الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد ناشيد: بوليف ترجم قناعة الأصوليين الذين انزعجوا من العودة القوية للملك

سعيد ناشيد: بوليف ترجم قناعة الأصوليين الذين انزعجوا من العودة القوية للملك سعيد ناشيد
المفارقة عند الأصوليين هي جزء لا يتجزأ من النفاق الديني الذي هو منهاجهم في آخر المطاف، أي العيش بوجهين، لأن ما يروجونه في خطابهم العلني لا يمكن تطبيقه بإطلاق، إما لأن زمنه قد تغير، ومن ضمن ذلك كل المتعلقات بنظام العقوبات، أو لأنه لا يمكن تطبيقه منذ البداية، كان هناك فقط سوء فهم ومزايدات ذات طابع إيديولوجي هذا هو الخطير، أن نحول الدين إلى مزايدة، نزايد على الآخرين لنسكت أفواههم، نزايد عليهم لأنهم يشكلون خطرا على الدين، نزايد عليهم بأننا نقدم أنفسنا بأننا نحن حماة الدين، أما في الأصل فمعظم ما يروجه الأصوليون لا يمكن العيش به لأنه مناقض للطبيعة، ومناقض أيضا للحياة المدنية المعاصرة، ومن ضمن ذلك ما يسمى القرض بالفائدة الذي يعد جزءا لا يتجزأ من نظام المعاملات المالية، ولا يمكن بإطلاق في أي زمن، أو في أي مجتمع، وفي أي تجربة أن نضمن للناس قروضا بلا فوائد، لأن تقديم قروض بلا فوائد يعني انهيار الأبناك وانهيار العمل المصرفي.
الأصوليون يقدمون أنفسهم في نهاية المطاف باعتبارهم السلطة الدينية ذات المرجعية الوحيدة في الإفتاء، وحتى وإن لم يقولوا هذا في العلن، فإنهم يمارسونه من خلال الإفتاء، ثم إنهم يعتبرون أنه من حق أي اسلامي يمتلك الصفة السياسية أن يكون مفتيا بصرف النظر عن مساره العلمي أو التكويني، هم يدخلون هذا ضمن ما يسمى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعتبرون هذا حقا لكل مسلم، ولا يؤمنون بأي نوع من أنواع التخصص التي هي ذات طبيعة مؤسساتية، وهم لا يؤمنون بدولة المؤسسات في آخر المطاف، علما أن هناك جهات معينة موكول لها أن تفتي، وجهات معينة مكول لها أن تأمر ببعض الواجبات الأخلاقية، هم جزء من تركة عصر التوسعات الإمبراطورية حيث لم تكن هناك مؤسسات ولا ثقافة المؤسسات.
الرجل فضح، وكشف المسكوت عنه في ما لا يتجرؤون على قوله في كثير من المسائل. الأصوليون يستنكرون تصريحات بوليف الآن، ليس لأنهم يختلفون مع الجوهر، هم يستنكرون لأنهم يزعمون أن الظروف ليست مواتية لقول ذلك، وبأن الصيغة ليست مناسبة، وما إلى ذلك من دواعيهم السياسية. أما موقفهم الحقيقي هو بالضبط ما قاله بوليف، وهم يفضلون العمل بالتقية، بل ويؤصلون للتقية، وهم يعتبرون أنفسهم لا يعيشون ظرف التمكين، ويقدمون أنفسهم كمغلوبين، حتى ولو أنهم يقودون الحكومة، وحتى وهم يسيطرون في الانتخابات، ويخترقون الإدارات، وحتى وهم يسببون المتاعب للكثير من الناس، وحتى وهم يوزعون الأموال العمومية على جمعياتهم، فهم دائما يقدمون أنفسهم كمغلوبين، وأن هناك دولة عميقة تناهضهم، وأن هناك ما كان يسميه بنكيران «العفاريت والتماسيح» يستهدفونهم.
وفي الأخير دعني أكون معك صريحا فما صرح به بوليف يعد رسالة من الأصوليين موجهة إلى جهات عليا في البلد بأن هناك أمورا لا يجب أن تتدخل فيها أعلى المستويات في البلد، مفادها «نحن لا نرحب بالعودة القوية للملك». هذا هو جوهر الرسالة التي يراد إيصالها، لأن الفراغ الموجود في الحقل السياسي مكنهم من اختراق الكثير من الدواليب والمؤسسات، وبالتالي فهم غير مرتاحين لهذه العودة القوية للملك.
 

سعيد ناشيد، مفكر وباحث في شؤون الإسلام السياسي