الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: أرواح الشهداء ولعنة القتلة

سعيد الكحل: أرواح الشهداء ولعنة القتلة سعيد الكحل

تحل الذكرى 43 لاغتيال الشهيد عمر بنجلون وتجدد معها التحذيرات من مخاطر المخططات الإرهابية التي تتهدد الشعب والوطن معا. لم تأت جريمة الاغتيال بمحض الصدفة أو حادثا عابرا يمكن لعقوبة السجن أن تصفح عن المجرمين تخطيطا وتنفيذا؛ بل كانت أولى الخطوات التنفيذية لمخططات التنظيمات المتطرفة التي تم استنباتها في التربة المغربية ضمن استراتيجية "أخْوَنة" العالم العربي وتطويق المد الاشتراكي/القومي التحرري. تلك الاستراتيجية التي تم وضعها في مصر ثم تعميمها على المنطقة العربية. لم يُستثن المغرب من هذه الاستراتيجية وإن انخرط فيها متأخرا قياسا إلى البلدان المشرقية.

 

والجدير بالملاحظة أن النظام المغربي لم يكن يفتقر إلى أساليب مواجهة رموز المد التحرري، لكن استراتيجية "الأخونة" استغلت الظرفية السياسية الدقيقة التي كان يمر بها المغرب (الانقلابين العسكريين الفاشلين ، الصراع بين القصر والمعارضة اليسارية) فخططت لتنفيذ عمليات إرهابية ضد خصوم النظام تنال بها رضاه وتكون أداته يضربهم بها.

 

في هذا الإطار جاء اغتيال الشهيد عمر بنجلون ليعلن بها التنظيم الإرهابي "الشبيبة الإسلامية" عن بدء تنفيذ مخططاته.

 

إذن كان اغتيال بنجلون اغتيالا سياسيا بلبوس ديني، أي أن التنظيم الإرهابي إياه لم يقتل الشهيد بتهمة معارضة النظام ولكن بتهمة الكفر ومعارضة الدين. هكذا نصّب الإرهابيون أنفسهم "جنود الله" يطبقون أحكامه ضد من يعتبرونهم "مرتدين" و"كفرة". هذه الوظيفة "المقدسة" التي سطا عليها الإرهابيون سيحاولون شرعنتها سياسيا لتزكية باقي جرائمهم. أمر كهذا لم يعد خافيا بعد أن ظهرت تفاصيل الرسالة التي بعث بها عبد الإله بنكيران إلى وزير الداخلية حينها إدريس البصري. في تلك الرسالة يعرض بنكيران -وهو عضو مؤسس لتنظيم الشبيبة الإسلامية- خدماته على وزير الداخلية ويحدد إطار "الجهاد" الذي سيتولى تنفيذ مخططه الإرهابي ضمنه. فبنكيران لم ينف انتماءه لتنظيم الشبيبة الإسلامية ، بل أقره وزكى جرائم أعضائه بقوله (انْتسَبتُ إلى الشبيبة الإسلامية سنة 1976 ووجدت أعضاءها والحق يقال على حسن التزام بالإسلام واقتناع بأنه ليس دين المسجد فقط بل يشمل كل مواقف الحياة، وكذا وجوب توقيف مد الإلحاد المؤدي إلى الفساد وخصوصا في صفوف الطلبة). إذن إطار الاشتغال وهدف التنظيم هو "توقيف مد الإلحاد" أي "الجهاد المقدس" ضد أبناء الشعب وهذا هو الإرهاب الذي سيثبت أتباع بنكيران أنهم أعضاء في تنظيم يخدم نفس الأهداف التي تأسست من أجلها التنظيمات المتطرفة .

 

حاول بنكيران أن يقنع البصري أنه في خدمة النظام ويطمع في رضاه (وإننا نأمل أن تتداركنا عناية اللّه على يدكم فيسمح لنا من جديد بممارسة نشاطنا والاستمرار في القيام بواجبنا في الدعوة.)

 

بالتأكيد لا تختلف مخططات تنظيمات الإخوان في المغرب عنها في المشرق حتى وإن تظاهرت بخدمة الأنظمة الحاكمة عبر تصفية الخصوم السياسيين. فالتجربة المصرية -مهد الجماعة- تحكم باقي التنظيمات، إذ لا يُؤتمن جانب حَمَلة عقائد التطرف والتكفير مهما تمسّحوا أو تَبَحْلسوا وانبطحوا؛ ومن كان الغدر شيمتهم والتكفير عقيدتهم والاغتيال أسلوبهم فلن ينجو حاضِنُهم من شرهم، وسيظل مثال أنور السادات  حيا لكل من يطمع في خدماتهم .

 

حين قرر المتطرفون اغتيال الشهيد بنجلون، كانوا يهدفون إلى اغتيال فكر تقدمي تشبعت به فئات واسعة من الطلبة والتلاميذ وساندت برامجه الانتخابية أوسع الجماهير. غايتهم القصوى شل مقاومة المجتمع وتعطيل فاعلية قواه الحية، ليس لدعم النظام  لذاته ولكن للاستفراد به بعد أن يخلو لهم الجو ويتمكنوا من المجتمع ويضعفوا قواه الحية. لهذا سعت هذه التنظيمات إلى اختراق المجال الديني والثقافي لاغتيال الوعي وبرمجة الذهنيات حتى تتفاعل مع مشروع الأسلمة/ الأخونة والانخراط في خدمته. وهذا المشروع ينتهي بعزل الأنظمة السياسية وإضعافها ومن ثم نسفها والانقضاض عليها. فلا فرق إذن، بين اغتيال السياسيين المعارضين وبين اغتيال المفكرين والفنانين والكتاب، كل هؤلاء يشكلون ضمائر المجتمع وعناصر يقظته. من هنا يكون اغتيال هذه العناصر هو استهداف لمناعة المجتمع لا يختلف عن استهداف مرض السيدا لجهاز مناعة الجسم. ولا يزال بنكيران يخدم نفس المخطط الذي انطلق باغتيال بنجلون ويروج له باعتماد السلاح الديني كما هو الحال في آخر خرْجَة يتهم فيها أعضاء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي بالتشكيك في الدين. أليس بنفس التهمة تم اغتيال الشهيد بنجلون؟ أليس بنكيران نفسه تشفى في الشهيد ونعته "بالكلب الأجرب" دون مراعاة للقيم الدينية والأخلاقية؟ ها هو اليوم يحرض ضد خيرة كفاءات هذا الوطن ليحرمه من عطاءاتهم حتى يبقى الشعب ضحية الفقر والجهل والنهب، وكلها شروط تعطل وعي الشعب وتجعله سهل الانقياد والخضوع للإيديولوجية الدينية التي تخدم أهداف المتطرفين.

 

سيظل الشعب وفيا لأرواح الشهداء يُحيى ذكرى اغتيالهم ويلعن قتلتهم ويُفشل مخططاتهم كما أفشل مخططات أعدائه عبر التاريخ.