والعالم يحتفى بعيد المرأة، الذي يصادف ثامن مارس من كل عام، وبإيعاز من صحفي عزيز، كان أصغر طلبتي في السبعينات، وأكثرهم ميلا للتأمل منذ البدايات، ويلزم الصمت بحيث لا يتكلم إلا إذا سألته، ويجيب بتركيز... منذ ذلك الحين بزغ نجم الكتابة اليومية لديه، يتتبع الأحداث، يفحصها ويتقاسمها مع القراء.. إنه "ل.م"، الذي يتساءل اليوم: لماذا أستاذته تكتب في كل شيء وعن كل شيء يوميا، ولا تكتب عن عيد المرأة... وتبوح بسرها المخزون لأمر في نفس يعقوب، وربما كان ذلك لتفادي الخوض في موضوع ذي شجون.
أما بعد، فأقول إن للمرأة، هذا الكائن البشري الراقي، حواء أم البشرية، لا تستحق عيدا في العام يستغله الكثير لتمرير سلع أو أفكار.. المرأة، أما وأختا وزوجة وبنتا وزميلة في العمل وصديقة وحبيبة كائن بشري، نصف الرجل وعماد المجتمعات الراقية... وعبر التاريخ كان المجتمع الإنساني قبل الأبيسية مجتمعا يعتمد المرأة أساسا له... وما زال في بعض الدول، حيث تتمتع المرأة بشخصية وبمكانة محترمة، حتى ولو كانت مطلقة، بل تقيم عرسا على ذلك، كما في قطر شقيق (موريتانيا)، بينما في بلد غيره لا يستساغ الطلاق وهو حلال.
عيد المرأة يذكرني بالمآسي التي عانت منها المرأة عبر التاريخ، من ذلك نساء لما أضربن عن العمل أغلق صاحب المعمل عليهن المعمل، ومتن جوعا وقهرا واختناقا.. ولكن المرأة في بلدي المغرب تمتعت بحقوق متفاوتة، حسب الأسر والعقليات.. في عهد المغفور له محمد الخامس برفع الحجاب عنها وتمدرسها.. ومنهن كانت أول طيارة. وفي عهد المغفور له الحسن الثاني، المرأة الشرطية.. وفي عهد الملك المحبوب محمد السادس، المرأة تسوق الطاكسي.. وفي مناطق كثيرة تشتغل في المعمل في الحقول وفي البيت...
في الواقع تستحق المرأة كل تكريم، لكن وددنا لوكان كل يوم وكل لحظة.. بما في ذلك المرأة الخادمة التي لا تعفى من إدارة البيت، بما في ذلك المرأة الدمية التي لا ينصفها أحد وقد دفعتها ظروف لذلك تستلزم الاحترام وخلق فرص لشغل كريم لها ولأخيها الرجل معا.
الحديث عن المرأة يذكرني بليلة امرأة شابة في الثلاثين لما توفي بعلها، وكان عالما، وله بيت كتب، وزعها أعمام بناتها على الذكور، معتبرا ابنها ما زال رضيعا، وبناتها ليس من حقهن الدرس والتحصيل، فاحتضنت بمسؤولية عشا مبعثرا أفراخه (زغب الحواصل) وتعهدت بتربيتهم وتعليمهم بمن فيهم الإناث...
ما قاله دوركهايم عن الإنسان يصدق على المرأة، هي كائن حيوي في داخله كائن اجتماعي، ويتوج ذلك حديث معناه أن الابن يولد وأبواه يصنعان منه ما يشاءان، والمجتمع الناجح هو الذي لا يفرق بين الأنثى والذكر إلا في جنس كل منهما، أما ما عدا ذلك، فهما سيان في الحقوق والواجبات، وفي قابلية دماغ كل منهما أن يصبح ما يريده له مربوه.
كلمة أخيرة: "النساء شقائق الرجال لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم"...
- صفية أكطاي السباعي، كاتبة