الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

 سعيد الكحل: حزبكم يا رئيس الحكومة من يزرع اليأس ويسيء إلى المؤسسات 

 سعيد الكحل: حزبكم يا رئيس الحكومة من يزرع اليأس ويسيء إلى المؤسسات   سعيد الكحل
في كلمة ألقاها رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية أمام أعضاء المجلس الوطني للحزب يوم السبت 11 يناير 2020 ، حمّل منتقدي الأداء الحكومي مسؤولية إشاعة ثقافة التبخيس والتيئيس والإساءة إلى المؤسسات الدستورية . لم يسأل رئيس الحكومة نفسه ما الذي جعل المواطنين يفقدون الثقة في المؤسسات ويسيء عدد منهم إليها. وهل سيجد اليأس سبيله إلى النفوس المطمئنة إلى ظروف العيش الكريم وجودة الخدمات الاجتماعية ؟ هل يمكن لرئيس الحكومة أن يوضح للمواطنين "اليائسين والمسيئين" الفرق بين مغرب 2011 ومغرب 2020 من حيث الخدمات الاجتماعية والحقوق والحريات والشغل والرشوة والفساد الإداري والاقتصادي ؟ لا شك أن المسؤولية السياسية والأخلاقية تقتضيان من أي مسؤول حكومي أن يصغي لانتقادات المواطنين ويستوعب انتظاراتهم ويفهم ويتفهم مطالبهم لأنه ملزم دستوريا بجعل الدولة ومؤسساتها في خدمة المواطنين وليس العكس . فأين رئيس الحكومة من هذه المسؤوليات والانتظارات؟ وما الذي حققته الحكومة التي يرأسها حزب العدالة والتنمية منذ 2011 إلى الآن ؟ قد ينجح رئيس الحكومة في تضليل أعضاء حزبه الذين درجوا على "السمع والطاعة" ، التسليم بدل الانتقاد لكن شمس الحقيقة لن يحجبها غربال الكذب مهما حاول رئيس الحكومة تضليل عموم المواطنين . وتكفي تقارير المؤسسات الرسمية لتُبهِت مزاعم العثماني بكون حكومته حققت عدة إنجازات بخسها خصومه . 
1/ على مستوى الرشوة/الارتشاء :أين حزب رئيس الحكومة من شعاره الانتخابي "صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد" ؟ لا يحتاج المواطنون لمن يشرح لهم مراتب المغرب في مؤشر الفساد والرشوة ، فهم يعيشون الواقع الذي جعل 74 في المائة منهم يؤمنون بأن حكومة البيجيدي ليست فقط عاجزة عن محاربة الفساد ، بل تقوم بعمل سيء لمواجهة الظاهرة. هذا الواقع هو الذي أفقد المواطنين الثقة في مؤسسات الدولة وهم يلمسون ضعف الحكومة وتواطؤها مع الفاسدين رغم علم رئاستها بأن هذا الفساد يكلف المغرب 2% من إجمالي الناتج الوطني. ليعلم السيد رئيس الحكومة أن الثقة تُبنى انطلاقا من فعالية المؤسسات وتطبيق القانون على الجميع ، كما تهتز بفعل المفارقات التي يشهدها ويلمسها المواطنون في تعامل مؤسسة القضاء مع ملفات الارتشاء ؛ إذ في الوقت الذي يُقدَّم شرطي أو دركي إلى المحاكمة بعد تلقيه 20 درهما رشوة فيتم عزله من الوظيفة ، يستغرب الرأي العام الوطني لمتابعة مسؤول جهوي تلقى رشوة مليار سنتيم في حالة سراح ، فيما تمت تبرئة آخرين. فكيف سيثق المواطنون في مؤسسة القضاء وهم يعاينون كيف تم الحكم على شخص فقير سرق "صندالة " بلاستيكية بسنة سجن نافذ فيما مختلسو المال العام لم يخضعوا حتى للمحاكمة . كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يقنع المواطنين أنه جاد في محاربة الفساد وهو على نهج سلفه بنكيران في "عفا الله عما سلف" ؟ 
إن حكومة البيجيدي ، لم تكتف بالعفو عن الفاسدين وناهبي المال العام ، بل اتخذت قرار محاكمة فاضحي الفساد لتكميم افواههم؛ ولعل الملفات المعروضة التي يُتابع فيها فاضحو الفساد خير دليل على فشل الحكومة ورئاستها في محاربة الفساد والرشوة. 
2 /  التهرب الضريبي هو أحد أوجه الفشل الحكومي في محاربة الفساد المالي وتنمية موارد الخزينة. هذا العجز الحكومي تستغله حوالي %60 من الشركات الخاصة في التهرب من أداء الضريبة مما يكبّد ميزانية الدولة خسائر مالية تقدر بـ30 مليار درهم سنويًا، أي ما يعادل %8 من الدخل الإجمالي الخام في المغرب حسبما صرح به نور الدين بن سودة ،المدير العام السابق لمديرية الضرائب بوزارة المالية والاقتصاد،فيما كشف تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات (سبتمبر 2019)، عن كون 2% فقط من الشركات المغربية من يدفع الضرائب. فالأمر لا يقتصر على التملص الضريبي ، بل إن الحكومة أعفت المحظوظين  خلال 2017، من أداء ضرائب بقيمة إجمالية تجاوزت 29 مليار درهم، بينما تثقل كاهل الموظفين والأجراء والمتقاعدين بالضرائب ، إذ ، حسب المديرية العامة للضرائب فإن 47 % من الموظفين والأجراء هم الذين يؤدون الضريبة على الدخل ويساهمون بأزيد من 75 % من الموارد الإجمالية للضريبة على الدخل، في حين أن أصحاب المهن الحرة لا يساهمون سوى بنسبة 5 % من موارد هذه الضريبة.
3 / تهريب الأموال والثروات الوطنية . رغم المشاكل الاقتصادية والعجز الفظيع في الميزانية، تبقى الحكومة عاجزة عن حماية الثروة الوطنية من النهب والتهريب.  فالمغرب يحتل المركز 34 من بين 149 بلدًا شملها تصنيف منظمة النزاهة المالية العالمية ،حيث فاقت الأموال المهربة من المغرب إلى البنوك الخارجية خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2004 و2013، الـ41 مليار دولار أمريكي، ما يعادل ثلثي ميزانية المغرب السنوية، بمتوسط تهريب أربعة مليارات دولار سنويًّا. وكشف  التقرير أن المغرب خسر أكثر من 37 مليار درهم بسبب تهريب الأموال إلى الخارج خلال فترة ممتدة على عشر سنوات، تحديدا من 2006 إلى 2015، وفق تقرير للنزاهة المالية. لكن ما لا يمكن هضمه هو أن المغرب يتوفر على شواطئ  بـطول 3500 كيلومتر ، أي ما يعادل 115 ألف كيلومتر مربع كمساحة بحرية تضع المغرب في الرتبة 17 من أصل 25 دولة من أكبر منتجي السمك عبر العالم، بإنتاجه حوالي 1.35 مليون طن؛ إلا أن العائد السنوي لهذه الثروة البحرية الهائلة لا يتجاوز 247 مليون دولار من الأرباح وأسعار السردين مثلا في المغرب تفوق نظيرتها في إسبانيا.فكيف للمواطن البسيط الذي تكويه الأسعار أن يحترم الحكومة التي لا تطعمه سمك وطنه بثمن معقول. 
4/ ضعف/انعدام الخدمات الاجتماعية . كيف للمواطنين أن يفتخروا بالمؤسسات العمومية ، خاصة التعليم والصحة والتكوين المهني ، وهم إما محرومون من خدماتها أو يائسون (الموعد الطبي يتجاوز في كثير من الأحيان سنة ، 400 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويا ، مليون ونصف شاب بدون تكوين أو تعليم)؟  
فمن يبخس ، إذن ، مؤسسات الدولة مصداقيتها ويسيء إليها ؟ هل سأل رئيس الحكومة عن السبب المباشر الذي جعل ربع الطاقة الشابة والمنتجة تفكر وتخطط للهجرة خارج المغرب ؟ لم يولد المغاربة يائسين وفاقدين الثقة في مؤسسات الدولة ، بل سياسة الحكومة وطريقة تدبيرها للشأن العام هما سبب التيئيس والتبخيس . فحكومة البيجيدي ألغت صندوق المقاصة بمبرر تجويد وتعميم الخدمات الاجتماعية ، والنتيجة ارتفاع مهول في الأسعار وانعدام وتردي لتلك الخدمات . نفس الأمر فيما يتعلق بالإجهاز على المكتسبات والحقوق الاجتماعية التي بررها بنكيران ومن بعده العثماني بتحسين ظروف العيش الكريم لعموم المغاربة ، والنتيجة أن أعدادا من الأرامل يتقاضين أقل من 20 درهما في الشهر .
إن الحكومة  ليست فقط عاجزة عن حماية المال العام والثروات الوطنية ، بل الأفظع أنها عاجزة حتى عن حماية صحة المواطنين ، سواء بتوفير الأدوية الضرورية للأمراض المزمنة ، أو منع استعمال أنواع من المبيدات الكيماوية المستعملة في المجال الفلاحي والتي تتهدد مباشرة صحة المواطنين رغم تحذيرات السيد إدريس جطو ، رئيس المجلس الأعلى للحسابات.
هذه ، يا رئيس الحكومة ، بعض من عوامل التيئيس والتبخيس التي تتسبب فيها طريقة تدبير حزبك وحكومتك للشأن العام. لقد أغرقت حكومة حزبك المغرب بالديون ورهنت مستقبل الشعب والوطن بيد الدوائر المالية العالمية دون أن يلمس المواطنون أي تحسن في ظروف معيشتهم ، بل العكس هو الحاصل .