الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: الحاجة إلى تحالف ديمقراطي لإنقاذ البلاد من قبضة الإسلاميين

سعيد الكحل: الحاجة إلى تحالف ديمقراطي لإنقاذ البلاد من قبضة الإسلاميين سعيد الكحل

الخلاصة التي يمكن الانتهاء إليها من تتبع نتائج الحراك الاجتماعي في عدد من البلدان العربية (المغرب، الجزائر، تونس، مصر) هي التشابه في المآلات السياسية التي انتهت إليها تلك الاحتجاجات ضد الأنظمة الحاكمة. فرغم الاختلاف على مستوى طريقة تعامل الأنظمة السياسية ومدى ليونتها ودرجة التجاوب مع مطالب الحراك الاجتماعي (في المغرب والجزائر أظهر النظامان ليونة أكبر في الاستجابة لغالبية المطالب: تعديل الدستور، حل البرلمان، انتخابات سابقة لأوانها في المغرب؛ استقالة الرئيس، إبعاد بعض الرموز، انتخابات رئاسية قبل الأوان في الجزائر، أما في مصر وتونس فكان النظامان أقل مرونة جعل الاحتجاجات تعصف بهما)؛ رغم هذا الاختلاف هناك تشابه كبير في المآلات السياسية يمكن التركيز على أهمها كالتالي:

 

1ــ غياب قيادة منسجمة تتولى توجيه الاحتجاجات وفق خارطة طريق واضحة الخطط والأهداف. كل هذه الاحتجاجات وضعت أهدافا مرحلية انتهت إما بإسقاط النظام أو بالتوافق معه على سلسلة من الإجراءات وعدد من الإصلاحات. وفي الحالتين معا بقي الفراغ الذي استغلته التنظيمات الإسلامية التي لم تضح يوما من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا كان ولاؤها للوطن.

 

2ــ غياب رؤية استراتيجية تستحضر الأطراف الانتهازية ووسائل الالتفاف على مكاسب الحراك الاجتماعي. ففي دول الحراك الاجتماعي (باستثناء التجربة السودانية الحالية) خرج المواطنون يطالبون بالتغيير دون أن تكون أو تُقدَّم لهم رؤية واضح عن المستقبل. فالوحدة في مواجهة الأنظمة لا تعني بالضرورة الاتفاق والتوافق على المراحل القادمة ما لم تكن قيادة متبصرة وواعية بمجريات الأحداث والأطراف الفاعلة والمتربصة. فلكل ثورة أو حراك خصوم وأعداء ومتآمرون ومتواطئون ومتربصون.

 

3ــ عدم تقديم البديل الحزبي/ السياسي المنافس الذي يعبر عن مطالب الحراك ويلتزم بالعمل على تنفيذها. وهذا التي أثبته الوقائع. فالملايين من المحتجين في مصر وتونس والجزائر والمغرب لم يكن لهم تصور ولا اتفاق عن البديل الحزبي أو السياسي الذي يخوض منافسة الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية؛ الأمر الذي استغله المتربصون وأعداء الديمقراطية في الانقضاض على المكاسب والعودة بالأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه قبل اندلاع الاحتجاجات. ففي مصر كما الجزائر وتونس، نجح المحتجون في إزاحة الرؤساء لكنهم فشلوا في تقديم منافسين لهم على منصب الرئيس. هذا الفراغ أو عدم الاتفاق على تقديم مرشح مشترك ودعمه في التنافس على منصب الرئاسة استغله ديمقراطيا خصوم الديمقراطية الذين لم ينخرطوا في الحراك منذ بدايته، بل وقاوموه فكان الفوز من نصيب مرشحيهم. ونفس الخطأ السياسي ارتكبه التيار الديمقراطي في المغرب، سواء المنخرطون في حركة 20 فبراير أو الأحزاب الديمقراطية. ويمكن حصر الأخطاء المرتكبة كالتالي:

 

أ ــ إهمال التسجيل في اللوائح الانتخابية كآلية رئيسية في التغيير السلمي والديمقراطي. ففي الوقت الذي حرصت فيه أحزاب التيار الإسلامي على تسجيل أعضائها والمتعاطفين معها في اللوائح الانتخابية، كانت مكونات التيار الديمقراطي منشغلة بالخلافات الداخلية التي أفقدتها أعدادا كثيرة من مناضليها وأضعفت قدرتها على التنافس أمام أحزاب إسلامية خبيرة في تجييش الأتباع والناخبين لدعم مشرحيها وحسم المعركة الانتخابية لصالحهم.

 

ب ــ العزوف وضعف المشاركة في الانتخابات. إن القاسم المشترك بين مكونات الحراك السياسي في الدول المعنية هو ضعف الانخراط في بناء البديل. يخرج المواطنون بالملايين للاحتجاج لكن يشاركون بالمئات فقط في التصويت، في حين يحافظ التيار الإسلامي على كتلته الناخبة وعلى استقرارها بشتى الوسائل. إن الفرق بين التيارين هو أن الديمقراطي يعتبر معركة الانتخابات اختيارية بينما الإسلامي يعتبرها واجبة ومصيرية، بل نوعا من "الجهاد" ضد الخصوم.

 

ج ــ تعدد الترشيحات ، بحيث كل حزب من التيار الديمقراطي يقدم مرشحه بنفس البرامج الانتخابية فيما التيار الإسلامي يقدم حزبا رئيسيا ثم يوفر له الدعم من التنظيمات والجماعات الإسلامية الغير منضوية في ذات الحزب. هكذا يحصد التيار الإسلامي أصوات كتلته الناخبة ويتنافس مع بقية الأحزاب على استقطاب أصوات باقي الناخبين، متعاطفين معه أو ناقمين على أحزابهم.

 

د ــ تشتيت الكتلة الناخبة المؤيدة للتيار الديمقراطي.. بسبب غياب التنسيق بين مكونات التيار الديمقراطي لتقديم مرشح مشترك، فإن تعدد الترشيحات يُضعف حظوظ هذا التيار بحيث تصبح كتلته الناخبة موزعة بين مكوناته المتنافسة ؛ الأمر الذي يقوي حظوظ التيار الإسلامي في تصدر نتائج الانتخابات.

 

من أخطاء التيار الديمقراطي أنه لم يغير أسلوبه الانتخابي الذي دأب عليه قبل أن يظهر التيار الإسلامي كفاعل أساسي في الساحة السياسية والانتخابية، بحيث ظلت تنظيماته تنافس بعضها البعض فتهدي الفرص للتيار الإسلامي.

 

أمام وضع التشظي هذا الذي استغله التيار الإسلامي أسوأ استغلال أدى إلى  تأزيم الأوضاع الاجتماعية والسياسية والإجهاز على المكتسبات والحقوق التي ناضل وضحى من أجلها التيار الديمقراطي، لم يعد من خيار أمام هذه الأخير لاسترجاع المبادرة وتحصين المكاسب السياسية والدستورية سوى تجاوز الخلافات البينية والانخراط في بناء تحالفات قوية ومنسجمة تعيد الاعتبار للعمل الحزبي والسياسي. فالخاسر الأكبر من وضعية التشرذم هذه هو الوطن الذي تدفعه تجربة التيار الإسلامي في قيادة الدولة  وإدارة الشأن العام إلى الهاوية. فقيادة الدولة تحتاج كفاءات حقيقية وخبرات واسعة يفتقر إليها الإسلاميون الذين لا يتقنون سوى الخطب الدينية والمواعظ. لذا مكانهم المناسب هو المسجد وليس رئاسة المجالس الترابية والحكومة (كل البلديات التي يسيرها حزب العادلة والتنمية غارقة في مشاكل النقل والبيئة والنفايات..). طبيعي إذن أن نجد  كل الهيئات الحقوقية والجمعيات النسائية غير الإسلامية تدق ناقوس الخطر بسبب التراجعات الخطيرة على مستوى الحقوق والحريات (مشروع القانون الجنائي الذي قدمه مصطفى الرميد، مصادقة الحكومة على حقوق الطفل في الإسلام مما يتنافى مع تعهدات المغرب والتزاماته الدولية فيما يتعلق بحقوق الطفل، الإجهاز على حقوق الموظفين في الترقية بالشواهد والديبلومات وكذا حقوق المتقاعدين، التوظيف بالتعاقد، تعطيل الدستور، إلخ).

 

أيا كانت الخلافات والاختلافات بين مكونات الصف الديمقراطي، فإن الولاء للوطن الذي برهنت عليه بالتضحيات الجسام التي قدمها مناضلوها يقتضي منها تجاوز خلافاتها والانخراط الجدي في برنامج عمل يعيد الاعتبار للعمل السياسي البنّاء الذي ينقذ البلاد من السكتة الدماغية.