الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

فارس قبيلة أحمر إدريس بلعطار يصنع المتعة الجمالية بشعره بأرض الرحامنة

فارس قبيلة أحمر إدريس بلعطار يصنع المتعة الجمالية بشعره بأرض الرحامنة تجربة بلعطار أضحت ظاهرة إبداعية تستحق التعاطي
تناغمت أوتار روابط الإبداع والكلمة الجميلة في بساتين منطقة الحوز وتماهت فيما بينها بلغة الإحتفاء بقامة إبداعية سامقة آتية من تخوم قبيلة فرسان أحمر أنجبها رحم لقصيبة مدينة الشماعية، تلبية لدعوة كريمة من جمعية منتدى فور تنمية بعاصمة الرحامنة، التي تفوقت في استرجاع تاريخ الفعل الثقافي ببن جرير، وتمكنت من رسم سينوغرافيا جميلة بفضاء الأسرة الذي تحول إلى معرض فني تجاور فيه عشق المبدعين مع "التشكيل و الموسيقى وعذب الكلام" في حضرة ثلة من نخبة الرحامنة وأحمر، يوم الخميس 9 دجنبر 2020 .
" نحتفي هذا المساء بقامة سامقة ستظل وارفة وراسخة وتشكل عنوانا دالا وتجربة متفردة نحتت إسمها بحروف بارزة في مجال الإبداع المغربي" بهذه الكلمات المعبرة افتتح سفيان المنديلي حفل تكريم إيقونة الزجل المغربي حامل مشعل المدرسة الحمرية المتفردة.
الأستاذ سفيان مقدم فقرات حفل تكريم الشاعر إدريس بلعطار لم يتردد في الترافع عن دور الثقافة والفن والإبداع معتبرا أن المدينة في أمس الحاجة لتملك أسلحة الدفاع عن الفعل الثقافي، مشددا على أن "استبعاد الثقافة من حسابت التنمية لا ينتج سوى فشل مخططاتها..لأن عشق الثقافة والفن والهفو للجمال، هو انتصار لقيم الإبداع الإنساني".
الإعلامي خالد سلامة رئيس جمعية منتدى فور تنمية استهل كلمته بتوجيه" تحية إكبار للمبدع إدريس بلعطار الذي ينتصر للثقافة الرعوية وبداوتنا العميقة، والذي أعطى الشيء الكثير لديوان الزجل المغربي" مؤكدا على أن اللحظة المائزة تعبير عن ولادة "وانطلاقة جديدة لاستعادة الفعل الثقافي الحقيقي بالرحامنة".
ولأن البحث عن المعنى في الإنسانية يحيلنا على الشعر في أرقى معاني الإبداع ارتباطا بثقافتنا الشعبية الأصيلة والمبتكرة لمقارعة المستحيل ـ كما قال مقدم الفقرات ـ فقد امتطى الشاعر إدريس بلعطار صهوة كرسي الإلقاء حيث استمتع الحضور بباقة شعرية زجلية غاية في الروعة والصور الشاعرية البديعة التي استطاعت خلخلت مشاعر المتلقي في تناغم قل نظيره مع عزف موسيقي عذب وساحر للأستاذين العازفين على آلة العود والكمان، حيث تتعزز مقولة الفيلسوف نيتشه (الحياة بدون موسيقى خطأ كبير).
وفي سياق المتابعة النقدية لمسار الشاعر إدريس بلعطار قال الباحث في التراث عبد العالي بلقايد "لعل تجربة بلعطار أضحت ظاهرة إبداعية تستحق التعاطي، والتفاعل النقدي، كومضة إبداعية تشكل الفرادة والتميز في عالم الإبداع الشعري، ومنه على الخصوص الزجل" ويصف فن قوله بأن بلعطار " وهو ينسج ويطرز كلامه الذي هو بلا شك ينتسب للغة اليومي الذي نتعامل بها لغايات إجتماعية صرفة، بل بلمسة فنية ينقله من لغة مباشرة إلى لغة الرمز، ويجعله ترميز مشدود للثقافة المحلية" مؤكدا على أن القاموس اللغوي الذي ينهل منه " هو قاموس تراثي، يعطيه بعدا دلاليا آخر، يتماشى مع الإنتظارات الآنية والرؤية الفنية للشاعر، التي تطمح لإعطاء أشياء عالمه بعدا جماليا آخر". 
ويضيف بلقادي واصفا لحظة إلقاء الشاعر قائلا: "و أنت تنصت لإلقائه تخال الكلمات تتراقص مثل فراشات تصنع شرائط أحلام، تنقلك لعوالم روحانية ممزوجة ببعد صوفي، يجعلها شفافة، وذات إحساس رقيق، تتكىء على خلفية ورع الزوايا التي تملأ المجال الثقافي لبلاد أحمر التاريخ والذاكرة." 
ويستنتج الاستاذ عبد العالي بلقايد أنه "إن كان منتوج إدريس لا يخلو من صنعة، فهي صنعة المبدع، والفنان، فكلماته ليست منحوتات من جنس البديع، والسجع، التي هي محسنات تخاطب الأذن، لطابعها الموسيقي. بل هي ألفاظ تحيل على سياقات تاريخية، ترخي بظلالها التخييلية على متونه، تجعل المتلقي يحس بأنه أمام منتوج تحصل معه المتعة الجمالية، التي تسعى إلى إضفاء الجمال على أشياء العالم ، لتمنحها صور جديدة".
وتحليلا لمضمون أشعاره الزجلية أضاف مؤكدا أن "الطابع المنبري لإلقاء إدريس، لا يحدث قطيعة مطلقة مع زجل البدايات، الذي كان زجل/الموقف مع رضوان افندي، بالمحراب الجامعي، لكنه يحاول أن يخلق تعاقدات جديدة مع المتلقي، بحيث يدعوه إلى السعي معا أن يخلقا أشياء العالم خلقا جديدا، خلق يعتمد الفن والجمال. وهو بذلك يعطي للغة اليومي بعدا شعريا".
وفي تفاعل مع اللحظة الشاعرية التي توالى على منبر ألقائها ثلة من شعراء أحمر ( عبد الكريم اليانوس ـ محمد مومني ـ عبد الجبار الساكت ـ وسليمان ..) اعتبر الأستاذ عبد العالي  بلقايد أن "إدريس كما أصدقاؤه لم يكتبوا زجلهم من أجل الكتابة فقط، والأشياء الأخرى التي ذكرنا، بل ليغنى، فلا يتردد في التغني ببعض المقاطع، وهذا يحيلنا على بدايات الزجل مع الموشحات الأندلسية، والملحون المغربي، ومجموعة الغيوان، وجيل جيلالة، الفرقتان اللتان ضمتا شعراء متميزين كالعربي، والدرهم". 
ليخلص إلى أن "الكثير من قدرات إدريس جعلته يحوز التميز والتفرد في الشعر منها معرفته الواسعة بجغرافية العيطة، وخاصة الحصباوية، تحية فنية للمكرم، والمكرمين".
الشاعر الحمري إدريس بلعطار أكد في كلمته على أنه شاعر" من جيل الثمانينات، جيل التحدي الذي اعتمد على نفسه وبمجهوده الخاص وعلى توجيهات أساتذته، رغم أن مدينته الهامشية الشماعية لم تكن تتسع لها خريطة الوطن" وأشاد بفخر واعتزاز بالدور الذي لعبته الرابطة المغربية في تألق مجموعة من الشعراء المبدعين"
لقد كانت لحظة التكريم نافذة حقيقية لاسترجاع زمن الإبداع والكتابة الحارقة التي تحمل الكثير من الأسئلة، واستحضار باقة من اسماء الشعراء الكبار الذين كانت ومازالت أشعارهم منجما حقيقيا للمعاني الجميلة المبتكرة، و راهنوا فعلا على الزجل كأفق للكتابة لأنه لايقل شأنا عن الشعر الفصيح إن لم يكن يتفوق عليه في العديد من الأجناس.