لقد أصبحت جائحة كورونا المستجد محط حديث ونقاش الجميع ورعبنا الأكبر. هذه الجائحة وجدت مكانها في معظم دول العالم وما زالت تحصد الأرواح كل يوم. لقد تخطت جائحة كورونا المستجد الحدود دون استئذان ودون ان يستطيع أحد منعها او ايقافها مخالفة غيرها من عائلة الفيروسات مثل انفلونزا الطيور والخنازير.
إن جائحة كورونا لم تفرق بين فقير أو غني، بين مسؤول أو رعية وبين حاكم أو محكوم.
لقد انشغل الجميع بوباء كورونا وتداعياته على مجموعة من القطاعات الحيوية وامتد شعار: بقاو فالدار إلى جميع البيوت عبر كل وسائل الإعلام وعبر رسائل أكبر المشاهير من مختلف الميادين. وأصبح أكثر من نصف سكان العالم في بيوتهم وصار للوقت قيمة كبرى في زمن كورونا حفاظا على أرواح الناس. وهي حاليا لا تقارن بأحداث شتنبر 2011، ولا بأزمة 1929 التي انطلقت من بورصة وول ستريت، ولا بالحربين العالميتين الأولى والثانية التي لم تشمل جميع مناطق العالم. فأزمة كورونا اجتاحت العالم كله وبردود أفعال غير مسبوقة.. لقد اصبح للوقت في وقتنا الحالي نعمة وفائدة. ففي السابق كان الناس يقضون وقتهم في الذهاب والعودة الى أعمالهم بالساعات ومن الناس من كانت أوقاتهم مشغولة بالمقاهي التي اتخذوها مكاتب قارة (bureaux). لكن في زمن كورونا، تغير سلوك الناس من فراغ إلى منفعة ونعمة، وأصبح من الممكن أداء العمل بكل كفاية من البيوت عن طريق استعمال الأجهزة الإلكترونية ووسائل الاتصالات الحديثة واليوتيوب، الواتساب، الفايسبوك. وأصبح رؤساء الدول يستعملون التقنيات الحديثة في اجتماعاتهم دون اتصالات مباشرة، كما أصبحت الدروس التعليمية تم تتم عن بعد لضمان استدامة واستمرارية التعليم بكل الأكاديميات.
ومن العبر المستخلصة من جائحة كورونا المستجد كون بعض الدول العظمى التي اطمأنت إلى تفوقها وهيمنتها على العالم. لكن مع كورونا فقدت تلك المزايا وتفاجأ العالم بصعود دول أخرى كالصين.
لقد ظل التاريخ يخبرنا بأن بقاء الحال من المحال. لقد كانت جائحة كورونا بحق المسمار الأخير الذب دق في نعش النظام العالمي القائم، والذي اثبت عدم صلاحيته في المستقبل.
فللتذكير، أمريكا تدخلت في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ودخولها المتأخر كان سببا في انتصار الحلفاء على دول المحور. وتصاعد دور أمريكا دوليا وأصبح الدولار هو المتحكم في الأسواق المالية. أما اليوم في زمن كورونا، تراجع دور أمريكا وبدت عاجزة عن الوفاء بالتزامات الوقاية الصحية تجاه شعبها. كما أظهرت جائحة كورونا عجز الاتحاد الأوروبي عن إدارة الازمة بشكل مركزي. وأصبحت كلمة المواطن الأوروبي محل اختبار، وأصبح الحديث عن التعاون الأوروبي مجرد شعار هش. فمثلا إيطاليا الجريحة تخلت عنها دول الاتحاد الأوروبي، وسوف لن تنسى خذلان دول لها في محنته. ووجدت المساندة في الصين.
وصفوة القول، يبقى السؤال الذي يطرحه الجميع الآن: متى ينتهي هذا الوباء الفتاك ويعود الناس إلى حياتهم الطبيعية العادية؟ لا أحد.
إذن ما يمكننا فعله الآن هو مواجهة جائحة كورونا بكل الوسائل الممكنة، فإذا كانت حكومتنا قد اتخذت إجراءات وتدابير وقائية استباقية، فدورنا نحن كمواطنين هو اتباع الوقاية الصحية ولزوم البيوت والابتعاد عن الشائعات والأكاذيب، لكي لا نكون عبئا على بلدنا الحبيب.
- خليل البخاري، أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا