الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

منعم وحتي: ليلة كورونا برائحة داعش

منعم وحتي: ليلة كورونا برائحة داعش منعم وحتي

رسالة إلى جماعات الإسلام السياسي، سواء السرية أو الممثلة في الحكومة أو التي خارجها، أو المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين أو المرتبطة بجماعات تكفيرية عالمية :

 

إن أرض المغرب، كانت وستظل أرض تسامح وتعايش بين المختلفين، واعتدال في العيش والدين، الدين الذي رضعناه من أثداء أمهاتنا، بفطرته التي يغلب عليها العيش المشترك وتقبل الآخر، إلى درجة أن كل الأديان والأجناس عاشت وسطنا دون أي إشكال، وتعاقبت على المغرب حضارات وملل منذ غابر الأزمنة، ما أعطانا مناعة تمثل العيش المشترك، واعتباره جوهر هذا الفيسفساء الذي يجمعنا بتمازج مشاربنا وتعددنا لغويا وعرقيا ودينيا وفكريا..

 

إن تفشي وباء فيروس كورونا، أظهر هذا المعدن الطيب للمغاربة، الذين يحرصون على بعضهم، ويتعبؤون لحماية بعضهم، وينشرون الوعي ومقومات الوقاية والسلامة، لدرجة أن هناك من أدهشنا بإبداعاته صوتا وصورة وكتابة ورسما، لإيصال صوت الحكمة الوقائية الذي يمكن أن يوصل مركب المغاربة لبر الأمان، وكذا ايضا لا يفوتنا التنويه بنساء ورجال الأمن والصحة الذين كانوا في قمة التواصل الإنساني والتضحية بأنفسهم بالشوارع لطمأنة الناس وحفظ ارواحهم وضمان سلامتهم وذويهم.

 

لكن لا بد أن يستفيق دائما وسط هاته اللوحة الجميلة من يخدش روعتها، ومن يستهويه هدم تماسك بنيان المغاربة في مواجهة مآسي الوباء، والذين لن نسمح لهم بنسف معيشنا المشترك الواعي. وبحكمة تضامننا في معركة مواجهة تفشي المرض، وأستعير نفس عبارة أحدهم، لن نسمح لهواة تهييج السباحة في المياه العكرة بأن يمروا..

 

أطرح سؤالا عريضا: لماذا اختارت هاته الزمرة المتأسلمة، نفس اليوم ونفس التوقيت الذي حددته مبادرة بعض المواطنين لرفع نشيد البلاد، بتجييش أتباعهم لشيء آخر مخالف للمبادرة ؟ أكيد أنه مقدمة لفوضى مقصودة في هذا الظرف العصيب جدا؟

 

مداخل الأجوبة، نستقيها من طبيعة الأطراف التي وجهنا لها الرسالة، لكن القاسم المشترك بينها، أن فعلها الشنيع لجريمة ليلة أمس فيه رائحة نتنة لاستغلال الدين السمح للمغاربة والمتاجرة، كأنهم أوصياء عليه، وفيه لعب على وثر خوف المغاربة من الوباء، ولتوسيع دائرة استقطاب الناس لأطروحاتهم الماضوية والتكفيرية والجهادية، ولتأليب الهوامش على سلطة الدولة والناس الآمنة، رغم أن الأغلب الأعم للإجراءات الاحترازية للدولة لحدود اللحظة كان سليما، فلقد اطلقوا الرقاة "الشرعيين" في بداية الأمر لتوهيم الناس بأن الفيروس وهم وأن الطب "النبوي" فيه دواء الوباء، وأن الدولة تهول فقط من الوباء، وتساهلت الدولة مع هاته السموم المبثوثة، بعدها انطلقت الحملة الثانية بخروج أشباه الفقهاء والدعاة المتأسلمين، وسماحة دين المغاربة تتبرأ منهم، وقد كفروا المغاربة وأعلنوا الحرب على الدولة، ودعوا لفتح المساجد بالعنف، رغم أن قرار الدولة بغلق الجوامع اجراء احترازي يحفظ الأرواح والأبدان ويقيهم من التهلكة، وله سند في روح القوانين والاديان. لكن الموجة الثالثة هي الأخطر، حيث نزلت أدرع كل هاته الجماعات المتأسلمة بكل ثقلها وفي نفس الوقت لإفشال مبادرة رفع نشيد البلد من المنازل، بإعلان الإعداد لجريمة مدبرة لنسف ترديد النشيد، وتهييج أنصارهم في مواقع التواصل الاجتماعي والهوامش، تحت مبرر تكفير الدولة والناس وضرورة رفع التكبير بدل النشيد والخروج للشوارع وعصيان الحظر الصحي والدعوة للتجمهر والتظاهر في الأزقة، ورفع التكبير بشكل منظم ومنسق لإيقاف ترديد النشيد...

 

إنها جريمة مكتملة الأركان ضدنا جميعا، ورغبة مبطنة تستهدف رفع عدد الإصابات بالوباء بشكل مهول، إنه استهداف خطير للأمن الصحي للمغاربة، وأمن الأسر، انه استهداف لقوة الدولة التي نحتاجها الآن -رغم كل التحفظات-، إنه استغلال بشع لمآسي المغاربة وخوفهم لتهييج معتقداتهم قصد تعميم الفوضى.. بكل بساطة إنها الفوضى الخلاقة باستغلال الدين، والتي ستدمرنا جميعا..

 

اجلس في منزلك، واحترم المبادرات الحضارية لغيرك، واختر أياما اخرى لمبادراتك، ومارس حرياتك المدنية لمقاومة الوباء، فكبر وحوقل وبسمل كما تشاء في بيتك، فأينما وليتم وجوهكم فثمة وجه الله، وغني واعزف فالإبداع يساعد على التحدي والاستمرار في الحياة، فنحن نتكامل بشكل حضاري يحمي عيشنا المشترك.

 

لكن الأكيد أن المغاربة لحمة واحدة ولن يدعوا داعش وأخواتها تستغل لحظة وهن المجتمع، لإخراج سمومها والتسبب في سقوطنا جميعا فريسة الوباء والجهل والغباء والتجييش الديني..

 

إننا على دين أمهاتنا السمح والمتسامح الذي لقننا إياه في بيوتنا، ولن نسمح لتطرف الدواعش أن يستشري بيننا، ولو كنا وسط معركة مواجهة الوباء. ولتعد الدولة النظر في مناهجها التي فرخت هذا الوباء الفكري للجهل المقدس.