الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

يزيد بركة: ردا على الرسائل السياسية حول الديمقراطية والتنمية (2)

يزيد بركة: ردا على الرسائل السياسية حول الديمقراطية والتنمية (2) حميد البوشيخي (يمينا) ويزيد بركة
يبعث القيادي اليساري يزيد البركة رسائل من تحت الماء في مقال مطول- تنشره "أنفاس بريس" في أربع حلقات- إلى حميد البوشيخي، عضو لجنة النموذج التنموي حول الديمقراطية والتنموية المعينة حديثا، قدم فيها دروسا إلى البوشيخي ردا على قولته التي أثارت سجالا حول مضمونها الذي يتحدث عن أن المغرب غير ناضج للممارسة الديمقراطية
وفي يلي الحلقة الثانية من مقال البركة:
في البداية، ومع أن مقالة السيد حميد البوشيخي التي أشرت إليها في الحلقة السابقة، ووضعت رابطها في الأسفل فإنها، ورغم ميلها اليميني (وأتمنى أن تكون المقالة فألا حسنا لولادة يمين مغربي جديد يستعمل العقل والحجة)، تحمل نقطتين إيجابيتين ولو كانتا ثانويتين داخل الأفكار الواردة في المقالة :
الأولى: أن المغرب لا يتمتع بالديمقراطية الحقيقية المتمثل في حلم النموذج الاسكندنافي ولو أن هذا النموذج حمل في المقالة إيحاء بالاستهزاء من الوصول إليه.
الثانية: مسارعة واضحة للحسم مع خطاب التذبذب والحياد الذي يدعو اللجنة إلى أولوية المدخل السياسي، واختار هو تسمية الأمور بأسمائها، لأن المدخل السياسي هكذا بدون تحديد يبقى مفتوحا على كل الاتجاهات بما فيها اليمينية بكل أصنافها والوسطية بكل تلاوينها ومشاربها.
 
سأتناول أفكار المقالة دفعة واحدة وليس فكرة، بفكرة جوابية، من ثلاث زوايا 1- علاقة الديمقراطية بالتنمية 2- الدرس التاريخي والعقل الميكانيكي 3- المجتمع المغربي والدولة.
 
1- علاقة الديمقراطية بالتنمية 
كل العلماء السياسيين الجديرين بهذا الاسم، وحتى تقارير الأمم المتحدة في الموضوع يلحون على عدم التضحية بالديمقراطية لفائدة التنمية ( حتى ولو صدقت نيات الداعين إلى الفصل الحاد بينهما) لأن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار الذي يخافه الرأسمال، ويؤدي إلى مخاطر كبيرة ولو كان "الحكم رشيدا"، ويضرب بيد من حديد على الفساد، ويرفع درجة العقوبة عليه إلى الإعدام، لأنه ينتهي وبسرعة إلى اتخاذ قرارات هوجاء تأتي على كل شيء، كما يقال في الدارجة المغربية: "اللي حرثوا الجمل يدكو"، وهذا حدث فعلا مع هتلر في آلمانيا ومع موسيليني في إيطاليا؛ بل تولد عن هذين النموذجين في آخر عهدهما  فئة من النظام فاسدة سعت إلى نهب كل ما هو ثمين من ذهب وتحف فنية، ونظرا لهذا التاريخ لم تستطع إيطاليا لحد الآن القطع مع الفساد والجرائم الاقتصادية. وفي العصر الحالي حتى الحكام المتشبعون بجرعات وطنية، ولا يمكن لأحد اتهامهم بالفساد، أدى بهم الاستفراد بالقرار الاقتصادي والسياسي والثقافي والإعلامي إلى عدم تحقيق أي تقدم في التنمية، بل وارتكاب الكثير منهم، لمغامرات ولو أنها أقل من مغامرات سابقيهم إلا أنها كانت مغامرات سياسية كمقامرات، مثل حالة العراق وليبيا سابقا ولاحقا، أما حالة الجزائر الغارقة في الفساد وفي حصار أبدي للديمقراطية فهي تراكم سنة بعد سنة ارهاصات انفجار، لا أحد يمكن له التنبؤ بعواقبه محليا واقليميا، وهي ليست نموذجا يحتذى ولو أنه يغري أوساط الفساد في بلدنا إغراء صامتا، لأنه نموذج يسرق ثروات الجزائر وفي نفس الوقت يرفع شعار الوطنية والتاريخ النضالي المجيد.
إن الاختيار الحاد الذي حاولت المقالة فرضه على القراء أي اختيار إما الديمقراطية وحدها بدون خبز ولا ماء أو الخبز والماء بدون حرية ولا كرامة ولا قدرة على التنفس ولا مراقبة ولا محاسبة للحكام، هو اختيار بالغ الخطورة ولم يأت به أحد من علماء السياسة ولا حدث في أي بلد مع تسجيل حدوث محاولات تبعتها مباشرة الهزات الاجتماعية، بل هو من رجع الصدى من أضغاث الأحلام فقط.
 
يمكنني القول أن علاقة الديمقراطية بالتنمية علميا، لا تتبادل فقط التأثير الايجابي بينهما إذا ما سارا في اتجاه التطور والتقدم وليس المراوغات والإنعراجات المتهورة، بل أن الثقافة والايديولوجيا لهما أيضا تأثير إيجابي على التنمية، فالبنية التحتية المنشأة في شمال المغرب متطورة على ما سبق قبل التسعينات ومع ذلك لا يمكن للشمال المغربي أن يضاهي الضفة الجنوبية لإسبانيا وفرنسا في تنمية السياحة والبنيات المرتبطة بها لأن الثقافة والايديولوجيا في المغرب تعرقل ذلك  فهل يمكن مقارنة وسط ثقافي وايديولوجي منفتح وانساني يحترم غيره يمكن لأي فرد أن يحس فيه بالحرية والطمأنينة بوسط يكفر الآخر ويكرهه إذا لم ينمط كما يريد هو، ويتخذ سلوكيات ومعتقداته هو، وإلا فهو كافر يكن له العداء؟ هذا إذا لم يجاهد فيه. أي رأسمال هذا يستطيع أن يغامر في هذا الوسط؟ هل المعول على الرأسمال الطفيلي للإسلام السياسي؟ متى كان هذا الرأسمال منطلقا للتنمية وبالتالي العودة إلى النموذج الاسكندنافي؟ إذا كان هذا هو المقصود فلنسل يدنا من الآن على مستقبل التنمية وحتى على مستقبل الديمقراطية.
مثال فيليب مارشسان philippe Marchesin اختيار سيئ لنموذج عالم سياسة، لأنه يمثل التوجه الأكثر فظاظة في دعم الرأسمال الفرنسي والطبقة الرأسمالية الفرنسية الأكثر يمينية، ولمع نجمه مع تموقعه ضد توجه ميتيران الذي مارس ضغوطا قوية على الدول الافريقية الفرانكفونية لتطبيق الديمقراطية، وقد ضجر زعماء وتبرموا ومنهم المغرب من ضغوط الرئيس الفرنسي، وكان الرأسمال الفرنسي المرتبط بالمواد الأولية وخاصة المعادن يخاف من فقدان سيطرته على اقتصاد تلك البلدان لفائدة دول كبرى أخرى إذا ما ظل ميتيران يمارس ضغوطه وقد ألف فيليب هذا كراسا سياسيا حول السياسة الافريقية لميتيران يسخر فيه منها إلى درجة اعتبارها فاشلة وتغرف من الماضي.
 
هناك العديد من العلماء والباحثين المرموقين الذين لا يضعون أي جدار بين الديمقراطية وبين التنمية بل ويرون أن الوسط الديمقراطي يؤثر بقوة على ضمان نجاح تطور التنمية، وهناك كثير من العلماء الليبراليين الأرجح عقلا من يلح على أن الديمقراطية مع قدر من التنمية، تحفظ المكانة الوسطية للطبقة الوسطى في المجتمع لتنآى بنفسها عن التطرف الراديكالي وعن التطرف اليميني.
 
إن الديمقراطية التي يتحدث عنها الجميع في مغرب الحاضر ومنذ مدة طويلة، هي التحول إلى سلطة الشعب على القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفصل حقيقي للسلط وقضاء مستقل ونزيه يحمي المجتمع من تغول الحاكمين وانتخابات نزيهة تتمتع بالمصداقية، وسيادة القانون على الجميع، وهذه الديمقراطية ملحة حالا، ولا تعني الدمقرطة التي تأتي تباعا مع السنوات التي تلي هذا التحول، فالجميع يعرف أن عددا من الحريات جاءت في فرنسا، سنوات طويلة بعد الثورة الفرنسية ومنها حق المرأة في التصويت وفصل الدين عن الدولة ولائكية التعليم وغير ذلك، لكن لا فرنسي واحد أو فرنسية قد يجده المرء اليوم يمكنه أن يقول أن تأخر عدد من الحريات عن التحول الديمقراطي كل تلك السنوات، كان صحيحا وسليما، وهذه النقطة سأتناولها بتفصيل في الحلقة الموالية في ارتباطها بحالة المغرب.