الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

رحيل مهندس برنامج "النفط مقابل الغذاء بالعراق" المغربي محمد الزجاري

رحيل مهندس برنامج "النفط مقابل الغذاء بالعراق" المغربي محمد الزجاري محمد بنمبارك

رحل في صمت الأسبوع الماضي بالرباط محمد الزجاري، الخبير الأممي، مهندس برنامج  "النفط مقابل الغداء بالعراق" مدير ببرنامج الغداء العالمي بروما، بعد صراع طويل مع المرض وبعدما قضى سنوات طويلة من العمل الإنساني بعدد من مناطق العالم.

 

يقول محمد بنمبارك الدبلوماسي السابق بحسرة كبيرة، إن الدور الذي قام به محمد الزجاري، كممثل للأمين العام للأمم المتحدة بالعراق، لم يحظ برضا الإدارة الأمريكية، التي كانت منزعجة من نشاطه وتحركاته بهذا البلد العربي والعلاقات التي نسجها بالقيادة العراقية ومساعيه الإنسانية في إطار الدور المنوط به، فلم تمهله الإدارة الأمريكية طويلا بعد دخول برنامج النفط مقابل الغداء حيز التنفيذ، بل ضغطت لإنهاء مهامه بالعراق، حيث تقرر إعادته للعمل ببرنامج الغذاء العالمي بروما، ليواصل مشواره كمدير بإحدى إدارات هذه المؤسسة الدولية.

 

في أعقاب صدور قراري مجلس الأمن الدولي رقم: 706  غشت 1991 و 986 أبريل 1995، اللذين أتاحا للعراق ببيع جزء من نفطه واستخدام العائدات المالية في شراء الاحتياجات الأساسية الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة، كان العراق قد رفض العرض الأممي جملة وتفصيلا باعتباره ينتقص من السيادة العراقية ويضع البلاد تحت الوصاية الأممية، لكن تواجد محمد الزجاري بالعراق واضطلاعه بخبايا المشروع في جوانبه الايجابية والسلبية وجوانب المصلحة والضرر للعراق، وما تجمع لديه من معلومات ومعطيات وتقارير عن الوضع الإنساني المأساوي الذي يعاني منه غالبية الشعب العراقي -يوضح بنمبارك- دفعه إلى فتح قنوات حوار مع قيادات للحزب الحاكم خاصة مع وزير الخارجية طارق عزيز ووزير التجارة مهدي صالح، لإقناع الرئيس صدام حسين بالموافقة على العرض الدولي باعتباره المنفذ الوحيد لتمكين العراق من تخفيف وطأة الحصار واختراقه، وفتح قنوات للإمدادات الإنسانية لفائدة الشعب العراقي.

 

وبذلك نال المرحوم ثقة العراقيين ومن بينهم الرئيس صدام حسين، الذي طلب من الحكومة العراقية التعاون معه وتسهيل مهامه والإنصات لمقترحاته ونصائحه، ساعده في نيل هذه الحظوة كونه مغربي، ولا يخفى على أحد مدى الاعتزاز والتقدير الكبيرين اللذين يحظى بهما وقتها المغاربة لدى العراقيين، الذين ثمنوا وقوف المغرب إلى جانب العراق في محنته، ومساعيه في كل المنتديات الدولية والعربية دفاعا عن مصالح هذا البلد العربي الشقيق. وبالفعل فقد أتت الحوارات الصادقة لمحمد الزجاري مع القيادة العراقية أكلها بموافقة العراق على العرض الدولي، بدخول العراق مفاوضات مع الأمم المتحدة كللت في العشرين من مايو 1996 بتوقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة العراقية والأمانة العامة للأمم المتحدة، حول تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم: 986 الأنف الذكر.

 

لقد تعرفت على المرحوم الزجاري -يقول بنمبارك- عندما كنت أمارس مهامي كدبلوماسي بالسفارة المغربية ببغداد 1987/1997، حيث التقيت به لأول مرة سنة 1992، حين عين ببغداد مكلفا بمهام مساعد الأمين العام للأمم المتحد للشؤون الإنسانية بالعراق ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالعراق، خلفا لشخصية أمريكية كانت مثار نزاع وخلاف بين العراق والأمم المتحدة بسبب الأدوار السياسية والاستخباراتية التي كان يقوم بها لصالح الإدارة الأمريكية في حين أن مهامه كانت تقتصر على الجوانب الإنسانية البحثة. وبذلك يكون المرحوم قدم نموذجا مثاليا للموظف الدولي الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، فصمد أمام الضغوط والتحرشات الأمريكية وأدى مهامه أمام العراقيين والأمم المتحدة بكل ثقة ورباطة جأش ومصداقية وحرفية قل نظيرها، وقد نال بذلك تقدير واحترام القيادة والشعب العراقيين وكل من عرفه واقترب منه، كما قدم صورة مشرفة ومشرقة بالعراق زمن المحنة والأزمة عن المغرب والمغاربة، يختتم محمد بنمبارك حديثه عن المرحوم الزجاري الذي ترك بصمته كشخصية إنسانية فذة مستقلة أدت رسالتها ورحلت في صمت وسكون.