سمحت جائحة كورونا بعودة هائلة للإهتمام بالبحث العلمي، خاصة على مستوى الأبحاث المختبرية الساعية لاكتشاف لقاح فعال ضد فيروس كورونا المستجد. وهي الأبحاث التي سجلت تنافسا شرسا، بأبعاد سيادية بين العديد من دول العالم، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وألمانيا وفرنسا وكندا وروسيا. حيث أصبح العلماء والباحثون في مجال علم البيولوجيا والبيوكيمياء نجوما عالميين، تتسابق عليهم مختلف وسائل الإعلام عبر العالم، في مقابل تراجع النجوم الإستهلاكيين الذين ظلوا يشكلون مادة للتواصل الإعلامي الإستهلاكي (بمنطق الإثارة) خلال العشرين سنة الماضية، في مجالات السينما والتلفزيون والرياضة وغيرها.
بالتالي، عاد الإهتمام بصورة العلماء وصورة المفكرين وصورة علماء الإقتصاد والسوسيولوجيا وعلم النفس. أي كل النخب المنتجة للمعرفة، المنتصرة للمشترك الإنساني الضامن للتقدم ولحماية أسباب المناعة في ممارسة الحياة. وأصبح النقاش اليوم، هو مساءلة مدى استثمار الدول والحكومات في المجال العلمي الأكاديمي، ومدى ما تمتلكه من ترسانة علمية وكفاءات بشرية ومختبرات متقدمة. أي مدى ما تمتلكه من سلاح للمعرفة يجد ترجمته في البنية الإنتاجية الضامنة للمناعة (مناعة الدول والشعوب)، المتجلية في مستوى البنى التحتية المتوفرة لديها على مستوى التعليم (مستوى وحجم وقيمة البحث العلمي) والصحة (اللوجيستيك البشري والتقني). أي أن قيمة الشعوب والدول تقاس ليس بنجوم "التولك شو" و"الماس ميديا"، بل بالإستثمار الذي حققته في ثروتها البشرية في كافة أبعاده العلمية والتقنية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية والبيئية. أي ما تمتلكه من مشروع تنموي يحقق نموذجا مجتمعيا منخرطا في منطق التاريخ ومتصالح مع دفتر تحمل عالم اليوم والغد.
ستظهر إذن، ضمن هذا الإهتمام العالمي بالعلماء والباحثين، العديد من مشاريع الأبحاث العلمية الدقيقة في مختلف التخصصات والمجالات، المتقاطعة مع سبل تطوير الآلية العلمية لابتكار وسائل حماية الحياة لكل بني البشر. من ضمنها أبحاث دقيقة بدأنا نكتشف مساهمة رفيعة لباحثين وخبراء وعلماء مغاربة عاملين بالعديد من مختبرات البحث ومراكز الدراسات والبحث العلمي، في كبريات العواصم الغربية من واشنطن إلى برلين، مرورا بباريس ولندن وموسكو وبكين. وهم فريق من العلماء المغاربة، لم نكن نعرف عنهم هنا في ضفتنا المغربية أي شئ، حتى سمحت معركة مواجهة وباء كورونا ببروزهم، بسبب وصول ضوء الإهتمام العالمي بهم ضمن المعركة التي دخلتها البشرية لمواجهة الجائحة العالمية اليوم لكوفيد 19,
من بين الدراسات العلمية التي أثارت انتباهي، دراسة علمية حازت يوم 23 يناير 2020 براءة الإختراع بالولايات المتحدة الأمريكية، حول بحث علمي دقيق متعلق بمصادر انبعاث نبض الليزر، أنجزه فريق من العلماء الباحثين في مجال فيزياء الليزر بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (موزعين بين مختبرات مراكز باريس، سانتيتيان، روون). وهي براءة الإختراع التي جاءت بعد حصول ذات الفريق العلمي على براءة الإختراع من الإتحاد الأروبي. لكن الذي أثار انتباهي في ذلك، ليس بالأساس موضوع البحث العلمي الدقيق جدا، بل وجود إسم باحث مغربي ضمنهم يعمل بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا بمدينة روون، يمتلك مختبرا خاصا به ضمن أبحاث فيزياء الليزر، إسمه سعيد إدلحسن (حاصل على الدكتوراه في فيزياء الليزر وهو من مواليد نهاية السبعينات).
بعد التمكن من الإتصال بهذا الباحث المغربي، الذي يشتغل في صمت، هو الذي راكم العديد من الأبحاث العلمية الدقيقة في مجال عمله نشرت باللغة الإنجليزية في كبريات المجلات العلمية والجامعية والأكاديمية بفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبولونيا وإنجلترا، سأكتشف أنه يشتغل أيضا ضمن فريق للبحث العلمي من الباحثين الصينيين، في إطار اتفاقيات شراكة وتعاون بين المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي وجامعات علمية ومراكز بحث علمية صينية (فريق البحث الصيني هو من جامعة كزيديان، ويضم كلا من كينغوي ديان، غزيانغ هان، كويان فانغ رين). وأن من ضمن مشاريعهم بحث جديدلتطوير دقة علم القياس بالليزر تحقق تدقيقا كبيرا في مجالات تحديد الأشكال والخصائص بدقة تكون لها انعكاسات ملموسة في مجال البحث العلمي الطبي. حيث أكد لي أن الأمر دقيق من الناحية العلمية ولتبسيطه فالأمر أشبه بدراسة البصمات الخاصة للطبيعة كما يسمح بها فيزياء الليزر، وأن ما كان متوفرا حتى الآن يعتبر أن أشكال الجسيمات الصغيرة دائرية الشكل في الطبيعة، وأنهم كفريق علمي (والباحث المغربي سعيد إدلحسن يلح كثيرا على أن العمل عمل فريق ولا مجال لادعاء أي بطولة فردية فيه، وهذا من تواضع العلماء) نجحوا في أن يأخدوا بعين الإعتبار الأجسام غي الدائرية الشكل في الطبيعة، ونجاح تلك التجربة العلمية مختبريا مع ذلك الفريق الصيني سيغير من الكثير من المقاربات مما سيسمح بإنتاج آلات رصد لليزر أكثر دقة، وهذا سيكون له انعكاس إيجابي في كل مجالات البحث المتعلقة بالصورة التي من ضمنها مجالات العلاج الطبي المستند على معلومات أدق في تشخيص الأمراض.
بتدقيق أكبر، فإن الباحث المغربي يوضح أن دراسة تفاعل الجسيمات الناتجة عن تشتت الضوء، ضرورية لتطوير وتحسين القياس البصري. وأن القائم حتى الآن في العالم هو الإنحصار في دراسة الجسيمات الصغيرة، بينما قدموا هم مقاربة تعتمد طريقة جديدة تتمثل في القدرة على التنبؤ بدقة بالتفاعل بين الضوء والأجسام كيفما كانت طبيعتها سواء صغيرة أو كيفما كان شكلها الهندسي سواء كانت دائرية الشكل أو مركبة الشكل. وهذا مؤثر في مستقبل إنتاج آليات القياس بالليزر المحققة للتقدم في مجال المختبرات الطبية وفي مجال التطبيب عموما، من ضمن مجالات أخرى متعددة تتفاعل مع منتوج الصورة والضوء (البحث الجنائي مثلا، السينما والتلفزيون مثلا، صناعة الهواتف النقالة وغيرها).
تندرج أبحاث الفريق العلمي الذي ينتمي إليه الباحث المغربي سعيد إدلحسن ضمن مجال الفيزياء الكوانتية (أو كما تحدد وثيقة منشورة في بحث علمي رسمي للمجموعة التي يعمل ضمنها، ما يوسم ب "لاسبيكتروسكوبي"). ويعتبر البحث العلمي الأخير لهم، الحائز على براءة الإختراع بالولايات المتحدة الأمريكية، من أهم البحوث التي اشتغلت على تطوير نظام التحليل الطيفي للبلازما الصادرة من الجزئيات الدقيقة للضوء ذات معدل التكرار العالية. وأنها تسمح باختصار هائل للبنيات المعقدة المستعملة حتى الآن في هذا المجال وتوسع أكثر مدى ومجال التطبيق. وعلى الأهمية البالغة لهذا الإبتكار العلمي الجديد، فإن من مجالات البحث غير المسبوقة حتى الآن في العالم، التي يشتغل عليها الفريق العلمي الذي ينتمي إليه هذا الباحث المغربي، مجال تطوير شكل التعامل التقني مع الألياف البصرية في مجال الصورة، الذي ستكون له إسقاطات هائلة على مستوى علوم الطب والآليات الطبية. من خلال تطوير تقنية بصرية عالية السرعة تسمح بتتبع الظواهر الشديدة السرعةغير المرئية والشفافة، باستعمال الليزر والألياف البصرية، بمعدل 80 ميجاهرتز (أي 80 مليون صورة في الثانية)، وهذا تطور علمي كبير سيساعد في تطوير المعرفة العلمية المرتبطة بمجال الصورة، ستكون له إيجابيات هائلة على مستوى التشخيص في المجال الطبي مثلا.
تجدر الإشارة أيضا، إلى أن مجال اشتغال الباحث المغربي إدلحسن المندرج ضمن الفيزياء الكوانتية، يعتبر مندرجا ضمن خانة ما يطلق عليه ب "الثورة الكوانتية في الفيزياء". وهي الثورة التي سبق وكتب عنها المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري في الجزء الثاني من كتابه الهام "مدخل إلى فلسفة العلوم"، المعنون ب "المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي"، خاصة في الفصل الثالث من القسم الثاني منه. حيث نجد تفسيرا دقيقا لمعنى "الكوانتا" كما بلورها العالم الألماني ماكس بلانك (1858-1947) في بداية القرن 20، حين قال بأن الطاقة مثلها مثل المادة والكهرباء لا تظهر إلا بصورة منفصلة متقطعة، أي على شكل حبات أو وحدات محددة تسمى في الإصطلاح العلمي ب "الكوانتوم" (الذي جمعه كوانتا)، فالكوانتوم هو أصغر كمية من الطاقة يمكن إطلاقها أو امتصاصها. ولقد اعتبر بلانك (يقول عابد الجابري) أن الضوء عبارة عن طاقة تسري على شكل كوانتوم، أو "كميمات" (التي هي تصغير ل "كم" من الكم)، أي أنها وحدات لا تقبل التجزئة. بينما أبحاث الفريق الذي ينتمي إليه الباحث المغربي سعيد إدلحسن، تجاوزت هذه التحديدات الفيزيائية إلى ما هو أكثر تقدما في مجال تدقيق أشكال تكون الكوانتوم، بالشكل الذي يفتح الطريق لإنتاج آلات علمية طبية تعتمد الليزر أكثر دقة في مجال التشخيص.
واضح أن معركة المستقبل ، أمام جائحة الكورونا، هي معركة العلم ومعركة تملك التكنولوجيا الدقيقة المتطورة، ومن المجالات التي سمح لنا تتبع هذه المعركة بالوقوف عندها، مجالات الموجات الضوئية التي جعلنا الإطلاع على عدد من الأبحاث المنشورة بخصوصها (المشتغلة على تناثر الضوء إلى جزيئات وتفاعله مع الأجسام التي تحتوي ذلك الضوء)، إلى اكتشاف باحث مغربي شاب باعتزاز مثل الباحث سعيد إدلحسن، تماما مثلما تم اكتشاف باحثين مغاربة آخرين ضمن فرق البحث العلمي بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا. مما يجعلهم مفخرة للمغرب وللبحث العلمي الإنساني في المطلق، خاصة حين نكتشف أن أغلبهم درس بالمدرسة العمومية المغربية وهاجر إلى جامعات العالم ومراكز البحث العلمية بالعالم لتطوير قدراتهم وملكاتهم العلمية والأكاديمية والمعرفية، مما يعتبر درسا (ونحن في بلادنا بصدد التفكير في مشروع وطني كبير للتنمية) في أن نقتنع أن معركة المستقبل هي معركة الإستثمار في العنصر البشري من موقع المعرفة وسلاح العلم. ولعل هذا واحدا من أكبر الدروس التي مفروض أن نستوعبها أمام جائحة عالمية مثل جائحة كورونا. ويقدم لنا الباحث المغربي الشاب سعيد إدلحسن خير المثال على ذلك، فقد درس مرحلته الإبتدائية في مدرسة قروية بأعالي الأطلس الكبير (مدرسة آيت عشت، التابعة لجماعة أربعاء أسايس، دائرة تالوين بإقليم تاردوانت)، وأكمل دراسته الثانوية كتلميذ داخلي بثانوية تالوين، ثم بكلية العلوم بجامعة بن زهر بأكادير قبل أن يلتحق بفرنسا لإتمام دراساته العليا بإصرار مكنه من الحصول على الدكتوراه في مجال فيزياء الليزر وهو اليوم باحث بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، يشارك ضمن فريق علمي في تأطير ورشات علمية دقيقة بمختلف قارات العالم.