السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

حسن لحمادي: في زمن الكورونا، لنستخلص العبر من النموذج الإيطالي

حسن لحمادي: في زمن الكورونا، لنستخلص العبر من النموذج الإيطالي حسن لحمادي

عوض البكاء والحسرة على ما حل بهم من جراح الفراق والموت الذي يخطف الرجال والنساء في عز الثورة التكنولوجية، يخرج الإيطاليون للغناء كبديل لاستشراف المستقبل بعد أن تحول الحاضر إلى مقبرة جماعية ستبقى موشومة في أذهان كل الأجيال. هذا السلوك الإنساني أملته الظرفية من أجل التخفيف من الآلام والأوجاع حتى تنتعش أرواحهم بالغناء وتسمو سمو النجوم... كما قالت الفنانة اللبنانية فيروز "فالغنا سر الوجود".

 

فأغنية  bella Cao أغنية ايطالية ظلت تتغنى بها كل الأجيال حتى التي عايشت القهر والذل والاضطهاد الفاشيستي الموسوليني، تتغنى بنسائم الحرية ونهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازيين والفاشيين على يد المقاومة الايطالية بدعم من الحلفاء.. لهذه الأغنية امتدادات جماهيرية، فهي بمثابة جرعة أمل تخفف من حدة الحزن الرهيب وتقوي حبال جسر الوحدة الوطنية، لترسم أفقا مشرقا للإنسانية.. وهذا ليس بجديد على إيطاليا بافاروتي، بوتشيلي، ادريانو تشيلينتانو، طوطو كوطونيو، داليدا، والمخضرم صاحب الصوت القوي والشجي صاحب أغنية strangers in the night فرانك سيناترا، أمريكي من أصل إيطالي؛ وآخر العنقود المغني الذي ذاع صيته  إيروس رامازوتي...

 

إيطاليا التي غزت العالم قبل الميلاد، ونشرت حضارة روما، عاشت على مر العصور حروبا وأوبئة، والسجلات التاريخية شاهدة على مخلفات الطاعون والأمراض التنفسية والمتنقلة جنسيا...

 

فيروس كورونا لن يخيف الإيطاليين، فقد راكموا خبرات علمية، وتغلبوا على المدن الأشباح التي كانت تفوح برائحة الموت، لكن الحياة تستمر ومعها تمتد حضارة العمران وعلوم الفلك والطب وصناعة البواخر وغيرها من المجالات والحقول المعرفية التي حولت إيطاليا إلى مركز ثقل العالم ونقطة ارتكازه....

 

من منا يتذكر مغامرات كريستوف كولومب وركوبه أمواج المحيط الأطلسي واكتشافه للعالم الجديد، لن ننسف التراث السياسي ورزانة وحنكة ماكيافيلي في تدبير أمور الأمير ودواليب الدبلوماسية.. التاريخ يشهد على نبوغ المفكر والفيلسوف واللساني أمبيرطو إيكو الذي اكتسحت كتبه وابحاثه رحاب الجامعات والمكتبات والأندية الثقافية العالمية، كما أن الذاكرة السينمائية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنسى أفلام كبار المخرجين الايطاليين من طينة فيليني وبرطولوتشي والممثل العظيم أنطوني كوين وأيقونتي الشاشة مونيكا بيلوتشي وصوفيا لورين... إنهم يا سادة: الإيطاليون الذين فتحوا بيوتهم ومدنهم وقراهم للمضطهدين من كل بقاع المعمور.... كرمهم الحاتمي يتذكره كل المهاجرين ويدعون لهم في كل دقيقة وفي كل ساعة بالرحمة وبالشفاء، وأن تعود إيطاليا "الأم الحنون"، كما كانت منفتحة راقية متحضرة تغرق بك في دروب المحبة والإخاء.

 

عشاق الكرة بدورهم يستحضرون نجوم المستطيل الأخضر الاستثنائيين والفنانين والمبدعين، في مقدمتهم  روبرطو بادجيو ومالديني وروسي...

 

إيطاليا ليس فقط بقعة جغرافية تنتمي إلى القارة الأوروبية، بل هي الحاضنة للتراث الإنساني للقيم الكونية التي افتقدناها في زمن الإكشوانات ونجوم الكارطون ومتلاشيات الحضارة الحديثة من أشباه الفنانين  وبعض الكائنات التي تسكن اليوتوب تغرق في التفسخ  الاخلاقي والفكري في أبشع صوره، جاءت إلى هذا العالم بقدرة قادر من أجل نشر التفاهات والضحالة، وأصبحت نماذج ناجحة، كما نجح فيروس كورونا في حصد الأرواح وغلق الحدود الجغرافية والثقافية وتغيير نظرتنا للعالم  .

 

فهل نحن المغاربة قادرون على استخلاص العبر من النموذج الإيطالي؟ أم أننا نعشق الارتماء بين أحضان الفوضى والاحتجاجات في عز أزمة صحية لم يشهدها المغرب في تاريخه؟

 

إذا كانت الشعوب تعبر عن انتظاراتها الثقافية ومخاوفها بطرق حضارية مثل التعبير الفني الموسيقى أو التعبير بلغة الصمت لإيصال رسائل كونية، فإن البعض كما حدث في فاس وطنجة وسلا يضرب عرض الحائط التعليمات الصحية، ويجهض كل الجهود الاستباقية التي تبذلها مؤسسات الدولة لتطويق كورونا وحماية البلاد والعباد .

 

- حسن لحمادي، صحافي وباحث في التواصل السياسي