الثلاثاء 23 إبريل 2024
مجتمع

وادي كشكاط باليوسفية : معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات(2/6)

وادي كشكاط باليوسفية : معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات(2/6) الزميل فردوس مع مصطفى حمزة ومشهد من الحاضرة الفوسفاطية

انتبه الباحث المتخصص في التاريخ الجهوي الأستاذ مصطفى حمزة، لخطورة ومشاكل وادي كشكاط الذي يهدد ساكنة منطقة الكنتور خاصة ومدينة اليوسفية عامة خلال التساقطات المطرية، والفيضانات التي يتسبب فيها، وما تخلفه من أضرار مادية وبشرية وبيئة. حيث أعد الأستاذ حمزة بحثا متكاملا حول منبع ومجرى الوادي، وكيف تعامل معه الفرنسيون خلال فترة الحماية، مستنطقا المجال الجغرافي لتمدد الوادي منذ القدم ونقط مصبه المتعددة واختراقه للمدينة بعد استنبات مساكن وسط مجراه الرئيسي بشكل عشوائي.

جريدة " أنفاس بريس" تستفرد بنشر سلسلة هذا البحث المتميز على حلقات وتتقاسمه مع القراء والطلبة الباحثين والمؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا للعمل على تدارك مجموعة من الأخطاء التقينة والمعمارية وسبل الحد من فيضانات وادي كاشكاط الثائر.

ـ وادي كشكاط والدخول الفرنسي لمنطقة أحمر (حمير).

إذا كان وادي كشكاط قد لعب دورا أساسيا في فترة ما قبل الاستعمار، فإنه مع الدخول الفرنسي للمنطقة حظي باهتمام كبير من طرف الفرنسيين، وقد يكون من بين الأسباب الأساسية في بناء الحاضرة الفوسفاطية وباقي المرافق الفوسفاطية التابعة لها بالمكان الذي تتواجد به اليوم، وذلك بما كان يوفره من إمكانات مائية دائمة مهمة، ومع بداية ثلاثينيات القرن الماضي سيعرف مجموعة من التحولات من أبرزها:

2 ـ 1: مدينة اليوسفية ووادي كشكاط.

تشير مجموعة من الوثائق إلى أن مدينة اليوسفية الحالية، كانت في السابق تحمل اسم (كشكاط) نسبة إلى (وادي كشكاط) الذي يخترقها حاليا من الجنوب، وقد كان اسم "كشكاط" متداولا بشكل قوي في المراسلات الفرنسية والعربية بين المسؤولين المحليين بالمدينة وباديتها و المراقب المدني بمركز الشماعية آنذاك قبل سنة 1931 .

فكل الرسائل الموجهة من المسؤول المحلي عن الأمن بمنطقة الگنتور إلى المراقب المدني بمدينة الشماعية قبل سنة 1931، كانت تشير إلى "كشكاط" كمجال عمراني وتجمع سكاني، وقد ظل هذا الاسم مستعملا حتى بعدما حملت المدينة اسم الجيولوجي الفرنسي، ( لوي جانتي)، للتأكيد على أسبقية الاسم "كشكاط" كما تؤكد ذلك إحدى المراسلات الموجهة من المراقب المدني بالشماعية ( Delorme )، إلى القائد العربي بلكوش أحد أبرز قياد قبيلة أحمر خلال فترة الحماية:

« وبعد فليكن في علمك أن مدير إدارة الفوسفاط، سيكون بموضع مدينة "لوي جانتي" (كشكاط) يوم الاثنين تاريخ 21 من الجاري على الساعة الثامنة صباحا بقصد أن يخلص البلاد (المبيعة) لإدارة الفوسفاط، وعليه نحب منك أن تحضر أنت بنفسك وتخبر جميع الأناس البائعين أن يحضروا في اليوم المذكور والمحل المذكور وعلى الساعة المذكورة صباحا، والسلام في 18 دجنبر 1931 ».

وإذا كنا لا نعرف بالضبط أصل كلمة " كشكاط " Kachkat " " فمن الراجح بالنظر إلى موقع المدينة المتواجد في أدنى نقطة من السفح الشمالي لنجد الگنتور، وبالنظر للتواجد الأمازيغي بالمنطقة فإن اسم "كشكاط" له أصول أمازيغية، خاصة أن مؤلف التشوف... ابن الزيات عند حديثه عن أحد الأولياء بالمنطقة قال: «... ومنهم أبو مهدي وين ( السلامة )... من أهل " أكسطاي " و " أكسطاي " معناه التل العاري من النبات، وتلك هي حقيقة تلال نجد الگنتور فهي خالية من النباتات ومن المياه الجارية، ومن هنا فالراجح أن " كشكاط " تعني أسفل أو قعر التل حيث مجرى المياه، وهو ما جعلنا نرفض الرواية التي تشير إلى أن اسم "كشكاط" مشتق من مصطلح "الطبقات الأربع للفوسفاط" التي تم اكتشافها بمنطقة الگنتور.

وإذا كنا لا نعرف بالضبط تاريخ تأسيس مدينة اليوسفية الحالية، فإن ما عرفته من تحول على مستوى الاسم الذي كان في البداية ( كشكاط، Kachkat ) ، ثم تحول إلى ( لوي جانتي، Louis Gentil ) وأخيرا ( اليوسفية، Youssoufia)، يوحي بتواجدها قبل اكتشاف الفوسفاط بنجد الگنتور، إذ كانت تشكل إحدى "النزالات" بنجد الگنتور على طول الطريق ما بين الجديدة ومراكش.

  • كنا لا نتوفر على أية معلومات حول (كشكاط) المدينة الأصل، فإن ما أسعفتنا به مجموعة من المونوغرافيات الفرنسية من معلومات، تفيد بأن تطور هذه المدينة ارتبط باكتشاف معدن الفوسفاط في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي، على يد الجيولوجي الفرنسي (لوي جانتي) الذي ستحمل المدينة اسمه من سنة 1931 إلى نهاية الفترة الاستعمارية.

لكن هذا التطور كان صعبا وبطيئا كما هو عليه الحال اليوم، مع فارق هو أن تطور مدينة ( لوي جانتي) في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، حالت دونه عوامل موضوعية، تجد تفسيرها في عاملين أساسيين هما:

1 ـ الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929، وما ترتب عنها من انعكاسات سلبية في جميع الميادين، مست دول العالم الرأسمالي والدول المرتبطة بها، بما فيها المغرب الذي عرف الإنتاج فيه في جميع الميادين تراجعا كبيرا.

2 ـ الحرب العالمية الثانية ( 1939 ـ 1945 ): تميزت بانهزام فرنسا واحتلالها من طرف ألمانيا.

هذان العاملان، إذا ما أضفنا لهما عامل ضعف التقنيات، والوسائل التي كانت مستعملة آنذاك في استخراج معدن الفوسفاط وتنشيفه، نفهم مدى محدودية استخراج معدن الفوسفاط، كما نفهم مدى محدودية تطور المجال العمراني للمدينة، وضعف ساكنتها.