجنائية الوطنية بإقرار مدونة جنائية رقمية، تواكب التسارع العالمي لمحاربة الإجرام الإلكتروني، وأيضا إيجاد الآليات المسطرية الموازية للبعد الرقمي في كافة مراحل اقتضاء الحق العام.

فضلا عن تعزيز مضامين تفريد العقوبة التي جاءت بها مسودة مشروع القانون الجنائي، وذلك فيما اتصل بإعطاء مكان واسع للأعذار القانونية سواء المعفية من العقاب أو المخففة له، كظروف الجاني الاجتماعية والصحية والاقتصادية إلى جانب شخصية المتهم و خطورة فعله الجرمي .

- منح المحكمة صلاحية التوقيف الجزئي للعقوبات السجنية التي لا تتجاوز عشر سنوات، دون أن تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها، المادة 55 من المسودة.

وإلى جانب تكريس العقوبة كمبدأ جنائي شرعي، نجد أهم معطى، وهو المتصل بنظرية الجمع بين العقوبة والتدبير الوقائي من طرف القاضي الجنائي.

- حماية لضحايا الجرائم و تأكيدا على ضمان الزجر و الردع، فقد جاءت المسودة للتأكيد على أن الصلح أو التنازل عن الشكاية في الحالات المحددة يضع حدا لتنفيذ العقوبة والتدابير الشخصية، دون العينية المئتان 102/1 و102/2من المسودة.

- تقليص الفوارق بين الحدين الأقصى والأدنى للعقوبة لضبط السلطة التقديرية للقاضي...

 

وإضافة لكل ما سبق يتأكد كذلك أن مجمل ما سارع المغرب إلى تبنيه في مسودة مشروع القانون الجنائي، يبقى رائدا ومعه فلا اختلاف فيه إلا بعد تقييمه، كما هو الحال بالنسبة للتقليص من الجرائم الناصة على عقوبة الإعدام، وأيضا المؤبد وإلى جانب تجنيح بعض الجنايات.

 

 2- وتأكيدا على المبدأ الراسخ والقائل أن الحقوق تصان بالمسطرة من منطلق التفعيل، فما هي المقاربات المطروحة والمتداخلة في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي النافد وكذا آفاق التطورات المطروحة في المشروع؟

ليأتي التأكيد على مراحل سيرورة الدعوى العمومية مند تحريكها من طرف جهاز النيابة العامة المستقل حاليا وفقا للقانون 07.33 المتعلق بنقل صلاحيات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن إحداث رئاسة النيابة العامة، قطعا للعالقة وفي ظل فصل السلط وفقا لمبدأ الفصل 107 من الدستور وبضمانة ملكية لعاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس، وعليه فمبدأ قرينة البراءة المستمد من جملة المواثيق:

- حث السلطة القضائية على تفعيل الضمانات ،التي  يمنحها المتهمون المتابعون أمام النيابة العامة أو دفاعهم، منها الضمانات الشخصية والكفالات المالية مع مراعاة وضعيتهم الاجتماعية، قصد المتابعة في حالة سراح بوضع معايير خاصة وضوابط فعالة تناسب كل متهم على حدى وخطورة فعله وتجاوز ما يستلزم من وقت كاف لكثرة وضغط الملفات واستكمال الإجراءات المرتبطة بها احترامي لمبدأ قدسية البراءة .

- العمل على تفعيل بدائل الدعوى العمومية بشكل فعال: كالصلح الزجري المادة 41 والسند التنفيذي في المخالفات المادة 375  والأمر القضائي في الجنح المادة 383 وكذا إيقاف سير الدعوى العمومية 372،

وأيضا تعديل ما جاء به مشروع قانون المسطرة الجنائية بالرفع من حدود الأخذ بكل هاته البدائل، قياسا على ما تنهجه الدول الأوروبية، وأيضا ذات النظام الأنجلوساكسوني كتجارب رائدة، لما له من آثار إيجابية لتصريف العدالة وتحقيق غاياتها، إضافة للسند التنفيذي الإداري الذي أكده المشروع في المواد من 3-382 إلى 1-382 .

 

- العمل تشريعيا على الموازنة بين حقوق و ضمانات المتهم أو السجين، وكذلك الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، خصوصا بعد ما أقره القانون 37.10 من إجراءات خاصة وجب تفعيلها على الخصوص في مراحل ما قبل المحاكمة وأثناءها ثم بعدها، وجعل تلكم التدابير الوقائية خاصة بالضحية أوال قبل شخص المجرم، سواء خلال البحث التمهيدي أو التحقيق الإعدادي.

 

- فيما تعلق بالأحداث والقواعد الخاصة، وتفعيل دور المؤسسات المتصلة بأصناف الأحداث، وتأكيد عملها لدى كافة المتدخلين، خصوصا الحرية المحروسة وتفعيل تدابير المراقبة والحماية بكافة الفاعلين سواء الضابطة القضائية والأجهزة الصحية أو المؤسساتية الإصلاحية  وكل المعنيين بإقرار المصلحة الفضلى للفئات الهشة.

 

- أما فيما يخص الطعون الجنائية، ونظرا لاعتبارها أحد أهم الضمانات القانونية لتقوية ضمانات المحاكمة العادلة، فالواجب أيضا العمل على تحديث ما سبق التنصيص عليه من إجراءات وآجالات، ومعه مراجعات بعض النقائص والإشكالات العملية لتدبير عملية الطعون وعلى الخصوص ما اتصل بالسجناء.

 

- ومن جانب تنفيذ المقررات الزجرية، فالإلحاح على أن أنسنة العقوبات السالبة للحرية داخل السجون بالمغرب، مع التأكيد على تجرية السجون الفلاحية وإعادة صياغتها بشكل ملائم لقدرات المغرب، في أفق التعميم الدولية، وكذلك بعد الرقي بها دستوريا الفصلين 23 و119، فإن الحديث عن مكامن القصور الجلية، والتي هي في حاجة ماسة للتحيين أو التعديل أو التغيير، بدءا من مراحل ما قبل المحاكمة، ثم أثناء المحاكمة، مرورا بما يتبع كل ما سبق من إجراءات لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، وأيضا الغرامات حسب مبدأ الشرعية؛ وعليه فإننا نجمل أهم النقط والركائز الأساسية لضرورة إحداث تغيير جذري في بعض الأسس المتهالكة والتي تقتضيها الظرفية الآنية من قبيل :

 

- تقليص المدد في كل من الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي  التأكيد على استثنائيتهما وأن الأصل هو المتابعة في حالة السراح.

- وضع معايير ناظمة لتحديد سلطة الملاءمة التي هي بيد النيابة العامة المادتين 40/49.

- العمل على تكملة نصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية فيما تعلق بالعقوبات البديلة والإسراع في تبنيها كالعمل لأجل المنفعة العامة والغرامة اليومية، و عض التدابير المستجدة.

- التنصيص على جزاءات صريحة مواكبة لتشريعات الدول الحديثة، وجعل المادة 751 دون إحالة كمبدأ انتهائي عام، وكما هو الحال على سبيل المثال لكل من خرق إجراءات التفتيش المادة 63 وأيضا آجال الإحالة الفورية المادة 385 و74. فبالرغم من تبني الدفاع لها كدفوع شكلية، فغالب هيئات الحكم الزجرية تضمها للجوهر، وهنا يطرح ألف سؤال؟

- العمل على إدخال تقنيات خاصة أخرى إلى جانب التسليم المراقب وآلية التقاط المكالمات، تمكن من التصدي الفعال للجريمة والحد من الظواهر المستعصية والخطيرة. وحسن المشرع المغربي في مشروعه قانون المسطرة الجنائية إضافة تقنية الاختراق وسنها، بالرغم من التأخر الملحوظ في إخراجه؟

ومعه وجب العمل على وضع أرضية قبلية واستباقية لدى كافة الأجهزة المؤسساتية المعنية قبل تفعيل هذه التقنية.

- تقوية دور الدفاع، باعتبار المحامي شريك القاضي في انتاج وتصريف العدالة، لما فيه من تأكيد على الرقي بحقوق المتقاضين وحفظا لها في جميع مراحل المحاكمة.

- العمل على تفعيل التكوين المستمر لكافة مكونات العدالة وكل حسب اختصاصه بالتشبع بثقافة حقوق الإنسان وجعل القانون فوق الجميع بمعيارية تحقق الأمن القانوني والقضائي وتسهم في السلم والأمن الاجتماعي الوطني قدر المستطاع، وأيضا كي يشمل باقي القطاعات الحيوية كالصناعات والخدمات... ومعها كذلك التوسيع من صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات، وأيضا تمكينه من التخفيض التلقائي للعقوبة.

- العمل على الإسراع بإخراج مشروع قانون السجون الجديد، لكي يتم صياغته وفقا للقدرات والهياكل والمواصفات العالمية المرجوة.

- أيضا في جانب الحديث على الإفراج المقيد بشروط وسبل تفعيله بشكل عملي مع تحديد مقتضياته، سواء كما جاء في مشروع قانون المسطرة الجنائية أو وفقا لما تقتضيه المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

- تبني الاختصاص الدولي إلى جانب الاختصاص الوطني، وتنمية التعاون الجنائي الدولي وكذلك تعميق العلاقات مع السلطات الأجنبية، لما تقتضيه فعالية التصدي للجرائم العابرة للحدود وذات النطاق على الصعيد الدولي .

- التأكيد على مجمل المستجدات التي نص عليها قانون المسطرة الجنائية في مشروعه، والتي نجملها بعضها كالتالي:

 

1- على مستوى تعزيز و تقوية ضمانات المحاكمة العادلة :

وضع آليات للوقاية من التعذيب، تعزيز المراقبة القضائية والإدارية على عمل الشرطة القضائية.

 

2- ومن جانب ضمان نجاعة آليات العدالة الجنائية وتحديثها:

 إقرار آلية التجنيح القضائي وترشيد التحقيق الإعدادي، منح هيئات الحكم سلطة التكييف في الجنح، مراجعة مقتضيات المسطرة الغيابية، اعتماد الوسائل العلمية والتقنية في الإجراءات، تطوير وتقوية آليات مكافحة الجريمة، تقليص مدد رد الاعتبار وفاعليته.

 

ذ/ الحسين بكار السباعي، المحامي بهيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون، مقبول لدى محكمة النقض