الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويسي: "المقاطعة" التي نريد ..

عزيز لعويسي: "المقاطعة" التي نريد .. عزيز لعويسي

بعد التنصيب الملكي لها، شرعت "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" في مباشرة المهمة المسندة لها، والتي يرتقب أن تمتد حوالي سبعة أشهر بحلول الصيف القادم، وهو حيز زمني قصير، يقتضي التعبئة الجماعية، وتملك آليات التشارك والتشاور والتعاون والتضامن والتعاضد، في أفق إرساء لبنات "نموذج تنموي جديد"، يتجاوز الأعطاب والمشكلات التنموية القائمة منذ سنوات، ويحقق التنمية المأمولة على أرض الواقع، ويخفف من حدة الفوارق الاجتماعية الصارخة والتفاوتات المجالية، ويسمح بالجواز الآمن نحو مرحلة جديدة قوامها "المسؤولية" و"الإقلاع الشامل"؛ لكن، ومهما كانت قوة ومتانة "النموذج التنموي المرتقب"، فهو يحتاج إلى "منظومة قيمية وأخلاقية"، بدونها لا يستقيم إصلاح ولا تستوي تنمية، وهذا يفرض أن نشهر جميعا سلاح "المقاطعة".

        

مقاطعة ما يعشش في ذواتنا من أحاسيس الأنانية المفرطة، والجنوح الهستيري نحو الحسابات والمصالح الضيقة، وما يعتري سلوكاتنا من مشاعر الحقد والضغينة والصراعات الخفية والمعلنة، وما نهدره من قدرات وطاقات لضرب خصومنا الواقعيين والافتراضيين، والتهافت غير المبرر، من أجل اقتناص خطايا وزلات بعضنا البعض، والهرولة غير المسؤولة، لنشر غسيل بعضنا البعض أمام الملأ في واضحة النهار بدون خجل أو حياء، مانحين الفرصة بسذاجة، للمتربصين بنا ليصولوا ويجولوا في خصوصياتنا، وينتهكوا حرماتنا..

 

نحتاج إلى مقاطعة ما يسكننا من "نعرات" محركة للأفكار السامة ومغذية للصراعات الهدامة، ومثيرة لأحاسيس التفرقة والتشرذم والشتات، نحتاج إلى مقاطعة مستعجلة للمعارك الحامية الوطيس، التي نشنها ضد بعضنا البعض، وما يسيطر علينا من رغبات جامحة، في إضعاف بعضنا البعض ووضع "العصا فالرويضة" لإعلان فشلنا وإفلاسنا ..

 

نحتاج إلى "ثورة ناعمة" تغير بنياتنا الاجتماعية، وما يترسب فيها من أحاسيس وممارسات، تجعلنا على الدوام نواجه بعضنا البعض، نخوض نزالات جبانة كلنا فيها خاسرون، في حلبة، شهدت وتشهد حكايات عبثنا وتهورنا وانعدام مسؤولياتنا، إلى درجة، لم نعد نحس فيها بأي حرج أو حياء، في تبادل القصف والقصف المضاد، والتراشق الجنوني بحجارة السب والشتم  والتشهير، في عالم افتراضي، حولناه إلى ساحة مواجهة مفتوحة.. الكل فيها ضد الكل، والبعض يتربص بالبعض، البعض ينتقد بوقاحة، والبعض يمارس لعبة "التفاهة"، والبعض يوزع صكوك "السخافة"،  والبعض ينصب الشباك للإيقاع بالبعض الآخر، والبعض يتلصص على الخصوصيات والبعض الآخر ينتهك الحرمات.. في وطن نحن عنه غافلون ..

 

نحتاج لمقاطعة كل ما يتحكم فينا من أحاسيس وتصرفات، لم تكرس إلا واقع الارتباك الاجتماعي والوهن السياسي، نحتاج لدفن الماضي وطي صفحات الصدام، لنتصالح مع الوطن، ونخدم الوطن، بمسؤولية ونزاهة واستقامة وتضحية ووفاء، نحتاج إلى احترام بعضنا البعض، وتشجيع بعضنا البعض على النجاح والصعود والارتقاء، من نجح عن جدارة واستحقاق، نحييه ونبارك له، ومن فشل، نشجعه وندعمه ليحقق النجاح، يحتاج الوطن، لمواطنين "نزهاء" و"شرفاء" و"أوفياء" لثوابت الأمة، يضحون بالغالي والنفيس، خدمة للصالح العام ..

 

وكل "مقاطعة" خارج هذا السياق، فلن تكون، إلا "عبثا" يزيد طين الخلافات بلة، ويمنعنا من فرص النهوض والارتقاء، ونختم بقوله تعالى "لا يغير الله ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم"، على أمل أن نرتقي بمستويات السلوك والممارسة والنقاش والخطاب، ونقطع بشكل لا رجعة فيه، مع واقع "العبث" و"الانفلات"، ونرسم معا وسويا معالم "وطن" ضاق ذرعا من "الانكسار" ولم يعد يطيق حرارة "الانتظار"...