الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الإله حبيبي: هجرة المغاربة دافعها حلم بتحقيق الذات في جنات الغرب ومحركها الإحباط

عبد الإله حبيبي: هجرة المغاربة دافعها حلم بتحقيق الذات في جنات الغرب ومحركها الإحباط عبد الإله حبيبي
يصعب أن نفسر بشكل سريع وحاسم هذه النسبة من المغاربة الذين يرغبون في الهجرة إلى أروربا، حتى ولو كانت نسبة مرتفعة فإنها تظل رغم ذلك تعبيرا عن حالة اجتماعية تستدعي مقاربات متعددة، وذلك بهدف الإحاطة بكل جوانبها وأبعادها والعناصر المساهمة في تغذيتها كنزوع نحو الهروب من واقع يتم توصيفه، بكونه لا يقدم فرصا للترقي والرفاهية وتحقيق الذات.
لهذا فمقاربتنا لن تكون سوى محاولة لفهم بعض ملامح العقلية المغربية الحالية، وخاصة تلك التمثلات التي تسيطر على الشباب بحكم ما يعيشونه من إحباطات وخيبات في علاقتهم بالوسط الاجتماعي والاسرة والمدرسة والظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر منها البلاد.
الهجرة كانت دوما ظاهرة إنسانية كونية، حيث أن الخريطة السكانية الحالية للعالم ليست سوى ترسيمة حكمتها الهجرات الكبرى التي مرت منها البشرية، بهذا المعنى فالأرض كانت هي الفضاء المفتوح في وجه تحركات الناس، وبحثهم عن أماكن للعيش والاستقرار تتوفر فيها الموارد الطبيعية والشروط الضرورية لممارسة الحياة بشكل هادئ ومستمر. ضمن هذا الفهم سيكون من الخطأ النظر إلى الهجرات الحالية باعتبارها نوعا من النشاز في السلوك الطبيعي للناس، أو كظاهرة مثيرة للخوف والتوجس، رغم أنها تتلون بلون الثقافات والسياسات والحاجيات الخاصة بكل مهاجر على حدة.
فبالنسبة لنا تظل الهجرة مسارا مستمرا مند ما قبل الاستعمار، وخلاله، وبعده، فالمغاربة يهاجرون، يغيرون الأماكن، يبحثون عن وجهات جديدة، يفضلون الانتقال من بلد إلى آخر بحثا عن فرصة هناك أو التحاقا بقريب أو صديق أو تجريب القدرة على بناء تجربة في مكان غير مألوف. لكن الثابت في هذه الهجرات هي الرغبة الدفينة في العودة يوما إلى الوطن، يعني أن المغاربة لا يهاجرون بنية الاستقرار النهائي في بلدان الغربة، أو القطع الجذري مع وطنهم، بل يظل حلم العودة يراودهم، وهو ما يجعلهم غير قادرين على الاندماج في ثقافة البلد المستضيف، أي أنهم يحتفظون بمسافة ملحوظة على مستوى تفاعلهم مع تقاليد وعادات وأنماط تفكير البلدان التي يستقرون فيها.  وهذا موضوع مهم ومثير وله علاقة بالمزاج المغربي النوعي، الذي بقدر ما يسخط على واقعه، بقدر ما يكون بصدد التعبير عن حب محبط، أو خيبة لا تغير شيئا من تعلقه بالوطن وناسه وعاداته.
ها هنا، نكون بصدد تفسير بعض الجوانب النفسية في ظاهرة رغبة المغاربة في مغادرة البلاد نحو الديار الأوروبية، اي أن هناك توتر نفسي بينهم وبين الواقع، غضب ما ضد السياسات السائدة، رفض لما يقترح عليهم من حلول، نكسة في رؤيتهم للمستقبل، وريبة في رهانات النخب التي فشلت فعليا في توفير الأجواء الحاضنة للمشاعر الإيجابية للاستقرار بالوطن ودعم الاندماج في المشاريع السياسية المقترحة. لهذا فالهجرة لا تعني كراهية الوطن، أو تبرؤا من الانتماء للجذور، بل الأمر يتعلق بجرس إنذار، بإشارة قوية إلى أن هناك استياء ما، أبواب موصدة في وجه المبادرات التي تسمح للناس بالحصول على الفرص لتحقيق الذات وبناء الأسرة واستجلاب منافع مستحقة ليصبح الوطن فعلا حاضنا لطموحات المواطنين وفضاء فيه يجربون كفاءاتهم وقدراتهم على الإبداع والابتكار كطرق مشروعة للبحث على النجاح والثروة والتميز.
من هنا نفهم أن الغرب يقدم لهم هذه الغواية، يرون فيه فرصة لإظهار كفاءاتهم، والتعبير عن مهاراتهم، والحصول على اعتراف بهذه الاستعدادات، اي أن الغرب ينصف من يعمل، ويوفر الفرصة لمن يبحث عن تطوير قدراته وإبراز طاقاته، عكس ما يعيشونه في بلدهم، اي الجمود، وسد الأبواب في وجه الطاقات الشابة، وتحويل النجاح إلى حلم مستحيل.
من هنا نفهم سر تشبث المغاربة بوطنهم وهم في أوج نجاحهم في بلاد المهجر، أي أنهم وجدوا هناك من يعترف لهم بقدراتهم ويمنحهم فرصا للتعبير عنها وتجريبها، على خلاف بلدهم الذي يقابلهم بالصد والإهمال، لهذا فعندما تراهم يحافظون على عاداتهم في الملبس والأكل والغناء والعبادات والطقوس، فهذا ليس انفصاما في شخصيتهم، بل إعلانا عن حبهم لوطنهم، وتعبيرا على تقديسهم لرابط الانتماء، أي أن علاقتهم بالوطن المضيف لا تتجاوز حدود المعيش وتوفير ما عجز عنه الوطن الأصلي. لهذا يظل المغربي بحلم بالعودة، بالاستقرار النهائي في بلده إذا ما تمكن من جمع ما يكفي من المال لإقامة مشروعه الشخصي وضمان ديمومته. لكن أحيانا يصاب حتى هذا الحلم بالضمور عندما ينتشر خبر النصب والاحتيال على بعض المغاربة العائدين بهدف الاستثمار في بلدهم، وهذا يساهم في تأجيج مشاعر الإحباط والرفع من وتيرة الرغبة في الهجرة والقطع مع العودة. لهذا فهجرة المغاربة لها طابع خاص، دافعها ظروف سياسية وحلم بتحقيق الذات في جنات الغرب، ومحركها الإحباط، والعناصر التي تغذيها السياسات الاجتماعية التي  لا تستجيب للمطالب الأساسية للشباب من تعليم وصحة وشغل وتكوين وفرص تحقيق الذات....
 

عبد الإله حبيبي، باحث في علم النفس